البــــرزخ
أيقظني البرزخ في درب ضوئي
تناثرت فيه مجرات روح الإله
المسكون بعالمه السفلي.
أيتها النجوم غيـرّي مساراتك
فطريقنا إلى كون آخر والبحر مرشدنا
في الغبش الضبابي.
زمن الشاعر
الشاعر في فضاء لا يُسمى
حاملا أشياءه،
واثبا في النار المقدسة،
هناك سيسمع موسيقى كونية
ولا إنسانية المدن الحجرية.
الغابات والبحار
والجحيم في عهدته،
يمنح الأشياء شكلها،
الكلام معناه،
الليل لغته،
القمر
والنجوم أيضا.
في قبضة قلبه يخبئ مفاتيح الوجود،
وما يخلفه في الصحراء لا ينفع البرابرة.
الشاعر البربري
في بحيرة الصلوات،
عند عتبة كاتدرائية الوجود،
يبارك الشاعر معجزاته
أمام حشد الكائنات.
تهمس الريح
موسيقى جنائزية
لطنجة.
تتكثف ظلال كئيبة
لتنهض مدن،
ووجوه تائهة
تجتاز دروب موحشة.
الشاعر بربري في أحلامه،
والأحلام بربرية
في قلب الشاعر.
في زمن منفلت
سيؤشر بعصاه السحرية
بوابات الموت،
فتنتشي الريح بنور قمر مكتمل
ينهض سئما في كوكبه،
وهسيس شعر
ينشده فتيان متصوفة.
ملائكة تائهة هي طقوس الشاعر،
يغيب
فتنبثق نجمة
النهار .
أيها البحر
يا موسيقى صمت الشاعر
في الزمن المهزوم،
هل أنت الأبدي؟.
..........
قادم هو الزمن الذي سَيشّرع فيه الفلاسفة المتحذلقون،
أصحاب العقول الواهنة، أبجدية الجنون.
سَـيُـنهِضُ الشاعر كائناته الحية بتعويذة الروح الشعرية.
فتتولد العطور وزهور النرجس والألوان لتحيي أبدية الشعراء
لأنهم يولدون تقودهم الرؤى المجهولة
إلى الغابة البنفسجية المعلقة في اللمبو.
رسالة لشاعر مجهول
في زمن مجهول.
طنجة ـ ميسان وبيير باولو بازوليني
ينساب زمن طنجة كالرمل بين الأصابع،
كذلك ينزوي ذاك الذي شهد سحق جثة بازوليني
في شاطئ الفضيحة الايطالي.
طنجة نجم ساري
ومحجرين من ليلك
وزمرد ولازورد.
إكليل شوك للعابرين في ليلها،
كاهنة تنبثق من اللامكان
لتنغمر في بحر لا متناه.
في أي كوكب دري
تزاحمت ِ مع الممسوسين
كمّهرة متصوفة تلوذ خجلة
بين الزهور،؟
عذراء
متوحشة،
يُغري شبقها
قزم
مستوحش في الغابات.
لَيلَه همس في الزمان
والقيلولة في تناثر الغيوم،
قطف الأحلام
مع زهور النرجس،
وطقوس مخدرة
في المساء البنفسجي.
بحر طنجة مازال يوقظ الحياة،
في مرآته تتزين كميدوزا،
تغسل بالكافور مابين فخذيها فجرا
لتتطهر من دنس الغرباء في منفاها أو ملكوتها.
وأنا العراقي عبرتُ
صفيح أوربا سئماُ من منفاي
إلى الضفة الأخرى للشمس.
العراقيون منفيون بالزمن،
والزمن منفي بالعراقيين
يصغون إلى همس التاريخ
كأرواح منفلتة،
في غابات مظلمة،
ليأتِ
ليأت الغزاة إذن
فهم الحل.
أين مكان العبور ياحارس البرزخ الطنجي؟؟
قال: طنجة كميسان * عصية على الاستحواذ،
تحيل ناظرها حجر ونار.
تَطهر أيها الغريب بالسر الخفي
وهدم شيئا في روحك حتى ترحل،
انك في قلب العالم.
عن أي منفى تبحث
أي فردوس مفقود
أية مدينة؟
الملائكة فيها شياطين
أو قارب إنقاذ.
طنجة
مالذي فعلت
بالمنفي
العابر إلى ارض المجهول؟،
ماذا فعلت بالعراقي المنفي بالزمن.
أيها الشاعر
ارحل
ارحل
ولا تصغي إلا لصداك.
