جان جينيه.. سيرة ذاتية وقراءة في أعماله المسرحية
تاليف: جانيت ل سافونا ترجمة: خضير اللامي
تاليف: جانيت ل سافونا ترجمة: خضير اللامي
حياة جينيه واسطورته
تحولت حياة جينيه إلى ظاهرة اجتماعية، إلى نوع من الخرافة. أو الأسطورة مما صعد ردود الأفعال النقدية عليها وبخاصة في فرنسا في الأربعينيات والخمسينيات والستينيات من القرن العشرين. والمصادر الأساسية للمعلومات التي نشأت وتطورت في هذه الأسطورة هي سيرة جينيه الذاتية quot; يوميات لص quot; ورواياته الأربع. وبخاصة (سيدتنا ذات الإزهار) و (معجزة الزهرة) و (طقوس الجنازة) التي يقدم فيها نفسه راويا. وكذلك بياناته الأخيرة الشفوية والتحريرية التي أرسلها إلى الكتاب والأصدقاء. جان كوكتو، وجان بول سارتر، وسيمون دي بوفوار، وفيوليت ليدو، فضلا عن المقابلات التي أجريت
معه في الستينيات والسبعينيات في بعض المجلات والصحف الأسبوعية. بيد أن هذه المصادر لا يعول على جميعها. وهناك نقاد كبار ينزعون الى تحويل الحقائق الطبيعية في حياة جينيه إلى قصة خيالية وذلك بتأويلها في ضوء رواياته او مسرحياته. وهنا، يقتربون جزئيا من سارتر وتأويلاته الوجودية في كتابه (القديس جينيه، الممثل والشهيد ,) وهو كتاب تذكاري تجاوز 600 صفحة. حاول فيه سارتر ان يزودنا بوعي انطولوجي وتحليلات سايكولوجية عن جينيه ترتكز على شواهد كتاباته وهي دراسة شاملة وواضحة للغاية. ولكنها لا تتواصل للمحافظة على أسطورة جينيه حية فحسب، لكن لها تاثيرا في الصورة الذاتية وأعماله اللاحقة..
ولد جينيه عام 1910م في باريس لأبوين لم يعرفهما: وحمل لقب أمه غابريلا جينيه التي تخلت عنه عند ولادته. وأصبح تحت وصاية قسم المساعدات العامة. وهي وكالة حكومية. ولعله امضي معظم طفولته في ميتم أو معهد خاص. ولكننا عمليا لا نعرف شيئا عنه في سنواته الست الأولى. وفي عمر السادسة أو السابعة أرسل إلى منظمة مورفان في فرنسا لينشا على يد عائلة فلاحية دفع لها المال لتنفق عليه. ولا نعرف الا قليلا عن تلك العائلة. كما لا نعرف الكثير عن طفولته في الريف. ولكن كما جاء في سيرة سارتر عنه: كان جينيه طفلا رقيقا يميل إلى التأمل والتطلعات الصارمة. ولكن سرعان ما شرع جينيه بسرقة الطعام والنقود من عائلته الوصية عليه ndash; ربما لأنه كان جائعا ndash; وهذا ما علله نفسه لسرقاته الأولى.
وفي رأي سارتر: ان شعور الطفل جينيه بالفراغ الغريب، والمعاناة، والإحساس العميق بالعوز وعدم الاستقرا ر ؛ لكونه طفلا غير شرعي، وخاصة عندما كان يعيش في مجتمع ريفي تعتمد قيمه على ملكية الأرض والإرث الشرعي. وسوغ سارتر سرقة جينيه بوصفه طفلا استجاب لا شعوريا إلى وضعه الوجودي البائس. وفي العاشرة من عمره أطلق مجموعة من الكبار عليه كلمة quot; لص quot; كانت تجربة صاعقة جعلته يدرك فجأة أنها من quot; طبيعته الشريرة quot; وزاد من مأساة تلك التجربة قبوله إدانة الآخرين له. وتسليمه بقبول ما يراه العالم quot; انه شخص لا بد ان يكون رديئا quot; وتوجه تدريجيا إلى ممارسة الشر والجريمة وبالولاء نفسه الذي يتوجه في القديس الى الفضيلة والطهارة. وان سرقاته المتكررة وحادثة سنمله عين صبي أخر زادت من انحرافه.
يطلق عليها المدرسة quot;النموذجquot; افتضح أمرها في الثلاثينيات حيث كانت quot;معهد محضquot; أو quot;مستوطنة عقوبات الأطفالquot; وعندما حلل ميشيل فوكو عام 1975 تاريخ سجون فرنسا أكد أهمية ميتريه quot;نموذج عقابيquot; أو quot; كلية تعليم للقصاص البحت quot; تعلم من علاقات القوة من خلال السجن ndash; panoptic، وفي ميتريه تحولت ممارسة الشذوذ الجنسي المستترة لدى جينيه إلى عادة ثابتة. في الوقت ذاته، حوله نظام المدرسة القمعي الصارم إلى إنسان خشن مدمن على اجنبية، ولكنه سرعان ما هرب منها.
