طارق عبد القادر من الاردن:لمن لا يعرفه , هو مؤلف و مخرج هام و مثير للجدل , حائزعلى جائزة الاوسكار , كما انه ناشط و ناقد سياسي عرف بجرأته و معارضته للحروب الامريكية و العولمة و الارهاب و احتكار الشركات العملاقة.. و من اهم اعماله فيلمه الوثائقي الشهير فهرنهايت 11/9 , و الذي انتقد من خلاله سياسة و اداء الرئيس الامريكي جورج بوش خلال ازمة تفجيرات البرجين في مانهاتن. و قد اثار الفيلم ضجة كبيره و ردود افعال مختلفة.في فيلمه الجديد ( سايكو ) , يتناول مور موضوع سلبيات النظام الصحي في الولايات المتحدة و الذي يحتل المرتبة ال37 عالميا من حيث المستوى,و جشع شركات التأمين الصحي و بعدها عن المصداقية في تنفيذ عقودها مع المواطنين , اضافة الى توجيه اصابع الاتهام الى شركات تصنيع الادوية و قد كانت اولى مفاجئات مور في المشهد الاول , و الذي صرح من خلاله بان الفيلم ليس موجه لل50 مليون امريكي الغير مؤمنين صحيا , بل انه موجه الى ال250 مليون امريكي المؤمنين!!
في الجزء الاول من الفيلم , يقوم مور بعرض العديد من الحالات الصحية لمرضى مؤمنين صحيا عند كبرى شركات التأمين , و التي ذكرها مور بالاسم و قام بعرض شعاراتها ( اللوجوهات ) الخاصة بها , و ذلك كاثبات منه على دقة معلوماته و بالتالي عدم خوفه بأن تقوم هذه الشركات برفع دعوى تشهير ضده.. و قد تكلمت هذه الحالات بنفسها , او تكلم الاهل في الحالات التي كان المريض فيها قد توفي , كيف تم التعامل معهم بصورة غير انسانية و تم رفض ادخالهم للعلاج في المستشفيات بسبب تخلي التأمين عنهم , و عدم توفر الامكانيات المادية لديهم لتغطية تكلفة العلاج في بلد يعتبر من اغلى البلاد في مجال الخدمات الصحية. فهناك الام التي فوجئت بالتأمين يرفض السماح لها بادخال ابنتها الى غرفة الطواريء بعد ان اصابها ارتفاع مفاجيء في الحرارة , و توفيت الطفلة بينما كانت امها تحاول ان تتفاوض مع المسؤولين في المستشفى. و هناك الزوجة التي تتحدث عن زوجها الذي رفض التأمين تغطية علاج سرطان الكبد الذي اصابه , و تحدثت الزوجة التي كانت تعمل في المستشفى الذي رفض علاج زوجها بانه كان يبكي قهرا لانه شعر بان لونه الاسود كان وراء رفض طلب علاجه , الا ان اكثر المشاهد قسوة , هو المشهد الذي قامت فيه سيارة شرطى برمي امرأة عجوز مريضة امام احد المستوصفات التابعة لاحد الجمعيات الخيرية , و عند لقاء المرأة صرحت بان تأمينها توقف عن تغطية علاجها , مما دفع المستشفى فجأة و بدون انذار الى اخراجها بمساعدة الشرطة.. اضف الى ذلك العديد من الحالات المأساوية و التي تناولها الفيلم عن تخلي شركات التأمين عن تنفيذ العقود المبرمة مع المرضى , و التي سيفاجأ يها كل من سيشاهد الفيلم. مايكل مور في فيلمه الاخير سايكو
و كعادة افلام مور , قدم الفيلم اثباتات على الفساد الاداري داخل اروقة الحكومة الامريكية , فقد تحدث عن مبادرة هيلاري كلينتون لتنفيذ مشروع نظام التأمين الصحي العام , و الذي تراجعت عن دعمه فجأة , لنكتشف بعد سنوات ان احدى شركات التأمين قامت بتقديم دعم مادي سخي لحملتها الانتخابية. كما و قدم الفيلم تسجيل صوتي لحوار دار بين الرئيس الامريكي السابق نكسون و نائبه , و هو شريط كان قد تم تسجيله دون علم نكسون من باب التجسس عليه , و الذي عبر فيه نكسون عن اعتباره بان موضوع الخدمات الصحية للمواطنين هو موضوع سخيف لا يستحق ان يتحدث عنه , و في اليوم الثاني , و خلال خطاب له موجه الى الشعب الامريكي , اطلق نكسون النظام الصحي الجديد ( و المعمول به حتى الان ) و اكد ان الخدمات الصحية للمواطنين هي اهم اولوياته. الى جانب ذلك , فقد بين الفيلم بالارقام , المبالغ التي قدمتها شركات التأمين و شركات صنع الادوية الى العديد من المسؤولين في مجلس النواب و الشيوخ , و حتى القائمين على البيت الابيض و على رأسهم جورج بوش , و هو السبب الرئيسي - بوجهة نظر مور ndash; وراء عدم سعي احد الى تحسين الخدمات الصحية.
