الدورة السابعة لمهرجان الفيلم العربي في روتردام
وجهة نظر السينما حول ثلاثية القضايا العربية: الحرب والإرهاب والحداثة
إيلافمن روتردام: في حفل اختتام الدورة الماضية لمهرجان الفيلم العربي في روتردام، تمنى رئيس لجنة تحكيم الأفلام الروائية، المخرج الهولندي العالمي جورج سلاوزر، أن لا تكون أفلام الدورة القادمة قاتمة، كما الأفلام التي شاهدها، حروب طاحنة وأزمات قاتلة ومعاناة إنسانية رهيبة لشرائح اجتماعية واسعة ينهشها الفقر، وتعمق جراحها حركات أصولية إرهابية بائسة.. أمنية جورج سلاوزر لن تتحقق للأسف الشديد، لأن أفلام الدورة السابعة لمهرجان الفيلم العربي في روتردام، والتي ستنعقد فعالياتها بين 13 و17 يونيو 2007، ستكون أيضا قاتمة، لا لأن السينما العربية مولعة بجلد ذاتها، مازوشية مثلا، إنما لعدم قدرة السينمائيين العرب، داخل العالم العربي وخارجه، الانفصال عن ذواتهم وهموم أناسهم، فالسينما كأي فن آخر، تجسيد لمعاناة البشر أفرادا وجماعات في مقام أول، ومعاناة العرب تحديدا، أكبر من أن تسعها سينما.
افتتاح تونسي
لقد اختارت إدارة المهرجان رائعة المخرج التونسي الكبير النوري بوزيد الأخيرة، quot;آخر فيلمquot;، الحائز على ذهبية مهرجان قرطاج 2006، ليكون فيلم افتتاح الدورة السابعة. و يعالج فيلم النوري بوزيد قضية الإرهاب، بأسلوب عميق بسيط كما هو دأب هذا المخرج التونسي المميز، الذي طالما ركز في أعماله السينمائية منذ quot;ريح السدquot; في الثمانينيات، على حياة طبقات القاع وفئات الدون الاجتماعي، وأراد أن يقول باستمرار، أن لكل شذوذ سياسي، جذر في بنى المجتمع الثقافية والاجتماعية والاقتصادية الظالمة والمشوهة.
أما الفيلم الروائي الطويل الثاني المبرمج ليلة الافتتاح، والمدرج في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، فهو الفيلم التونسي quot;عرس الذيبquot; لصاحبه الجيلاني السعدي. وبين النوري والسعدي ثمة قواسم مشتركة، غير الأصل التونسي الواحد، إذ يكشف السعدي أيضا عن موهبة كبيرة في الشعور بمعاناة المهمشين والمحرومين والمكبوتين في المجتمعات العربية الإسلامية، بما تعانيه من quot;شكيزوفرينياquot; حادة على كافة الأصعدة.
ابتداء من ثاني أيام المهرجان، وحتى يومه قبل الأخير، سيكون أحباء الفن السابع في روتردام، على موعد مع مجموعة من الأفلام الروائية الطويلة المميزة المتنافسة ضمن مسابقة الصقر بنوعيه الذهبي والفضي، تحكي قصصا ذات خيوط متشابكة رغم تباعد الجغرافيا، وفيها من أسئلة التحديث والاحتجاج على وقائع الحروب والأزمات العربية المتتالية الشيء الكثير، وهذه الأفلام هي كما يلي: quot;ياله من عالم مدهشquot; للمخرج المغربي فوزي بن سعيدي، quot;قص ولزقquot; للمخرجة المصرية هالة خليل، quot;فلافلquot; للمخرج اللبناني ميشيل كمون، quot;حكاية بحرينيةquot; للمخرج البحريني بسام الذوادي، quot;علاقات خاصةquot; للمخرج المصري إيهاب لمعي (عرض عالمي أول)، وquot;ظلال الليلquot; للمخرج الجزائري ناصر بختي والذي سيعرض لأول مرة في المهرجانات العربية، وأخيراً فيلم المبدع المغربي أحمد المعنوني quot;القلوب المحترقةquot; والذي سيكون عرضاً عالمياً أولاً هو الآخر.
