صالح حسن فارس من أمستردام: الفنان المسرحي اللبناني فائق الحميصي ولد في طرابلس 1946، كان الوحيد بين أقرانه يفضل لعبة التمثيل الصامت على باقي ألعاب إولاد الحي، سافر إلى باريس لدراسة فن المايم، يعمل الان استاذا لمادة الإيماء في معهد الفنون الجميلة قسم التمثيل في الجامعة اللبنانية، غزير الانتاج في رحلته الابداعية شارك ممثلا في أعمال مسرحية كثيرة نذكر منها: quot;جمهورية الحيواناتquot;، quot;الثعلبquot;، quot;كما في السماء كذلك على الأرضquot;، التي شاركت في مهرجان الفرانكوفونية في مدينة كيبيك بكندا، quot;بالنسبة لبكرا شوquot; إخراج زياد الرحباني،1978 ، quot;الربيع السابعquot; للأخوين رحباني، quot;فدعوس يكتشف بيروتquot;، وهي أول مسرحية إيمائية في لبنان، quot;وايقاعات جسديةquot;، كما شارك ممثلا في التلفزيون والسينما وقدم مسرحيات للاطفال منها quot;يللا ينام مرجانquot; 1998 حازت على جائزة أفضل عمل درامي في مهرجان القاهرة الفني لعام 1999 كما حص على درع رمز العطاء من اللجنة الوطنية لرعاية الطفل في لبنان 1986 والدرع التكريمي من المجلس الثقافي للبنان الشمالي 1998. والدرع التكريمي من مجلس بلدية طرابلس (على مجمل العطاء الفنّي ) 2003. يشغل الان منصب رئيس قسم المسرح في معهد الفنون الفنون الجميلة في منطقة الحدث التابعة لمحافظة جبل لبنان، التقته إيلاف في مكتبه، وتجولت معه في أقسام الكلية وقاعاتها الانيقة التي لا تصلح ان تكون قاعات مسرح كونها خالية من الخشبة والاضاءة. دخلنا على قاعات الدرس وكان الطلبة مشغولين بالدروس والتمارين المسرحية. توقفنا اخيرا عند مادة الرقص الدرامي، انتهت الحصة وعدنا من جديد الى مكتبه لنتحدث عن المايم وواقع الحركة المسرحية في لبنان وكان هذا الحوار:


- حدثنا عن بداية تعرفك على المايم وماهو سر هذا الاهتمام؟
أولعت بالتمثيل الصامت منذ الطفولة وكنت أفضله على باقي الألعاب المنتشرة بين أولاد الحي كالفوتبول وغيره. ثم نمى شغفي بالإيماء عندما وجدت تشجيعاً من قادة كشاف الجراح الذي انتسبت إليه لأصبح بعد حين عضواً في الفرقة الفنية المسرحية والتي كان قائدها الفنان عبد الله الحمصي، المعروف بأسعد. في الكشاف عرفت أن ما أقوم به من تمثيل صامت هو نوع من المسرح إذ قدّم الفنان صلاح تيزاني، المعروف بأبو سليم، مسرحية صامتة عن حرب تحرير الجزائر (سنة 1959) ،مما دفعني للإعتزاز بهذا النوع من المثيل بلا كلام لما فيه من تحد للقدرة على الإبتكار بغية توصيل المعاني والتأثير في المشاهدين. لاحقاً دخلت الجامعة وفي ذهني التخصص في هذا الفن الذي أصبحت أعرف اسمه الحقيقي quot;مايمquot; أي إيماء. لكن قسم المسرح في معهد الفنون لا يدرس المايم منفصلاً بل كمادة لمن يدرسون التمثيل و لم يكن له أستاذ متخصص. في السنة الثانية إنضم إلى الجهاز التعليمي الأستاذ quot;موريس معلوفquot; المتخصص في الإيماء، فنمت بيننا علاقة فنية وساعدني على تملك التقنيات الصحيحة إلى أن قدمنا عام 1972 أول مسرحية إيمائية في لبنان quot;فدعوس يكتشف بيروتquot; من تمثيلي و إخراجه. فإستقبلها النقاد الفنيون، و خاصة كبير النقاد في لبنان الأستاذ quot;نزيه خاطرquot; ، كما الجمهور بكثير من الحماس، و قد اختيرت لتمثيل لبنان في المهرجان الرابع للمسرح العربي في دمشق. عند تخرجي من الجامعة سافرت إلى باريس بغية إكمال دراسة عليا في هذا الفن الصامت الذي لا يقبل النفاق، فإما أن تكون مقنعاً بمهاراتك الجسدية بشكل صريح فيحبك الناس و يقتربون منك و إما أن تكون منافقاً لا تتقن التعبير الجسدي فينفكون عنك. سافرت إلى باريس للإحاطة بهذا الفن بغية التوصل إلى خلق شخصية إيمائية تشبه الناس الذين أعيش بينهم.

