في ندوة أقيمت في حلب رئيس مطرانية السريان:
عزازيل رواية لاهوتية بحتة ترتبط بحقائق التاريخ
محمد الحمامصي: في جمعية العاديات (الآثار) عقدت أخيرا ندوة ناقشت رواية د.يوسف زيدان الأخيرة عزازيل الصادرة قبل أسابيع عن دار الشروق، قدم الندوة رئيس جمعية العاديات محمد قجة وناقش الرواية في حضور حشد من المثقفين والأدباء د.سعد الدين كليب رئيس قسم اللغة العربية ود.شهلا العجيلي أستاذة النقد، والأنبا يوحنا غريفوريوس.
أشار محمد قجة الأثري المعروف في تقديمه للندوة إلى تنوع النتاج الفكري ليوسف زيدان ما بين التراث والمخطوطات القديمة والتأليف الروائي حيث صدرت له قبل عزازيل رواية ظل الأفعى التي نشرت دار الشروق طبعتها الثانية، كما أشار إلى أن رواية عزازيل عمل تاريخي فلسفي عميق يرتبط ارتباطا خاصا في بعض أحداثه بنواحي حلب.
بدأت د.شهلا العجيلي رؤيتها النقدية بالإشارة إلى أن العلاقة بين القارئ والمبدع في رواية عزازيل تشبه لعبة الاستغماية، حيث تمتاز الرواية على مستوي الرؤية العامة بدهاليز ومساحات خضراء وخبايا وأسطح قريبة من السماء، وعلى مستوى المفردات والفن الروائي استطاع يوسف زيدان أن يبلغ أقصي درجات الايهام حين وضع ما أسماه مقدمة المترجم، فقدم لنا روايته علي أنها رقوق قديمة كتبها الراهب المصري الأصل هيبا باللغة السريانية واكتشفها الأب وليم كازاري قرب مدينة حلب وأن المترجم اكتشف خلال السنوات السبع التي قضاها في الترجمة أن راهبا عربيا اكتشف هذه اللفائف (الرقوق) وكتب عليها بعض التعليقات ثم أعادها إلى موقعها علي اعتبار أن هذا الكنز لم يأت أوان الكشف عنه وهذه كلها دروب إيهام استطاع يوسف زيدان من خلالها أن يقدم عملا روائيا ممتعا للقارئ خاصة أن الرواية تعرض لوقائع فعلية مثل مجمع إفسوس الذي قرر مصير الديانة المسيحة سنة 431 ميلادية لقرون طويلة تالية ولكن الرواية تقدم وقائع المجمع مثلما تقدم وصفا تفصيليا لستر (مرتا) المرأة البديعة التي أحبها الراهب هيبا دون أن تعطي الرواية أهمية لهذا على ذلك، فنحن إذن بصدد إبداع خاص افتقدته الرواية العربية منذ الثمانينات من القرن الماضي وحتى الآن، حتى جاءت هذه الرواية لتقدم صراع الإنسان الثقافي بين كنيستي الإسكندرية وأنطاكيا، وبين الثقافة الوثنية التي كانت سائدة في الاسكندرية وثقافة المسيحية التي يمثلها البابا كيرولس أسقف الاسكندرية في مطلع القرن الخامس الهجري، وقد استطاعت الرواية أن تقدم هذا الصراع من دون التورط في النسقية والانحياز لنسق دون آخر، غير أن الروائي يكره العنف ويمقت القهر باسم الدين، ولذلك فإن القتل محور أساسي في الرواية، وبعدم التورط في الفخ النسقي والتنظير نجحت الرواية علي المستوى الإبداعي وقدمت نصا يقتحم القارئ ويغرد خارج سرب التأليف الروائي المصري المعاصر الذي انكفأ على ذاته، ففي الرواية يظهر الإنسان الذي فقدته الرواية العربية المعاصرة، وعاد بنا يوسف زيدان إلي الذات ومحورية الإنسان في الكون وإعلاء قيمة الحرية.

