دمشق: خلال الفترة من 31 أكتوبر/تشرين الأولوحتى 7 نوفمبر/تشرين الثاني تحتفي سورية بمهرجان دمشق السينمائيّ الدوليّ الذي كان ينعقد كلّ سنتين بالتبادل مع quot;أيام قرطاج السينمائيةquot; في تونس، ويتكامل معها في الجغرافيا السينمائية، الآسيوية، الأميركية اللاتينية، العربية، والأفريقية.
وحسنًا فعلت وزارة الثقافة السورية، والمُؤسّسة العامة للسينما بتحويل المهرجان إلى تظاهرةٍ سنوية، كما احتياجها إلى واحدٍ دوليّ آخر على الأقلّ (مُخالفًا في هذا الطموح كلّ من يبخل على سورية حتى بمهرجانٍ واحد).
ولكن، أجد بأنّ المسيرة الجادة للمهرجان تسمح له الانتقال إلى طابع دوليّ من خلال دعم، وتطوير خصوصيةٍ سينمائية ما تفتقدها المهرجانات العربية الكبرى (إحدى هذه الخصوصيات: مسابقة وطنية خاصة لعموم الأفلام السورية، والتسجيلية القصيرة المُنتجة خلال عام).
الكثير من المهرجانات الدولية المُوزعة في جميع أنحاء العالم أثبتت نجاحها، وحضورها في المشهد السينمائي العالمي، وبالتوازيّ، اكتسبت مهرجاناتٍ أخرى أهميتها، وquot;دوليّتهاquot; من خلال تخصصها.
في فرنسا على سبيل المثال: تنضح برامج quot;المهرجان الدولي للفيلمquot; في مدينة quot;آميانquot; بالسينما الآسيوية، الأفريقية، والأميركية اللاتينية.
وفي دورته الـ 29 التي سوف تنعقد خلال الفترة من 13 وحتى 22 نوفمبر، يُكمل مسيرته في الكشف عن الكنوز السينمائية للاستوديوهات الكبرى في العالم، وهذه الدورة من نصيب استوديوهات Yesilccedil;am في تركيا، إضافة إلى برامج أخرى:
ـ استوديو المُمثل، وهوليوود الجديدة.
ـ على خطى quot;بانشو فيلاquot;، وquot;إميليانو زاباتاquot;، السينما، والثورة المكسيكية خلال الفترة 1910-2010.
ـ تكريم المخرج، والسيناريست المكسيكي غويليرمو آرياغاquot;، المُمثلة/المُخرجة التركية quot;توركان سورايquot;، المخرج quot;فلورا غوميزquot; من غينيا بيساو، والمخرج quot;جيون سو- إلquot; من كوريا الجنوبية.
بدوره، quot;مهرجان القارات الثلاثquot; في مدينة نانت، ومع أنه يهتمّ بنفس المنطقة الجغرافية، وتُظهر برامجه اختلافاتٍ جذرية، ورُبما لن نعثر على فيلمٍ واحد يتقاطع في المهرجانين، حيث يحتفي في دورته الـ 31 خلال الفترة من 24 نوفمبر، وحتى 1 ديسمبر بالأفلام الصامتة لآسيا الوسطى، وبالتحديد جمهوريتىّ أوزبكستان، وطاجكستان، كما يُسلط الضوء على أعمال المخرج الياباني quot;كيوشي كوروساواquot;، ويُعرّف المتفرج بسينمات القرن الأفريقي (أرتيريا، جيبوتي، إثيوبيا).
وأيضًا، ولِمَ لا ؟ برنامج خاص لأفلام النوع: الفانتازيا، والتشويق.
ومع أنه يرفع شعار quot;سينماتquot; القارات الثلاث، إلا أنه يُخصص مساحةً مُعتبرة للإنشاءات، والتركيبات السمعية/البصرية القادمة من لبنان.
بينما تخصصت quot;مونبيلييهquot; بالسينمات المُتوسطية، quot;مارسيلياquot; بالأفلام التسجيلية، quot;دوارنينيزquot; بسينما الشعوب، والأقليات، quot;كليرمون فيرونquot; بالأفلام القصيرة من كلّ الأنواع، وquot;كريتييّquot; بأفلام المرأة، وهنا، لا أقصد أبدًا حصر دور مهرجان دمشق السينمائي الدولي بتيمةٍ مُحددة، وإنما البحث عن quot;خصوصية سينمائيةquot;.
quot;دوليةquot; المهرجان تعني أفلامًا من كلّ أنحاء العالم مُنتخبة من نجاحاتها في مهرجاناتٍ دولية أخرى، هي عاجلاً، أم آجلاً سوف تكون في متناول المُتفرج المحلي، ويحظى المُحترف بفرصة مشاهدتها في مناسباتٍ سينمائية عديدة.
