عبداللّطيف الوراري من أغادير: تحتضن مدينة أغادير، خلال هذا الأسبوع، فاعِليّات مهرجانها السّنويquot;السّينما والهجرةquot; في نسخته الخامسة، الّتي تبدأ من يوم 23 كانون الثاني/يناير حتّى 26 منه. ويندرج المهرجان في إطار تكريس تقليد الاهتمام بتيمة الهجرة، وتتبّع مختلف أوجه المعالجة الفنية السينمائية للظاهرة، إذ تتميّز هذه الدّورة بحضور نوعيّ لوجوهٍ سينمائية مغربيّة وأجنبيّة معروفة وناشئة يشغل ريبرتوارهم السينمائيّ موضوع الهجرة الإشكالي، الملحّ والمستعجل؛ بحيث سيتمّ عرض أزيد من عشرين فيلمًا مطوّلاً بين الدّرامي والوثائقيّ، وأكثر من أربعين فيلمًا قصيرًا أغلبها إنتاجات جديدة (ما بين 2006 ndash; 2007) تتناول الموضوع فنّيًا تتحكّم به رؤية المخرج وخلفيّاته. وما يعطي هذه المقاربات الفيلميّة قوّتها وأثر جماليّاتها أنّ كثيرًا من مخرجيها كانوا ممّن عاشوا،أو لا يزالون، في بلاد المهجر، وذاقوا مرارة الإغتراب، وتجربة الحدود بين الضفّتين.

ملصق المهرجان

ولعلّ أهمّ الأفلام المشاركة في المهرجان:
quot;الاسلام يا سلامquot; لسعد الشرايبي، الذي يطرح مشكلة نظرة الغرب إلى الثقافة العربية الإسلامية، وتمثّل فيه سعاد حميدو التي سيجري تكريمها خلال هذه الدّورة، وفيلمquot; الحلم المغربيquot; لجمال بالمجذوب، الّذي يصوّر حمّى الارتقاء وأحلام المال والشهرة لمجموعة من الشباب تعيش في جبال الاطلس، وتحلم بتغيير أوضاعها المادّية، وquot;امرأتان في الطريقquot; لفريدة بورقية،الّذي يتوغّل في حياة المرأة من خلال قصة أمينة التي تبحث عن زوجها، و real remonition لأحمد زياد المخرج المقيم في أميركا، الّذي لم يتردد في كتابة فيلمه باللغة الإنكليزيّة حيث يشترك فيه ممثلون مغاربة وأميركيون، وlaquo;في انتظار بازولينيraquo; لداوود أولاد السيد، الذي يحكي، بروح ساخرةٍ، قصة معاناة الكومبارس في الأفلام الأجنبية التي تُصوَّر في المغرب، وlaquo;عود الوردraquo; لحسن زينون، الّذي تحكي أحداثه، في مغرب العشرينيات، قصة الجارية عود الورد التي اتّخذت من الموسيقى وسيلة لتحرير الروح والجسد من حياة العبودية، وquot;أركانةquot; لحسن غنجة، الّذي سيدة تقاوم الاستغلال في منطقة نائية في المغرب، تجسّد دورها الفنّانة الوزيرة ثريا جبران.

من فيلم وداعا بازوليني
وتتّجه أنظار جمهور أغادير إلى الفيلمين quot;فين ماشي ياموشي quot;لحسن بنجلون، الّذي يؤرّخ الظّهور الأخير للفنان عبد الرّحيم بركاش الرّاحل قبل أيّام بسببٍ مرض عضال، وquot;وداعًا أيتها الأمّهات quot; لمحمد إسماعيل، لا سيّما أنّ الفيلمين يتناولان موضوعًا جديدًا وغير مفكّر فيه داخل ريبرتوار السينما المغربيّة يهمّ تهجير اليهود المغاربة إلى فلسطين بعد الحرب الثانية اعتمادًا على وقائع تاريخيّة، وأحداث واقعية.

يروي شريط quot;وداعًا أمّهاتquot; قصّة حبٍّ بين شابٍّ مسلم وفتاة يهوديّةٍ ينحدِران منْ أسْرتين، واحدة مسلمة والأخرى يهوديّة، كانتا تنعمان بحياة يخيّم عليها جوّ التّعايش والتفاهم في أحد أحياء مدينة الدار البيضاء، لكن سُرْعان ما تنتهي القصّة بالفشل بسبب والِديْن محافظين جدًّا. وتعود أحداثه إلى سنوات الستّينات من القرن السابق أيّام الفترة المعروفة بـ quot;السنوات السوداء للهجرةquot; الّتي عاشها يهود المغرب حيْث كان يتوزّعهم الإحساس بين الرغبة في البقاء في الوطن الأم أو الرحيل عنه في ما يشْبِه صفة الاقتلاع بسبب نشاط وإغواء وكالات تهجير اليهود إلى أرض فلسطين تحْت وهم quot;أرض الميعادquot;.
كما يتمّ عرض أفلام أخرى لمخرجين من الجزائر وكندا وألمانيا وفرنسا وبلجيكا وهولندا والولايات المتّحدة، مثل فيلم المخرج الجزائري جمال بنصالح quot;كان يا ما كان في باب الوادquot;. وفي ضوء هذه الوفرة، يكتشف المتتبّع التعدد الفني والأسلوبي لأفلام الدورة فيما هي تستند في مسرحة السّرد السينمائيّ لتيمة الهجرة وصورها المعيوشة والمتخيّلة على أحداث واقعيّة ووقائع فنتازيّة.
إلى جانب ذلك، تتيح الدورة فرصة الاحتفال بالشّريط القصير، إذ تعرف عرض حوالى خمسين فيلمًا من المغرب وخارجه، وتنظيم ندوات وموائد مستديرة حول ظاهرة الهجرة من خلال علاقتها بالفنّ السابع والتنمية وحقوق الإنسان ينشّطها أساتذة باحثون وأكاديميّون متخصّصون في دراسة وتحليل مختلف تجليات هذه الظاهرة، وظلالها في السينما الفرنسية وتجربة دول اميركا اللاتينية وجزر الكرايبي، طالما أنّ موضوع الهجرة كانت له أبعادٌ متعددة منها ما هو اقتصادي وإنساني، وما هو سياسيّ أيضًا. وما يميّز المهرجان هذه السّنة انفتاحه على الأحياء الهامشية من خلال القافلة السينمائية التابعة للمركز السينمائي المغربي، فضلاً عن تنظيم ورشات تكوينية لفائدة الممثّلين الشباب.
وخلال أيّام المهرجان، الّذي تنظمه quot;جمعية المبادرة الثقافية بأغاديرquot;، تظهر مدينة أكادير كعاصمة أخرى للسّينما اختارت تيمةً خاصّة بها تميّزها عن باقي مهرجانات المدن الأخرى مثل مرّاكش وطنجة والدّارالبيضاء، وتمنحها النّكهة اللائقة بها كمدينةٍ سياحيّةٍ ترمز إلى التسامح والتعايش، وإن كانت لا تزال تشكو من عسر هضم ثقافيّ لغياب فاعليّات ثقافيّة وأدبيّة حقيقيّة من الممكن أن تساهم في إنعاشها وإشعاعها على المستوى المحلي والوطني والدولي، خارج إطارالفلْكلرة السّائدة حتّى اليوم.


*شاعر وناقد من المغرب.
[email protected]