صلاح سليمان من ميونيخ: هي دراسة اقرب منها الي كتاب هكذا يبدأ الكاتب الالماني سوري المولد quot;رفيق شاميquot; صفحات كتابه الجديد quot;Eine Geschichte von Schouml;nheit der Schrift quot; جماليات الخط العربي الصادر باللغة الالمانية عن دار Carl Hanser للطباعة في ميونيخ.
تبدأ الصفحات بمجازية مسترسلة يدمج فيها اعلام الشرق بالغرب عندما يقول: لو عرف quot; ليوناردو دافنشيquot; براعة وتصوير الخط العربي لااصبح هو quot; ابو علي محمد بن حسن بن مقلةquot; احد اشهر مهندسي الخط العربي علي الاطلاق .
يحرص الكاتب في البداية علي تعريف القارئ الالماني بابن مقلة ويتحدث عن ولادته مبينا انه ولد في العام 885 م في حي فقير من احياء بغداد واخذ لقب والدته quot;مقلة quot; فقد كانت الابنة المقربه لوالدها ومن شدة حبه لها اطلق عليه مقلة وهي quot;مقلة العينquot; التي هي في الثقافة العربية تعبير فياض عن مدي الحب.
تزوجت امه والده الذي كان يعمل في صناعة الخط وكان فقيرا في ماله مميزا في صنعتة ينتمي لعائلة تعمل كلها في الخط.
اخذ ابن مقلة لقب والدته بعد ان رات عينيه الضوء وهو امر نادر الحدوث في الثقافة العربية الان فالمتعارف عليه ان ياخذ المولود لقب والده او عشيرته.
ترعرع ابن مقلة في تلك العائلة التي تمتهن الخط فكان جده ووالده واخوه حسن واولاده واحفاده يعملون في صناعة الخط، اما محمد ابن مقلة فجاء ليكون الاشهر علي الاطلاق.
في سن السادسة عشرة اتقن تعلم الخط وفهم اسراره واصبح معلما له في مدرسة quot;ابن الفراتquot; اشهر مدارس الخط في ذلك الوقت، وكان لنبوغه وتفوقه دورا لان يصبح مشهورا ومعروفا، وساعده ذلك علي ان يرتقي اعلي المناصب في عهده حتي وصل الي منصب وزير ومسؤول عن جباية الضرائب للخليفة العباسي وهو الامر الذي كان سببا في ان يصبح احد اغني اغنياء عصره.
في موضع اخر من الكتاب يخط رفيق شامي سطورا عن تفوق الحضارة العربية في شتي مجالات الثقافة ويخص الخلافة العباسية بذلك مشيرا الي انها شهدت ازدهارا في شتي العلوم، وقد واكب ابن مقلة وقتا من هذا الازدهار في مطلع القرن العاشر ونهاية القرن التاسع، فمن سمات عصر الخلافة العباسية ان بغداد كانت عاصمة مزدهرة بالثقافة والفنون تنتج من الكتب والمطبوعات قدر ما نتتجه دول اوربا مجتمعة في ذلك الوقت،اما المكتبات ومتاجر الكتب الموجودة في بغداد وحدها.. كانت تفوق نظيرتها الموجودة في كل ارجاء العالم.
ولايفوت الكاتب ان يعدد اسباب اضمحلال الخلافة العباسية التي جاءت نتيجة مباشرة لتأثيرات السياسة السلبية علي مناحي الحياة المختلفة فيها، ويتحدث ايضا عن الاسباب الخفية الاخري كالبيروقراطية والعالم الخفي في الصراعات الداخيةquot; كالحريم quot; وامراء الجيوش والشرطة التي لعبت دورا سلبيا أخر في تأثر الخلافة بتلك الصراعات الدامية، ولم يقف الامر علي عاصمة الخلافة انما امتد الي الامصار في مصر ودمشق والمغرب والاندلس واماكن اخري كثيرة.
وفي جزء اخر من الكتاب يعود رفيق شامي الي التركيز علي ابن مقلة ويؤكد انه تأثر كثيرا بأحداث عصره التي عايشها وفي خضم تللك الاحداث ولد نبوغ ابن مقلة الذي لم يصل اليه نبوغ اخر،لقد كان شيخ الخطاطين العرب علي الاطلاق ومهندس صناعتهم يحسب له الكثير في علوم تحسين وتطوير الخط واليه يرجع الفضل في ابتكار خطي الثلث والنسخ. بل يرجع اليه الفضل ايضا في ايجاد quot;مقياسquot; الحروف، ومن ثم التجانس والتماثل في الخط وهي التعاريف والتعاليم المعمول بها حتي الان والتي بها يمكن لأي خطاط اثبات مدي صحة الخط وتوافقه من عدمه.
وينتقل بنا الكتاب الي تلك القواعد ويذكر ان حرف الالف في العربية هو ما يمكن تسميته بالخط العمودي،وكان ابن مقلة هو اول من اتخذ حرف الالف كمقياس ثابت لقياس بقية الحروف عليه ، ومنذ ذلك الحين والخطاطون يتخذون بداية الالف كأساس ثابت لوضع تصورهم في فن زخرفة الحرف العربي، لقد استخدم ابن مقلة فكرة التنقيط لضبط الحروف وقام بحسابات عمودية الحروف الاخري بالتنقيط ndash; والتنقيط في كتابة العربية هو امر لازم لاحداث التوافق والتجانس في كتابة الخط العربي.
ان تأسيس ابن مقلة لتلك الهندسة جعل من السهل تتبع هندسة الخط بالتنقيط فالحروف العمودية او الافقية تتبع حسابات عدد النقط اللازمة في تشكيلها من حيث الطول والحجم.وعلي نفس المنوال تكون الحروف المائلة والمنحنية ويتم ايضا قياسها علي حرف الالف، ويعتبر الخط المتساوي هو الخط الذي يتخذ الالف مقياسا له في الطول والقلم في العرض.
تطبيقات مقاييس الخط هذه مشابهة الي حد كبير لتطبيقات الايقاع الموسيقي فانسجام الخط وروعة تصويره هو بمثابة موسيقي للعين يحسها ويشعر بها فناني الخط حتي ان معلمي الخط من كثرة تألفهم معه يتعرفون علي الابعاد والمقاييس بل والمساحة دون عناء او صعوبة.