علاء أسواني في حوار مع quot;الماغازين ليتريرquot;: أنا كاتب ملتزم وإنساني النزعة

فوزي بوخريص: نشرت مجلة الماغزين ليترير الفرنسية المرموقة حوارا مع الروائي المصري علاء أسواني، صاحب رواية quot;عمارة يعقوبيانquot; التي عرفت نجاحا منقطع النظير، حيث ترجمت إلى العديد من اللغات الحية، منها الفرنسية في السنة الماضية (عن منشورات اكت سود، بترجمة لجيل غوتيي) وبيعت منها مئات الآلاف من النسخ عبر العالم، كما تحولت إلى فيلم سينمائي، وإلى مسلسل تلفيزيوني.
الحوار أجرته ساندرين فيليبيتي على هامش صدور رواية علاء أسواني الجديدة quot;شيكاغوquot;، وقد قدمته على انه كاتب ملتزم وروائي إنساني النزعة.
تجري أحداث الرواية الجديدة في مدينة شيكاغو الكوسموبوليتية، في قلب شعبة الهيستولوجيا بكلية الطب، وتحكي عن شخصيات، مصرية في غالبيتها، في صراع مع أهوال الوجود: المنفى، العزلة، الجنس، السياسة، العنصرية، القمع، الدين.
وعلى عكس ما يوحي به عنوان الرواية، فموضوعها المحوري هو النظام المصري، حيث تنتقد الرواية عبر حكايات شخصياتها، الفساد، البؤس، التبعية، كذب الحزب الحاكم، وخصوصا الإسلام الذي يمثله الفقهاء الذين يوظفون الدينquot;من اجل تقوية الأنظمة الاستبداديةquot;.
في مستهل هذا الحوار اعتبر علاء أسواني روايته الجديدة quot;شيكاغوquot; ذات نزعة إنسانية، فهو كاتب ملتزم بالديمقراطية. ويكتب مقالات عديدة في هذا الإطار، وهو عضو حركة quot;كفايةquot; التي تناضل بنشاط من اجل الديمقراطية في مصر. ويستحضر بالمناسبة عبارة لماركيز، كتبها في سنوات الستينيات والسبعينيات، عندما كان متأثرا بأفكار اليسار العالمي: quot;دور كاتب ثوري هو أن يكتب رواية جيدةquot;. ولهذا فأسواني يحاول جاهدا كتابة روايات جيدة وخصوصا روايات ذات اتجاه إنساني، لأنها الطريقة التي يتصور بها الأدب. فهو ينطلق من مبدأ أن العمل الإبداعي يتضمن عنصرين أساسيين: عنصر محلي، يتمثل في المعرفة التي للكاتب بالمجتمع الذي يعيش فيه و بشعبه، وعنصر إنساني. وعليه ككاتب أن يستعمل العنصر المحلي، معرفة ما يجري في مصر بالنسبة له، من اجل تشكيل العنصر الإنساني. وهذه الرؤية الإنسانية هي بالتحديد ما يجعل رواية ما في متناول الجميع.
ويعتقد أسواني أنه إذا كان مدفوعا دائما بالحاجة إلى خلق عالم على الورق، فانه بالمقابل لا ينطلق من قصد سياسي قبلي. وهذا لا يعني انه ليست هناك رسائل سياسية في رواياته. فهناك مواضيع اجتماعية وسياسية، لكن من خلال حياة الشخصيات فقط. شخصياته تمثل أفرادا يحلمون بحياة كريمة، بحياة بسيطة. ففي شيكاغو، كل الشخصيات مسحوقة بأنظمة ظالمة، يلتقي في ذلك المصري و الأمريكي: الديكتاتورية بالنسبة للأول، والآلة الأمريكية بالنسبة للثاني. ففي هذا الجانب أو ذاك ليس هناك اختلافات أساسية بين الكائنات البشرية.
واعتبر أسواني أن الأدب العربي لم يقدم، إلى حد الآن، إلى الغرب بطريقة ناجعة ومنصفة. فإلى حد الساعة هناك مشكل خطير في الترجمة.المشكل يطرح في أوربا، لان الترجمة الأدبية من البلدان العربية إلى الغرب، يقوم بها دائما مستعربون. وهؤلاء لا ينتمون دائما لعالم الأدب. فهم ينحدرون من العلوم السياسية أو الدراسات الإسلامية، ويوظفون الأدب غالبا لإعطاء صورة بعينها عن العالم العربي، وبإخفاء أو بمحو ما لا يتلاءم معهم. إن هذا خطير جدا. ويعتبر الكاتب أن المسألة مغايرة نسبيا في فرنسا، لان مصر وفرنسا يقيمان علاقات متميزة ولان التأثير الفرانكفوني يظل كبيرا جدا في الثقافة المصرية. وحالته استثنائية، لأنه استطاع أن يمر فوق كل الحواجز. ليس المستعربين الذين اهتموا بمسوداته. في فرنسا، عندما خصصت مجلة quot;فكر الظهيرةquot; احد أعدادها للأدب المصري بعد نجيب محفوظ، قدم محرروها العديد من الروايات وترجموا صفحتين من quot;عمارة يعقوبيانquot;. هكذا قرر تيري فابر نشرها في اكت سود. أما فيما يتعلق بquot;شيكاغوquot;، فمترجمه جيل غوتيي، الذي هو مع ذلك دبلوماسي وحاليا سفير فرنسا في اليمن، قرر ترجمتها حتى قبل الاتصال بالناشرين. هكذا استطاع أسواني المرور عبر الثقوب. ربما لو حدثت الأمور بطريقة أخرى، سيتغير كل شيء بالتأكيد بالنسبة لرواياته، كما بالنسبة لمساره الأدبي.
وحول سؤال لماذا تتفق كل شخصيات الرواية، رغم الاختلافات القائمة بينها حول، موضوع تخلف مصر، يجيب أسواني بأن هذا الموضوع بالنسبة لمصر هو غيره بالنسبة لبلد آخر لم يسبق له أن أثر في الحضارة الإنسانية. ففي هذه الحالة الأمر يبدو طبيعيا. أما بمعرفتنا لتاريخ الحضارة المصرية وقياس إشعاعها على المستوى الثقافي، تبدو المفارقة صارخة. فكيف انهارت مثل هذا الحضارة إلى هذه الدرجة؟ فالكاتب ينظر دائما إلى مصر مثل شخص يرتدي قميصا أضيق من حجمه. هذا القميص الذي يعوق مصر هو الديكتاتورية، التخلف، الوهابية. ولا يمكن التسامح مع هذا. إن مصر تستحق ديمقراطية. إنها البلد الذي كان له أول برلمان في الشرق الأوسط، أول دستور، أول ثورة... وتوجد اليوم معركتان متوازيتين متساويتين من حيث الأهمية. المعركة من اجل الديمقراطية، والمعركة من اجل الحفاظ على الروح المصرية، التسامح والثقافة المصرية ضد الوهابية. ينبغي إدراك أن مصر قد تأثرت بقوة بالوهابية منذ نهاية السبعينيات. فطوال عشرين سنة ذهب ربع المصريين للعمل في العربية السعودية، وعادوا بأفكار مثل ارتداء الحجاب والنقاب بالنسبة للنساء الخ.كل هذا لا يتلاءم مع مصر. فقد كانت مصر مجتمعا كوسموبوليتيا طوال قرون، وكان للمصريين تأويل متسامح وإنساني للدين . ويعتبر الكاتب أنه يجد نفسه شخصيا في قلب هذه المعارك، بكتابته وبرواياته.