الغائب الأبرز عن مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، وهي أهم مسابقات مهرجان الفيلم العربي في روتردام، هي السينما السورية، لندرة الإنتاج هذا العام، ولرغبة عبد اللطيف عبد الحميد المشاركة بفيلمه الأخير في مهرجان روما، وهي رغبة تحترمها إدارة المهرجان، الحريصة كل الحرص على أن تبلغ السينما العربية أهم مواطن العرض العالمية، و لطالما سعت بعلاقاتها إلى ذلك، مفضلة دائما مصلحة الفن السابع العربي العامة على مصلحة المهرجان الخاصة.
تكريم مصري
كان تخطيط إدارة المهرجان تكريم أربعة شخصيات سينمائية عربية خلال هذه الدورة، غير أن رغبة المخرج اللبناني الكبير برهان علوية في الحضور إلى المهرجان بفيلمه quot;خلصquot; الذي لم يكتمل بعد، وظروف المخرج الجزائري الكبير محمد شويخ الخاصة، دفع إلى أن يكون التكريم مصريا خالصا هذا العام، ولعله سيكون تكريما شاملا للسينما المصرية الرائدة عربيا، والتي احتفلت هذه الفترة بمرور قرن على نشوئها، مناطحة بذلك أعرق سينمات العالم، وفي مقدمتها السينما الهوليودية.
تكريم مهرجان الفيلم العربي للسينما المصرية، سيكون من خلال تحية خاصة ستوجه للكاتب والسيناريست المصري الكبير محفوظ عبد الرحمن، الذي جمع في تميزه بين الفنان مرهف الحس بقضايا شعبه وأمته، والإنسان الذي تفيض مشاعره على من حوله من الأحباء والأصدقاء، فيمنحهم الطمأنينة والقوة في آن، ويدفعهم إلى طموح لا حد له في خدمة الثقافة العربية، ومن مآثره في هذا المجال رعايته المعنوية طيلة السنوات الماضية لهذه التظاهرة، منذ أن ولد فكرة في نقاش ودي في الجزائر سنة 2000، وإلى أن بلغ quot;السابعquot; الرقم المبارك في الوجدان العربي.
و محفوظ عبد الرحمن صاحب مآثر سينمائية ثلاثة كما هو معروف، هي quot;القادسيةquot; وquot;ناصر 56quot;، وأخيرا quot;حليمquot;، فضلا عن عشرات الأعمال الدرامية التي بقيت خالدة في ذاكرة المسرح والتلفزيون العربيين طيلة ما يناهز النصف قرن الماضية.
عنوان التكريم الثاني في سابع دورات مهرجان الفيلم العربي في روتردام، هو quot;ماريان خوريquot; أحد ساعدي المخرج العربي المصري العالمي يوسف شاهين، منتجة ومخرجة وناشطة سينمائية مميزة، وثقت لذاكرة المرأة المصرية والعربية المناضلة سينمائيا، وأسهمت في بناء ملاحم سينمائية شرفت العرب في العديد من المحافل الدولية، ومن خلال توجيه التحية إليها، ستوجه تحية إلى كل النساء العربيات العاملات في حقل السينما، الفاتحات ثقوبا في جدر الظلام والتخلف والجهل.
و ضمن برنامج التكريم، سيتمكن جمهور المهرجان من مشاهدة فيلمين، quot;عرق البلحquot; للمخرج المميز الراحل رضوان الكاشف، الذي ساهمت ماريان خوري في إنتاجه، وquot;حليمquot; آخر أفلام النجم الكبير أحمد زكي، من تأليف محفوظ عبد الرحمن وإخراج شريف عرفة. وقد حصل كلا الفيلمين على جوائز و شهادات تقدير كثيرة.
ورطة الأمريكيين في العراق
من أهم البرامج الخاصة التي تشتمل عليها أجندة المهرجان السابع للفيلم العربي في روتردام، quot;العراق-أمريكا: أربع سنوات من الحربquot;، و الذي سيعرض من خلاله عدة أفلام روائية و وثائقية مميزة، عراقية وأمريكية ومن إنتاج عراقي ndash; أمريكي مشترك أيضا، من ضمنها الفيلم العراقي الكردي quot;عبور الغبارquot; لشوكت أمين كركي الذي حاز للتو على جائزة أفضل مخرج في مهرجان سنغافورة السينمائي الدولي، وquot;أم سارةquot; للمخرج الأمريكي جيمس لونجلي والذي فاز فيلمه الشهير quot;العراق في شظاياquot; بجائزة الكولدن كلوب، وخاض الترشيحات النهائية لأوسكار العام الماضي ، وquot;عملية المخرج السينمائيquot; لنينا دافنبورت، وquot;فقدان أحمدquot; للكويتي عبد الله بو شهري.
