هلْ يتحوّل البرنامج التلفزيوني إلى فاعِلٍ في الحركة الشّعرية؟
quot;أمير الشعراءquot; في نُسْخته الثّانية:

عبداللّطيف الوراري:بوصْفها الجهة الحاضنة، تستعدّ هيئة أبوظبي للتراث والثقافة لإطلاق النسخة الثانية من مهرجانها الشعري التلفزيوني quot;أمير الشعراءquot;. من أبوظبي بالإمارات العربيّة المتّحدة الّتي يُعرف عنْ قادتِها أنّهم شعراء ومولعون بالشّعر انطلقت فكرة المشروع. وككلّ فكرةٍ جديدة، صاحب المشروع جدلٌ كبير، وأُثيرت بخُصوصه مواقف ومواقف مضادّة، وردود الاستحسان والاستهجان لهذا السبب أو ذاك.
بعضهم رأى أنّ البرنامج قفز بالشعر العربي إلى عصر الديمقراطية حيث يمارس الجمهور بالتصويت العلني حقّه في اختيار رموزه الكبرى بحرية مطلقة، وبعضهم قال إنّه حفز الشعراء على الإبداع بعدما يئسوا واستسلموا إلى مصير قاتم مجهول، وبعضهم الآخر اعترض على التسمية، واعتبر أنّ لقب quot;إمارة الشعرquot; ارتبط بظرف تاريخي معين، وأن العصر تجاوزها؛ بل منهم من ذهب إلى أنّ البرنامج ليس سوى تعبير عن quot;تحالف الضحالة المعرفية والجشع الماليquot;.
لكنّه، في الأحوال كلّها وعلى الرغم ممّا تحتفظ به الآراء من مسوّغات تقترب وتشتطّ، يبقى المهرجان ليس كالمهرجانات الأخرى. إنّه خاصّ ولافِت وهو يخوض مشروع اكْتِشاف وإظهار مواهِب الشّعر العربي الجديدة التي لم تتح لها فرصة الظهور في بلدانها بسبب إكراهات النّشر والتضييق على أشكال من الشعر لحساب أخرى. ومن جهة أخرى، يروّج لثقافةٍ شعرية داخل فضائنا الإعلامي الّذي يشهد انْحسار الهامش الثّقافي والجمالي في برامجه، وتزايد الرّداءة والتّسطيح الّذي يستخفّ بالعقول فيما هو يُراهن على جمهور عريض هامشيّ تنساه الثقافة الطليعيّة غالبًا، جمهور من الأجيال الجديدة التي اغتربت وسط مجتمع لا يقدّر مُبدعيه ويحتقر ما ينوونه جماليًّا، عدا أنّه يذكّرهم بتراثهم الشّعري وعبقريّته وقيمه الإنسانيّة العظيمة.
إلى جانب ذلك، يظهر أنّ التّسمية المتنازع حوْلها لا تحمل أيّ إيحاء سلبيّ، وإنّما العبرة بمحتوى المشروع وآثاره، لأنّ ذلك هو العزاء الوحيد الذي يجب نُشدانه في الاحتفاء بذكرى رحيل أمير الشعراء أحمد شوقي منذ ثلاثة أرباع قرْنٍ من التحوّل والتحديث الّذي عرفه الشعر العربي.
وقد لاحظ المتتبّعون كيف أنّ البرنامج نجح إعلاميًّا وهو يسرق من رقعة العالم العربي مساحة واسعة من نسبة المشاهدة، وأنْعش الآمال في إحياء الشّعر العربيّ والنّهوض بأوْضاعه، ودوره الإيجابي والمؤثّر في الثقافة العربية والإنسانية. ولهذا، يظلّ السؤال الأهمّ الّذي لا يعدم وجاهتَه وراهنيّته:
بالنّظر إلى الإمكانات التّنظيمية واللوجستيكية الّتي خصّصت له، هل يتحوّل quot;أمير الشعراءquot; من برنامج تلفزيوني إلى فاعل في الحركة الشّعرية العربية؟
إذا استطاعت لجنة التحكيم أن تتجاوز الضغوط، وتنتصر لحقوق الجمال والإبداع في نصوص الشعراء المشاركين، وتجاوزت اللّجنة المنظمة الأخطاء الّتي طبعت مراحل النّسخة الأولى من حيْث سير آليّات المسابقة وتدبيرها، وعملت الهيئة المشرفة على المهرجان أن تتعاون مع المهتمّين والفاعلين في الشعر العربي أفرادًا وجهاتٍ، وتربط معهم جسور حقيقية للتّواصل والاستشارة فإنّ الأهداف الّتي رُسِمت لـ quot;أمير الشعراءquot; تكون قد وُضِعت على مسارِها الصّحيح ليْس بوصْفه برنامجًا شعريًّا يردّ الاعتبار للقصيدة ويُغني الحركة الشعرية بأسماء جديدة وواعِدة فحسب، بل أيضًا بوصفه مشروعًا ثقافيًّا بعيد الأثر ينقل إلى العالم، عبر فنّ العربية الأوّل، قيم الحبّ والتّسامح والجمال والافتتان بالحياة، وتطلّعات ورؤى الجيل الجديد إلى قضاياه القوميّة والإنسانيّة.
وللإشارة، فإنّ النسخة الأولى عرفت فوز الشّاعر الإماراتي كريم معتوق باللّقب، فيما عادت المراتب الأربعة الأولى إلى الشعراء الموريطاني محمد ولد الطالب، والسعودي جاسم الصحيح، والسودانية روضة الحاج، والفلسطيني تميم البرغوثي بعد أطوارٍ من المنافسة الّتي لم تخل من مفاجآت وخيبات أمل.
ما أجْمل الفكرة وأوْفرها بأسًا ونفاذًا وهي تتجاوب مع نداء سحيق يتردّد عبر الأزمنة والذّوات لمّا quot;كانت القبيلة من العرب إذا نبغ فيها شاعرٌ أتت القبائل فهنّأتْها، وصنعت الأطعمة، واجتمعت النساء ليلعبْن بالمزاهرquot; حتّى يبْقى الشّعور بالوجود حيًّا لأنّ ما يتبقّى يؤسّسه الشعراء.