-ماذا عن دراستك في باريس وماذا اضافت لك من خبرات مسرحية؟
كان حلمي أن أنتسب إلى مدرسة quot;مارسيل مارسوquot; الإيمائية، فهو الفنان الإيمائي الأول عالمياً، لكن شروط قبوله الطلاب بعدد محدود لم تسمح لي حتى بتقديم طلب للإنتساب إلى أن ساقتني الصدف إلى مدرسة مونتراي للمسرح والتي خصصت سنتي الدراسة فيها لتدريب دفعة من الإيمائيين مع الأستاذ quot;جوليان غابرييلquot; أحد مساعدي quot;مارسوquot; فانتسبت إليها و فوجئت بالأستاذ يقول لي quot;ماذا جئت تفعل هنا؟ أنت تتقن الإيماء لكنني أخبرته عن رغبتي في الإستزادة وبالفعل فقد اكتشفت في السنة الثانية من الدراسة أن quot;الإيماءquot; عالم فني واسع لا يقتصر على تمثيل حكاية بالحركة وخاصة لجهة إستعمال حركة المجاميع والسينوغرافيا والأصوات. ذات يوم أخبرني الأستاذ أن في أدائي روحاً يفتقدها الإيمائي الغربي وهي هذه النزعة إلى التلوين في الأداء و التفاعل مع المشاهدين إلى حدود الإرتجال المعقول، فصارحته برغبتي في الإنفلات من النمط الغربي في الأداء، حينها قال لي quot;إن ما تبحث عنه موجود في بلادك و ليس في باريسquot; و تابع quot;إرجع و استزد من ثقافتك الشعبية. و بالفعل عدت إلى لبنان و بدأت رحلة البحث عن علاقة الفنون الصامتة في التراث العربي (العمارة والزخرفة والفنون التشكيلية والموسيقى) و خصائصها، إذ اكتشفت أن البحث في التراث المحكي لا يجدي. أول الميزات لفنوننا الصامتة كان الإيقاع ثم الفكر الكوني حيث لا تنتهي الأشكال وتسبح في كون لامتناهي بإيقاعات متنوعة تبعث فينا الإنفعالات. فكان أن توصلت إلى نوع من المسرح الإيمائي يعتمد الإيقاع و الشكل و تحولاتهما وصولاً إلى الحالات و التي في مجموعها توصل المعنى.

- برأيك هل هناك فرق بين المايم والبانتومايم؟

البانتومايم في الثقافة اللاتينية هو quot;مسرحية إيمائية ذات موضوع واحد وهي تقليد إغريقي- روماني، والمايم هو الممثل في هذه المسرحية. أما في الثقافة الأنكلوسكسونية فهو حفلة خاصة بعيد الميلاد ومخصصة للأطفال فيه غناء وألعاب ومهرج. لكن العرض الإيمائي ليس دائماً مسرحية ذات موضوع واحد وعليه إنعقد في فرنسا سنة 1976 لقاء عالمي للإيمائيين تم على هامشه مناقشة التسميات فإتفقوا على ما يلي: البانتومايم هو المسرحية الإيمائية، والمايم هو الممثل، أما العرض الذي يشتمل على عدة مشاهد مستقلة فهو quot;عرض إيمائيquot; والفن كلّه يسمى quot; فن المايمquot; أو بالعربية quot;فن الإيماءquot;. لكن حتى الآن لا يزالون يخلطون بين هذه التسميات. أما ما توصلت إلى تقديمه شخصياً فقد أوجد له الناقد الأديب عصام محفوظ تسمية تروق لي و هو quot;البارامايمquot; أي ما بعد الإيماء

-كيف يتعامل الطلبة مع هذا النوع من الفن، وما مدى استعدادهم لهذا الفن الجديد؟
يلم طلاب قسم التمثيل على دراسة تقنيات المايم وأدائه، إنما كونه فن خاص فهو يحتاج إلى موهبة خاصة، وعليه يتعلمه الطلاب كتقنية إنما يستصعبون الأداء في غالبيتهم لنقص الموهبة الخاصة. لكن أعداد الموهوبين لا بأس بها نسبة لعدد الطلاب ومنهم من يمارس هذا الفن بعد التخرج وخاصة في عروض الأطفال.

- هل هناك فرق ثقافي بين جسد المرأة والرجل؟
الجسد هو الجسد. في تأهيل الجسد لفن الإيماء نحاول التوصل إلى جسد حيادي مجرد ماهر في التعبير عن شخصيات متعددة من مختلف الأجناس و الفئات العمرية و الإنتماءات الإجتماعية..

-ما هو رأيك في مساهمات المسرح العراقي في لبنان، وما هو تقيميكم للعرض المسرحي العراقي في مهرجان الجامعة ببيروت؟
تعرفنا في لبنان إلى مخرجين عراقيين أكثر من تعرفنا إلى المسرح العراقي الذي كنا نسمع عن إزدهار حركة البحث للإبداعي فيه. و قد لامسنا ذلك في العروض التي شاهدناها للمخرج جواد الأسدي ثم لاحقاً للمرحوم عوني كرومي. لكن آخر مشاركة للمسرح العراقي ضمن فعاليات مهرجان المسرح الجامعي(منذ بضع سنوات) فاجأت سلبياً الحشد الكبير الذي قدم لمشاهدتها لإنتمائها لمسرح تسود فيه الكلمة و الرواية قبل عناصر المسرحية الأخرى (سينوغرافيا، إضاءة.)

- ماهو جديدك وماذا تتمنى؟
آخر جديدي كان السنة الماضية quot;سكويكquot; عرض إيمائي لخلود ناصر (خريجة المعهد) كان لي دور الإشراف عليه، وقدم هذا العمل في لبنان وعدة دول عربية ولا زال يقدم. أعمل الآن على نص يشبهني من حيث اهتمامي بالتمثيل الإيمائي والمحكي والرقص وأساليب الإتصال والتواصل الحديثة والتي سأحاول استخدامها بأسلوب جديد. أتمنى أن يواصل المسرحيون العرب العمل على إكتشاف سر خلود التراث العربي في الفنون الصامتة وأن ينتسبوا إلى هذا الفكر الذي وبرأي إتسم بالتجريد وإمتاز بكونه أبو المدرسة التركيبية العلمية ولمن يريد الإستزادة فليبدأ من سر فن quot;العروضquot; ولزومه عند دراسة الشعر العربي. سيلفظنا العالم إن لم نحافظ على أرضية فكرية موحدة تنضبط فيها تنوعاتنا الإبداعية.