إرث العابر hellip; فاتحة المستقبل

إيلاف: تأتي ورشة الاكتشافات الأثرية الحديثة في المملكة العربية السعودية مع حلقة النقاش والمعرض المصاحب لها؛ تأكيداً لما تُوليه المملكة من اهتمام بالغ بالإرث الإنساني الكبير الذي تحتضنه الجزيرة العربية بشكل عام، وما تزخر به المملكة خاصة من مخزون هام لحضارات تعاقبت على أرضها، إذ كان الحفاظ على ذلك الإرث من أهم إنجازات التنمية؛ لكونه دلالة التقدم الحقيقي في الكثير منالمجالات، كما تُعزز هذه الفعالية مكانة تلك التركة الإنسانية، بوصفها quot;إرث العابرquot; الذي هو نتاج تلك الحضارات وعماد تاريخها، وبصفته ـ هذا العابر بالزمن والمكان معاً ـ مناخاً خصباً لتشكيل بُعداً ثقافياً يُوحد بني الإنسان في منظومة التعارف والشراكة المستدامة.
وباستبطان عمق quot;إرث العابرquot; وتمحيصه جغرافياً وتاريخياً؛ فإننا سنقف على إشراقة كبرى لهذا المنجز الإنساني؛ لما اكتنفه من تعدد القيم السوية لأنماط الحياة المختلفة بتجاورها وتعايشها وتآلفها، في زمان ومكان واحد، كما دلّت على ذلك الاكتشافات الحديثة لبعض الحضارات المتقاربة، وهذا يدفعنا إلى قراءة مستقبل الإنسان وهموم حاضره؛ بحثاً عن عدالة أكثر تُحاكي تلك الجوانب المضيئة في تلك الأزمنة الغابرة، إذ عبر ذلك الموروث نكون أمام ملامح مشتركة بين الأمم والشعوب.
ولكي نقف على ماهية quot;إرث العابرquot;، وكيف حافظ على تفاصيل تلك الملامح طيلة آلاف السنين؛ كان لزاماً علينا أن نمدّ جسور المعرفة والعلم إلى ذلك الإرث، وأن نُؤسس الوعي بأهميته كمنتج عالمي عريق، فأُنشئت في الجامعات السعودية منذ عقود زمنية مضت المتاحف وأقسام الآثار وعلومها؛ لتطوير القدرات وتنميتها في هذا المجال وخلق البنية المعرفية لهذا العلم الهام، وذلك بالنهل من التجارب العالمية ميدانياً ونظرياً، واستقطاب كبار الباحثين والدارسين، وتأهيل الكوادر في أعرق المؤسسات العالمية ذات الشأن، إضافة إلى إنشاء الهيئة العليا للسياحة كقطاع حيوي في هذا المجال، وذلك حفاظاً على الموروث المتعدد والممتد عبر عصور بعيدة، وحتى الحديثة منها كالحضارة الإسلامية التي توزعت معالمها وانتشرت مآثرها الفكرية والعمرانية في أنحاء الأرض.
ولأن التواصل المعرفي والعلمي مع المراكز العلمية والثقافية هو تيمة العمل داخل الملحقية الثقافية السعودية في فرنسا، وحيث أن الجامعات السعودية، وبريادة جامعة الملك سعود في هذا المضمار، عملت على النهوض بـquot;إرث العابرquot; من نمط التقليد إلى مستوى الدراسة والبحث والتنقيب؛ فإن الملحقية الثقافية قد عمدت إلى تبني مثل هذه الفعالية باعتبارها أهمّ وسائل الحوار، وأميز سبل التواصل الفاعل؛ لتقديم القيم المثلى والرُؤى الواعية في المملكة، وهذا ما حدى بهذه الفعالية أن تتحلى بالبُعد العلمي الذي يُوطد العلاقة بالآخر ويُحي المثاقفة معه في شتى ميادين الحياة.
