عبد الجبار العتابي من بغداد: عاد اجمل، عاد احلى، عاد ابهى، هذه هي اكثر الكلمات التي كانت تتردد على ألسنة الذين حضروا حفل افتتاح شارع المتنبي صباح الخميس، لكنني وجدته ناهضا من ركامه، يحاول الركض في ارجائه، من فرحه بنفسه، وقد استعاد عافيته وارتدى ملبسا جديدا جميلا، وراح يترنم واقفا بأبيات شعر لماليء الدنيا وشاغل الناس ابي الطيب المتنبي الذي اخذ منه اسمه، حيث قام على طرفه الجنوبي القريب من نهر دجلة تمثال كبير للشاعر المتنبي، بقاعدة على شكل كتاب نقش عليها بيته الشهير (انا الذي نظر الاعمى الى ادبي / واسمعت كلماتي من به صمم) وفيما قامت بوابة كبيرة على طرف الشارع المطل على شارع الرشيد، مقوسة وذات نقوش عربية اسلامية علاها ذات البيت، بينما كان ظهرها يحمل بيته الاخر الشهير (الخيل والليل والبيداء تعرفني/ والسيف والرمح والقرطاس والقلم)، كانت احضانه في الصباح مفعمة بالناس الذين حضروا وبالكتب التي عادت لتنشر بترتيب جميل على ارصفته، وحيث نهره غطته قطع المرمر ، فصار يلتمع ببياض والوان، ذهب الاسفلت، وغادرته اثار الدخان والحرائق، وتلونت مداخله ومداخل المكتبات على جانبيه، وقد زينت بالازهار ، فظهرت بحلة جديدة، لكن الاجمل هي ابتسامات اصحابها التي كانت ترتسم على محياهم وهم يتوقفون على ابوابها، وتشعر بسعادتهم من خلالها ومن خلال كلماتهم التي يرددون فيها ان الشارع عاد اجمل واحلى وابهى، فيما انتشرت على ابواب العديد من المكتبات والمطابع لافتات تبارك عودة الشارع بحلته الجديدة وتحديه للارهاب .

جانب من شارع المتنبي
افتتح الشارع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بحضور حشد كبير من المثقفين والاعلاميين والمسؤولين ورواد الشارع، المالكي قال في كلمته: ان شارع المتنبي يمثل ذاكرة العراق والثقافة والمثقفين، وهو ليس مكاناً لبيع الكتب فحسب، بل هو المغذي للحركة الفكرية في العراق، ونحن نفتخر بما يمثله هذا المكان العزيز من معان تأريخية وحضارية، وندعو المثقفين واصحاب المكتبات للعودة الى الشارع وانعاش حركة الكتاب الذي يمثل الروح التي يتحرك بها المجتمع، واضاف المالكي: لماذا استهدفوا شارع المتنبي والكتاب المستقل المحايد؟ ولماذا دمروا جسر الصرافية الذي يخدم جميع العراقيين؟ أليس هو الحقد والتخريب والرغبة بمنع بغداد من ان تكون عاصمة للثقافة ومحاولة لمحو ذاكرة العراق الثقافية والانسانية .

ازال المالكي الستارعن تمثال المتنبي، وتجول في انحاء الشارع ودخل عددا من مكتباته، وجلس في مقهى الشابندر التي اعيد بناؤها والتي ستستقبل روادها اعتبارا من الجمعة، واطلع على معرض للصور الفوتوغرافية تجسد المراحل التأريخية لشارع المتنبي، مرورا بتعرضه الى تدميره بفعل عمل ارهابي في شهر مارس / اذار عام 2007 ، وانتهاء بإعادة بنائه واعماره بطراز حديث الذي قامت به امانة بغداد .

في الطرف الجنوبي من الشارع امتد الاعمار ليشمل الطريق المؤدي الى نهر دجلة، في المنطقة المحاذية بناية السراي الحكومي القديم والتي كانت تسمى (ثكنات الجيش)، والتي كانت مهملة ومتروكة كساحة للنفايات ، كما ان العبور الممنوع كان شاخصا بلافتة على المدخل الصغير المحاذي لمدخل سوق السراي المعروف، من ناحية شارع المتنبي ، وهناك انتشرت المقاعد الجميلة المطلة على النهر، وانتشرت الزهور، فكان المكان عبارة عن روضة صغيرة جميلة، يعم فيها الهدوء وترتسم عليها الشاعرية، حتى انني حين سألت احد الشباب عن رأيه فقال: لم اتصور ان الشارع سيعود هكذا، ما اجمل المكان الان، حقيقة انه يدفعني الى ان اعيش اجمل اللحظات فيه لاسيما وامامه النهر الخالد ، ربما في الايام المقبلة اصبح شاعرا على هذه الجماليات .

المهم .. عاد شارع المتنبي في اجمل حلة ، ليس ذاك الشارع الذي كان قبل اشهر او سنوات ، حيث كان متربا، متعبا ، تلعب فيه ريح الاهمال ، وعلي ان اذكر هنا ما تمناه الجميع من ان يستمر الشارع بذات النظافة والجمال وان لايهمل.