وحدها quot;خصوصيةquot; المهرجان سوف تعفيه، وتبعده عن أيّ منافسةٍ محلية، إقليمية، أو عربية، وتجعله يبحث عن أفلامٍ لن يتسنى للمُتفرج المحليّ مشاهدتها في يوم من الأيام، ويجد الضيوف المُحترفين أفلامًا لم/ولن يشاهدوها في مهرجاناتٍ عربية أخرى، إلاّ عن طريق المهرجانات المُتخصصة في العالم.
سينمات دول الإتحاد السوفييتي السابق، والتي كانت في صلب اهتمامات مهرجان دمشق هي إبداعاتٌ بحاجةٍ إلى الاكتشاف، والمُشاهدة.
بدورها، السينمات الآسيوية أخذت مكانها في مهرجاناتٍ عالمية، ولكنهالا تزال مجهولة بالنسبة إلى المتفرج المحلي، وسينمات أميركا اللاتينية بعيدة المنال.
لا يكفي بأن تعرض المهرجانات العربية quot;الدوليةquot; فيلمًا من اليابان، وآخر من روسيا، وثالثًا من الأرجنتين، ومن ثمّ الاحتفاء بسينمائيّ، أو سينما معينة كي تحقق ثراء quot;الخصوصيةquot; .
لقد تخيّر مهرجان دمشق quot;دوليتهquot; كي يُطلّ المُتفرج من خلاله على سينمات العالم من دون تفضيلٍ، أو تمييز، وهذا بحدّ ذاته إيجابيّ، فعالٌ، ومُؤثر، ولكن، من دون الحنين إلى الماضي، تستطيع إدارة المهرجان الحفاظ على طموح quot;الدوليةquot;، وتحقيق ثراء quot;الخصوصيةquot; السينمائية بآنٍ واحد إذا ارتكزت البرامج المُرافقة لمُسابقتيّ الأفلام الطويلة، والقصيرة على فكرة الاكتشاف.
حاليًا، يعتمد المهرجان على أفكارٍ، تيماتٍ، وتكريماتٍ مهمّة، ثرية، وضرورية، ولكن، فلليني، أنطونيوني، آلان ديلون... ليسوا بحاجةٍ إلى الاكتشاف، أفلامهم، وعلى عكس الماضي، أفترض بأنها موجودة في الأسواق المحلية، كما الأفلام الأحدث إنتاجًا.
هناك أسماء، اتجاهات، وأساليب غائبة تمامًا عن المشهد السينمائي العربي، ولن تتوفر بسهولة للمُتفرج العادي، أو المُحترف.
سوف تستهلك المهرجانات السينمائية العربية نفسها، وسوف تتشابه عندما تعتمد فقط على المهرجانات الدولية الكبرى كمصدر رئيس لبرمجتها.
هناك مصادر أخرى أكثر نوعيةً، وفائدةً ـ رُبما ـ مما تقدمه كان، برلين، لوكارنو، تورنتو،.. والتي تجد معظم أفلامها مكانًا للعرض في الصالات التجارية (أو أسواق الفيديو).
وهذا يتطلب التفكير بحلةٍ جديدة لكلّ المهرجانات السينمائية العربية، تجعل المتفرج يكتشف تياراتٍ جديدة، وتضعه في حالةٍ من الدهشة، والتساؤلات الإبداعية، كما تثير فضول أيّ محترفٍ سينمائيّ.
الجديد، لا يعني أبدًا الإنتاج الأحدث، ولا الطليعيّ في السينما، وإنما كلّ ما هو جديدٌ على المُتفرج، وخاصةً جيل الشباب.
من جهة أخرى، لا يقتصر دور المهرجان السينمائي فقط على تقديم كلّ ما هو جيدٌ، نوعيّ، وجادّ، ولكن، بالتحديد الكشف عن ثراء السينما، خصوبتها، وتطوّرها ماضيًا، وحاضرًا، وإمكانياتها المُستقبلية.
في الوقت الذي يقدم المهرجان(أيّ مهرجان) برنامجًا عن السينما التجريبية، ويشحذ آفاق المتفرج العادي، والمحترف، من المفيد بأن يتعرّف على العلامات الفارقة في أفلام الكابوي، أو الملاحم التاريخية، والأسطورية.
والاهتمام نفسه بالفيديو آرت، من الضروريّ اكتشاف أفلام الدرجة الثانية، والثالثة، ومنها أفلام الهلع، والرعب، وإعادة الاعتبار لها كجزءٍ من الموروث السينمائي الحافل بالمُفاجآت.
وإلى جانب ميلودرامات مُنتقاة من السينما الهندية، من الأهمية بأن تتسامى أحاسيسه البصرية عن طريق الإنشاءات السمعية/البصرية.
باختصار، لم تعدّ المهرجانات العالمية، والمُتخصصة مُقتصرةً على تلك النظرة المحدودة بعرض أفضل الأفلام، أكثرها جودة، وأعظمها في التاريخ، بل أصبحت تعيّ ضرورة الكشف عن عموم السينما، ودراستها.
لقد أصبح لزامًا علينا إعادة التفكير بثقافتنا السينمائية، وبثّ روح جديدة فيها، وإعادة النظر في مسلماتٍ نقدية كثيرة حول السينما.