* ميسان..مدينتي في جنوب العراق... تمتلك نصف ثلث نفطه لكنها دائما ملعونة بالحروب والفقر؟؟
باولو بازوليني
(سألتُ laquo;باولاraquo; أن تقودني إلى الشاطئ الذي شهد اللحظات الأخيرة من حياة بيير باولو بازوليني. بعد جهد وصلنا إلى حزام الشاطئ على أطراف مدينة روما. ترجلنا عبر طريق ملتوٍ شبه خال تصطف على جانبية صناديق قمامة، وعلى يسارنا يلوح البحر بصورة متقطعة من وراء أسوار بنايات منخفضة يكتنفها حس بالوحشة والخواء. كان النهار قد انتصف لكن الشمس كانت مطفأة. سحب سوداء معلقة فوقنا لا تتحرك. وكان انفساح السماء الفجائي وامتزاجها بصور أكوام الزبالة والمخلفات وحفيف أمواج بحر أوستيا يعطي انطباعا ثقيلا بكآبة مقبضة. وعبر مساحة من نباتات عشبية متطاولة الارتفاع أشارت laquo;باولاraquo; إلى بقعة ينتصب وسطها laquo;نصبraquo; رث الشكل مقام على قاعدة أسطوانية تشير إلى المكان الذي اغتيل فيه بازوليني. لبثنا صامتين نحدق أمامنا عبر حاجز من السلك والهواء البارد يضرب وجهينا ببلل رذاذ خفيف، وفي التو أحالنا المكان في وقفتنا الشاردة إلى تلك الهوة العميقة التي يخيل للمرء أنها تعتقل داخلها آلاف الأصوات الموغلة في وحشيتها، بينهما صوت بازوليني كصرخة محتجبة فيما وراء صمت شاطئ أوستيا، والتي كانت قد وئدت قبل انطلاقها خارج الفم المفتوح متفجرة بلذة الدهس والعجلات الأربع تمخض اللحم والعظام بترانيم طقطقة الرأس التي استسلمت لوهدة الرمال المنبسطة.)
خالد عزت
هكذا في حجرات النور قاد الفتى
بطله الأعمى أوديب
حذرا من غضب البحر
أمام ملائكة تجرجر
أجنحتها.
البحر هادئ الليلة
والفتي ينتظر من يسحق
جثته في الرمال.
البحر هادئ
وأغنية القمر الدامي
تهمسها الحيتان الحزينة.
ومازال الفتى ينتظر هذه الليلة،
ينتظر.. وينتظر.
مشى ابن مريم لاهثا
على سطح البرزخ
عابراً بحار النبوءة.
البحر هادئ الليلة
والفتى َسئمَ انتظار القاتل.
البحر هادىء
هادئ هذه الليلة.
........................
........................
وفي انزواء الظلام
سرق ابن مريم ما تبقى
من دم متخثر
على شاطئ الرمل
حذراً،
أدمى به جسده
تعويذةً،
وعاد هاربا إلى منفاه الأبدي.
ومازال البحر هادئا
والفتي لم يعد ينتظر أحداً
على شاطئ أوستيا
لأن البحر كان هادئاٌ الليلة.
حارس الجحيم الطنجي
استيقظتُ
والشمس مرحة على نافذتي.
عبرتُ مع الشيطان بوابات الجحيم
وظلمات بحر الموت
نحو ضفة المنفى.
في مقهى quot;سوق طنجة الداخلي quot;
شاهدنا انا والزبير وخالد الأمين **
تماثيل حجر تنتظرنا،
تركتُ جثتي عهدة ً
وانسللت نحو الهاوية.
أنا و بازوليني
قال النجم التائه،
في شوارع روما
يلتحف مشردان،
صقيع الليل،
يحملان صليب الأبدية،
طهروا قدميهما بالطيب وماء البحر.
الأزرق المنير...قصيدة تائهة
في مقهى الشانزيلزيه
انتظرتُ،
ومن خلف زجاج نافذتي
رأيت حراس طنجة
شعراء
ممثلون
ملائكة
مهرجون
وأشباح تنحدر نحو الجحيم.
تململ سحر في الظلام
قصيدة تائهة،
نور،
كابوس.
أيها الشاعر
اترك تعاويذك
وادخل بيت الأحلام.
** الزبير بن بوشتي وخالد الأمين والمنير والأزرق من أصدقاء الشاعر.
bull;باولو بازوليني شاعر وروائي ومخرج ايطالي متميز في رؤاه السينمائية والشعرية وماركسي ويساري الفكر، وجدت جثته مدهوسة وجمجمته مسحوقة على رمال شاطئ أوستيا في ايطاليا.
طنجة ـ كوبنهاكن 2007
التعليقات