وانطلق د.سعد الدين كليب في رؤيته النقدية من بيان معنى كلمة عزازيل، والحوار الذي دار بين بطل الرواية وعزازيل الذي لم يظهر في الرواية إلا مرات قليلة مفاجئة ومربكة، ولكن عزازيل (الشيطان ـ إبليس) هو الذي دعا الراهب هيبا للكتابة والتدوين ومن ثم ظهرت الرواية مرآة للصراع بين الإنسان وذاته وبين الأرض والسماء، وبين الإيمان والكفر، فهل يعني عزازيل الهاوية أم هو الشهوة أم هو التاريخ الإنساني، رواية عزازيل لا تقدم أطروحات فلسفية أو دينية ولكنها تقدم الإنسان في ثوب فلسفي ديني، بل إنني عاجز عن وصف هذه الرواية التي توهم بالدين والتاريخ والفلسفة لتقدم معرفة عميقة لا نستطيع أن نميز فيها بين الواقع التاريخي والإبداعي الروائي، لتبقى دوما مطروحة للتساؤلات العميقة. من العنف والتسامح، ومن الوثنية والمسيحية، والأنوثة في الرواية وثنية: فكل النساء الجميلات في الرواية وثنيات، هيباتيا، أوكتاوفيا، مرتا، فهل يرى يوسف زيدان في الأنوثة وثنية وأن الذكورة ترتبط بالعنف بالضرورة؟

أما المطران غريغوريوس فلم يكن من المقرر أن يشارك في مناقشة الرواية مكتفيا بالحضور مع مجموعة من رجال الدين حيث إن مطرانية السريان التي يرأسها كانت بصدد إقامة ندوة خاصة للرواية خلال وقت لاحق غير أن نيافة المطران كان قد سجل ملاحظات كثيرة عن التناول النقدي للرواية فاعتلى المنصة وليقدم ملاحظاته التي بدأها بأنه كان من أوائل الذين قرأوا الرواية، قال المطران: قرأت الرواية بشغف رغم كثرة مشاغلي وأسفاري، لكني لم أستطع الكف عن قراءة هذا النص الروائي الممتع، وبخصوص العنوان فإن د.زيدان قدم لنا تعريفا به من خلال الحديث الشريف الذي بدأت به الرواية، فعزازيل هو الشيطان المحرك للأحداث والمبرر للشرور، لأن كل عمل فيه خطية يكون عزازيل وراءه، وفي الرواية كثير من التاريخ، والذي لا يعرف تاريخ المسيحية لن يعرف مراد يوسف زيدان من الرواية، بل أعتقد أنه أراد بالرواية أن ننظر بعناية في التاريخ المسيحي وأن نعطي معرفة دقيقة بالصراع الكنسي بين مدرستي أنطاكية والإسكندرية، فهي رواية لاهوتية بحتة ترتبط بحقائق التاريخ وتخترق الخطوط الحمراء وتخترق جدران الأديرة، فتقدم حياة الرهبان ودور عزازيل في الرهبنة.
والرواية تقدم لغة علي قدر من الإعجاز البياني، خاصة وأنها تربط بين اللغتين السريانية والعربية لتوجه الأفكار بقوة إلي أهمية التراث والمخطوطات وإلي التاريخ الذي يسبق الإسلام، لأن يوسف زيدان يري أن انتماءه العميق لهذه الأمة يعطيه الحق في النظر في تراثها الإسلامي والمسيحي، فالتاريخ المسيحي ليس ملكا للمسيحيين وحدهم، ومع ذلك احتاط د.زيدان فجعل رؤيته تحت عنوان رواية فقال الكثير والكثير علي اعتبار أنه محض رواية.
وفي ختام الندوة قرأ د.يوسف زيدان الصفحة الأخيرة من الرواية، وأكد أنه لا يمكن فهم التراث الإسلامي إلا بالعكوف علي التراث المسيحي، ولا يمكن فهم اللغة العربية إلا بالنظر إلى اللغة السريانية (الآرامية).