وفي إطار هذا البرنامج ستنظم ندوة بعنوان quot;العراق-أمريكا..سنوات الحرب في السينماquot;، سيدعى إليها مجموعة من المخرجين والنقاد العراقيين والغربيين والعرب، وستعقد جلستها صبيحة اليوم الثاني للمهرجان.
أفلام قصيرة ووثائقية واعدة
و على غرار التقليد الذي كرسه المهرجان طيلة الدورات المهرجان، فإن السينما القصيرة والوثائقية، ستكون حاضرة بقوة، حيث تضم المسابقات الثلاث المخصصة لهذين النوعين، عديد الأعمال المميزة، لمخرجين عرب شباب، توزعت إقامتهم على أقطار عربية وغربية عديدة، وفازت كثير من أفلامهم في مهرجان محلية ودولية كبيرة.
في برنامج مسابقة الأفلام القصيرة، سيتابع الجمهور ما يزيد عن عشرة أفلام جديدة من انتاج سنة 2006 و2007، من ضمنها: quot;فلوس ميتةquot; لرامي عبد الجبار الذي حاز قريباً جائزة أفضل فيلم قصير في المهرجان القومي للسينما المصرية وquot;راجلهاquot; لأيتن أمين، من مصر، quot;العين اللي ما تشوفكشquot; لإبراهيم لطيف وquot;صابة فلوسquot; لأنيس لسود من تونس، وquot;كازاquot; لعلي بن كيران وquot;زيارة قصيرةquot; لعبد العزيز طالب من المغرب، وquot;أتمنىquot; لشيرين دعيبس من فلسطين، وquot;شوربة دجاجquot; لفرح بوشويشة من ليبيا، وquot;قائد القماشquot; لفاطمة الزهراء زمون من الجزائر، وquot;سفرة لآخر الدنياquot; لمحمد الرومي من سوريا.
أما مسابقتا الأفلام الوثائقية الطويلة والقصيرة، فستشتمل على أفلام كثيرة ستعرض لأول مرة عالميا، من بينها الفيلمان العراقيان الطويلان quot; المراسل البغداديquot; لقتيبة الجنابي، وquot; دبليو دبليو دبليو غلغامشquot; لطارق هاشم، والفيلم الوثائقي القصير quot;ليلة هبوط الغجرquot; لهادي ماهود فضلا عن عديد الأعمال المميزة التي أحرزت جوائز كبيرة في مهرجانات عالمية عديدة مثل quot;في اتش إس كحلوشةquot; للمخرج التونسي نجيب بلقاضي، وquot;السطحquot; للمخرج الفلسطيني كمال جعفري، وquot;أنا التي تحمل الزهور إلى قبرهاquot; للسوريين هالة عبد الله وعمار البيك، وأفلام أخرى كثيرة.
نجوم وندوات
من مواعيد المهرجان اللافتة، ندوتان ستعقدان خلال اليومين الثالث والرابع للمهرجان، الأولى ستعالج موضوع quot; سينما المتوسط: الإنتاج العربي ndash; الأوربي المشتركquot;، وستبحث في تجارب سينمائية عربية، مغاربية ومشرقية على السواء، ظهرت إلى الوجود بفضل تعاون إنتاجي أوربي ndash; عربي، وستركز على بيان معوقات وآفاق وحدود هذا التعاون، من خلال مداخلات عدد من الضيوف، ممن خاضوا التجربة أو امتنعوا عنها.
أما الثانية، فستتطرق إلى موضوع quot; التلفزيون والإنتاج السينمائي في العالم العربيquot;، سيشارك فيها ممثلون عن القطاع التلفزيوني العربي، وخصوصا ممثلين لقنوات فضائية عربية خاضت تجربة الإنتاج السينمائي، سواء الروائي أو الوثائقي.