في الجزء الثاني من الفيلم , يسافر مور الى العديد من الدول التي تطبق نظام التأمين الصحي العام , و هو ndash; وكما ذكر الفيلم ndash; التأمين الذي وضعه النظام الشبوعي في الاتحاد السوفيتي , و يستغرب مور لما اعتمدت الحكومات الامريكية على العديد من المباديء و الانظمة التي وضعها الشيوعيون , الا نظام التأمين الصحي. البداية تكون في كندا , و التي قام مور بعمل جولة على مستشفياتها , كما و قام بعمل حوارات مع مرضى قام نظام التأمين بتغطية نفقات علاجهم مجانا , في الوقت الذي تصل تكاليف علاجات مماثلة في الولايات المتحدة الى عشرات الاضعاف. و ترفض شركات التأمين تغطية حالات مماثلة , و تتكرر مع مور نفس مستوى الخدمات الصحية المميزة و المجانية خلال زياراته لبريطانيا و فرنسا , و لقائه لمجموعة من الامريكيين الذين هاجروا لتلك الدول للاستفادة من مجانية العلاج و التعليم و الخدمات الاجتماعية.
اهم جزء في الفيلم , هو الجزء الذي يقوم فيه مور باصطحاب سبعة من ابطال انقاذ ضحايا تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر - الذين تخلت الحكومة الامريكية عن تغطية تكاليف علاج الامراض المختلفة التي اصيبوا بها اثناء تطوعهم لاجلاء المصابين في التفجيرات ndash; الى كوبا للعلاج.. نعم كوبا التي تتهمها الولايات المتحدة بدعم الارهاب و مصادرة حقوق الانسان , كما و تفرض عليها عقوبات و حصار اقتصادي منذ اكثر من اربعة عقود , في البداية يأخذ مور المجموعة على قارب الى سجن جوانتنامو الشهير , حيث يحاول ادخالهم لتلقي العلاج هناك بسبب توفر اعلى مستويات و تقنيات العلاج هناك ( هذه المعلومات على ذمة مور ).الا انه يفشل في دخول هذه المستعمرة , فيأخذهم للعلاج في مستشفيات عامة في كوبا , و يتفاجأ الجميع بالمستوى المتقدم و الانساني للعلاج في كوبا , اضافة الى مجانية العلاج , و رمزية اسعار الادوية , خاصة اذا ما قورنت باسعار الولايات المتحدة.
كما و يعرض الفيلم تسجيل لطبيبة استشارية لاحد اكبر شركات التأمين , و هي تعترف امام المحكمة بانها خالفت ضميرها و شرف المهنة و قامت بتقديم تقارير غير صحيحة عن حالالت الالاف من المرضى و ذلك لتهرب شركة التأمينمن مسؤولية تغطية تكاليف علاجهم , بينما كانوا يستحقون تلك التغطبة , و قالت الطبيبة ان السبب لاعترافها هذا هو شعورها بتأنيب ضمير بسبب الحالات الكثيرة التي ساعدت على حرمانهم من حقهم بالعلاج , و هو ما علق عليه مور بانها حالة نادرة ان يشعر احدهم بتأنيب الضمير. كما و التقى مور باحد موظفي شركة تأمين كبرى , و ظيفته ان يبحث بين سطور العقد كي يجد اي خطأ و لو املائي كتبه مقدم الطلب كي تتخلى الشركة عن تغطية تكاليف علاجه , بل و يصل به الامر الى البحث في عقود بعض المرضى التي تمت تغطيةتكاليف علاجهم من قبل شركة التأمين فعلا , ليقوم برفع دعوى على الوريض ليعيد للشركة ما دفعته مع بعض التعويض.
الفيلم مليء بالمفاجئات التي تجعل المشاهد يحتار في امره , فكيف تدعي الولايات المتحدة انها الدولة الاعظم , و تفرض ديمقراطيتها على الدول الاخرى و لو بالقوة , كما و تدعي بانها ترعى المساواة و تطبيق قوانين حقوق الانسان , بينما يعاني الملايين داخلها من عدم وجود المساواة في اهم قطاع , الا و هو قطاع الخدمات الصحية و الذي اصبح الفساد و الرشوة و الاهمال احد ميزاته حسبما بين لنا هذا الفيلم.. و هو اكبر دليل على زيف الحلم الامريكي , و مقدمة لانهيار هذه الامبراطورية الاعظم و التي كان من الاولى لها ان تستثمر اموالها في علاج شعبها ,بدلا من استثمارها لاشباع غريزة العنف في حروبها ضد شعوب العالم.
- آخر تحديث :
التعليقات