وتأسيساً من الملحقية الثقافية لأُفق أرحب؛ للتعاون بين المؤسسات التعليمية والهيئات المختصة في المملكة ومثيلاتها في فرنسا، وتحقيقاً لما ترجوه من تعاون مشترك وعلاقات بين جامعية، وتدعيماً للدراسات وذوي الاختصاص في مجال الآثار، فقد اقترحت عقد ورشة العمل هذه في باريس، للتعريف بآخر الاكتشافات الأثرية على أرض المملكة، وبمشاركة عدد من علماء الآثار والأساتذة السعوديين والفرنسيين، وكذلك إحياء طاولة مستديرة تتناول تلك الاكتشافات، بأمل توثيق العلاقات في الوسط الأكاديمي بين الجانبين، وإيجاد فرص النقاش وتبادل التجارب بينهما.
وقد حرصت الملحقية الثقافية أن تكون هذه الورشة في رحاب إحدى أهم الجامعات الفرنسية، وهي جامعة السوربون1، التي رحب مسؤوليها بإقامة الورشة في المعهد الوطني لتاريخ الفنون، وكذا معرض الصور الفوتوغرافية المصاحب لورشة العمل، ويُعد هذا المركز من أشهر المراكز الثقافية في أوروبا، مما يُسهم في أهمية هذه الورشة ويُؤكد القيمة الثقافية للآثار في المملكة وما وصلت إليه اليوم من مكانة تُؤهلها لأن تكون إرثاً إنسانياً عالمياً مسجلاً لدى الهيئات والمؤسسات العالمية؛ مستفيداً هذا الإرث من الدور الكبير والهام الذي تقوم به الجامعات السعودية من دراسات علمية دقيقة له وأعمال ميدانية على مواقعه.
وتُعد هذه الفعالية هي أول ورشة عمل ثقافية علمية في مجال الآثار بين الجانبين السعودي والفرنسي، يُرجى منها دفعاً ودعماً للحركة الثقافية في المملكة إلى جانب تدعيم أواصر التعاون والتبادل المعرفي البيني، وهي تندرج ضمن مشاريع ثقافية مجدولة ضمن المناشط الأخرى والتي ستقوم بتنفيذها الملحقية الثقافية السعودية في فرنسا؛ تحقيقاً لأهدافها من الحراك الفاعل في المشهد الفرنسي، ومن تلك الأهداف نقل النتاج الفكري والعلمي السعودي، والنتاج الإنساني بشكل عام، إلى هذا الوسط الهام في أوروبا والعالم.
وإذ يكون مسعانا وتحقيق الأهداف المرجوة، فإن سبيلنا إلى ذلك منهج بناء الإنسان الحديث الذي يحمل لواءه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود ـ حفظهما الله ـ، وذلك بتوسيع فضاء مدارك ذلك الإنسان وتجديد منابع معارفه. وأخيراً تتوجه الملحقية الثقافية بكامل الشكر والتقدير لمعالي وزير التعليم العالي الدكتور خالد بن محمد العنقري على دعمه لهذه الورشة ومتابعته المستمرة لإقامتها، وكذلك الشكر الخالص لسفير خادم الحرمين الشريفين في فرنسا الدكتور محمد بن إسماعيل آل الشيخ على افتتاح هذه الورشة وتشجيعه لأنشطة الملحقية ومشاركاتها في فعاليات المؤسسات الفرنسية، كما أن لجامعة السوروبون1 ورئيسها السيد بيير إيف هينان الشكر الحسن لقاء احتضان هذه الورشة وروادها والمعرض المصاحب لها، آملين أن تكون هذه الفعالية عاملاً في تطوير مشاريع التعاون بين جامعية لمؤسسات التعليم العالي في المملكة ونظيراتها الفرنسية، ولتنمية مختلف الشراكات بين الهيئات والمؤسسات والمراكز الأخرى في البلدين.