ولإثراء فعاليات المهرجان، فقد بادرت إدارة المهرجان إلى دعوة من يقارب المائة شخصية سينمائية، من هولندا وأوربا وعدد من الدول العربية، من بينهم ممثلون مشهورون كشريف منير وفتحي عبد الوهاب وسميرة عبد العزيز من مصر، ولطفي العبدلي وأنيسة داود من تونس، وكذلك عازف العود العراقي المشهور نصير شمة، الذي سيكون ضمن أعضاء لجنة تحكيم الأفلام الروائية. ومن لائحة ضيوف المهرجان أيضا، نقاد سينمائيون بارزون، على رأسهم الناقد اللبناني الكبير ابراهيم العريس الذي أسندت له مهمة رئاسة لجنة تحكيم الأفلام الروائية، ويوسف شريف رزق الله وسيكون أحد أعضاء لجنة التحكيم وقصي صالح درويش و محمد رضا وعدنان حسين أحمد وزياد الخزاعي وعرفان رشيد وبليندا دي خراف أحد أبرز نقاد السينما في هولندا، وآخرين.
كما وجهت الدعوة كذلك، لمخرجي الأفلام الروائية الطويلة وبعض الأفلام الوثائقية، بالإضافة إلى الشخصيات المكرمة، وبعض مديري ومسؤولي المهرجانات كنور الدين الصايل من المغرب وأحمد العيسوي من نيويورك وهالة جلال من مصر والمنصف بن عامر من تونس ومسعود أمر الله علي من مسابقة أفلام الإمارات ومهرجان دبي السينمائي الدولي .
كرفان وخيمة
من عناوين الدورة السابعة لمهرجان الفيلم العربي في روتردام كذلك، إطلاق القافلة الثانية للسينما العربية الأوربية، الممولة من قبل برنامج quot;اليوروميد IIquot; التابع للاتحاد الأوربي، والتي ستجوب سبعة مدن هولندية، حيث ستنطلق في أمستردام يوم 18 مايو وإلى غاية 20 منه، لتجوب طيلة الأسابيع اللاحقة مدن روتردام ولاهاي و أوترخت و دلفت و دوردرخت و زوترمير، وسيتمكن الجمهور عبرها من متابعة ما يقارب العشرين فيلما، غالبيتها من إخراج مخرجين أوربيين من أصل عربي.
كما سيشرف مهرجان الفيلم العربي يوم الأحد 27 مايو، على خيمة quot;سينما دنياquot;، المخصصة لعروض الهواء الطلق، حيث سيشتمل مهرجان quot;دنياquot; المخصص لثقافات العالم، وأحد أكبر مهرجانات الهواء الطلق في أوربا، هذا العام، على خيمة للعروض السينمائية لأول مرة في تاريخه العريق، وستعرض فيها مجموعة من الأفلام القصيرة والوثائقية، غالبيتها لمخرجين عرب يقيمون في دول أوربية، كما ستقام ثلاث ندوات للتعريف بمخرجي هذه الأفلام وإتاحة الفرصة أمام جمهور المهرجان، وخصوصا الشباب منهم، لمناقشتهم في القضايا المطروحة في أعمالهم السينمائية.
كما سيقوم المهرجان خلال أيام دورته الرئيسية في مجمع quot;سينيراماquot; وسط مدينة روتردام، لأول مرة كذلك، بتخصيص عروض لطلاب المدارس الثانوية، وذلك بالتنسيق مع الهيئات الإدارية لهذه المدارس، وستتاح الفرصة لهؤلاء الطلاب الهولنديين للقاء مخرجين وممثلين ونقاد وكتاب عرب، والدخول معهم في محادثات لتعريفهم أكثر بخصائص السينما العربية والقضايا التي تطرحها، ومحاولة إزالة الأحكام والأفكار المسبقة العالقة في أذهان بعضهم.
هذا بالإضافة، إلى مواصلة المهرجان تنظيم ما عرف خلال السنوات الماضية بquot;دورة الأحياءquot;، حيث يقوم بنقل عروضه طيلة شهر يونيو، إلى مقرات الجمعيات والمنظمات غير الحكومية، في خمسة أحياء وسط مدينة روتردام، وذلك لتقريب الفيلم من بعض الشرائح الاجتماعية التي لم تعتد ارتياد قاعات العروض السينمائية، ويلقى هذا التقليد تقديرا كبيرا من لدن المؤسسات الرسمية الهولندية.
كاتب المقال مدير مؤسسة مهرجان الفيلم العربي في هولندا.
التعليقات