تحولت حياة جينيه إلى ظاهرة اجتماعية، إلى نوع من الخرافة. أو الأسطورة مما صعد ردود الأفعال النقدية عليها وبخاصة في فرنسا في الأربعينيات والخمسينيات والستينيات من القرن العشرين. والمصادر الأساسية للمعلومات التي نشأت وتطورت في هذه الأسطورة هي سيرة جينيه الذاتية quot; يوميات لص quot; ورواياته الأربع. وبخاصة (سيدتنا ذات الإزهار) و (معجزة الزهرة) و (طقوس الجنازة) التي يقدم فيها نفسه راويا. وكذلك بياناته الأخيرة الشفوية والتحريرية التي أرسلها إلى الكتاب والأصدقاء. جان كوكتو، وجان بول سارتر، وسيمون دي بوفوار، وفيوليت ليدو، فضلا عن المقابلات التي أجريت
Les Paravents |
ولد جينيه عام 1910م في باريس لأبوين لم يعرفهما: وحمل لقب أمه غابريلا جينيه التي تخلت عنه عند ولادته. وأصبح تحت وصاية قسم المساعدات العامة. وهي وكالة حكومية. ولعله امضي معظم طفولته في ميتم أو معهد خاص. ولكننا عمليا لا نعرف شيئا عنه في سنواته الست الأولى. وفي عمر السادسة أو السابعة أرسل إلى منظمة مورفان في فرنسا لينشا على يد عائلة فلاحية دفع لها المال لتنفق عليه. ولا نعرف الا قليلا عن تلك العائلة. كما لا نعرف الكثير عن طفولته في الريف. ولكن كما جاء في سيرة سارتر عنه: كان جينيه طفلا رقيقا يميل إلى التأمل والتطلعات الصارمة. ولكن سرعان ما شرع جينيه بسرقة الطعام والنقود من عائلته الوصية عليه ndash; ربما لأنه كان جائعا ndash; وهذا ما علله نفسه لسرقاته الأولى.
وفي رأي سارتر: ان شعور الطفل جينيه بالفراغ الغريب، والمعاناة، والإحساس العميق بالعوز وعدم الاستقرا ر ؛ لكونه طفلا غير شرعي، وخاصة عندما كان يعيش في مجتمع ريفي تعتمد قيمه على ملكية الأرض والإرث الشرعي. وسوغ سارتر سرقة جينيه بوصفه طفلا استجاب لا شعوريا إلى وضعه الوجودي البائس. وفي العاشرة من عمره أطلق مجموعة من الكبار عليه كلمة quot; لص quot; كانت تجربة صاعقة جعلته يدرك فجأة أنها من quot; طبيعته الشريرة quot; وزاد من مأساة تلك التجربة قبوله إدانة الآخرين له. وتسليمه بقبول ما يراه العالم quot; انه شخص لا بد ان يكون رديئا quot; وتوجه تدريجيا إلى ممارسة الشر والجريمة وبالولاء نفسه الذي يتوجه في القديس الى الفضيلة والطهارة. وان سرقاته المتكررة وحادثة سنمله عين صبي أخر زادت من انحرافه.
يطلق عليها المدرسة quot;النموذجquot; افتضح أمرها في الثلاثينيات حيث كانت quot;معهد محضquot; أو quot;مستوطنة عقوبات الأطفالquot; وعندما حلل ميشيل فوكو عام 1975 تاريخ سجون فرنسا أكد أهمية ميتريه quot;نموذج عقابيquot; أو quot; كلية تعليم للقصاص البحت quot; تعلم من علاقات القوة من خلال السجن ndash; panoptic، وفي ميتريه تحولت ممارسة الشذوذ الجنسي المستترة لدى جينيه إلى عادة ثابتة. في الوقت ذاته، حوله نظام المدرسة القمعي الصارم إلى إنسان خشن مدمن على اجنبية، ولكنه سرعان ما هرب منها.
الفقروالتشرد
وبين سنوات 1933-1942عاش جينيه حياة الفقر والتشرد، متنقلا في عدة بلدان اوربية، اسبانيا وايطاليا وألبانيا والنمسا وجيكوسلوفاكيا وبولندا وألمانيا النازية.وامضي مددا متكررة في السجن. وألقت به مغامراته إلى الإجرام.
مارس السرقة وباع نفسه من اجل البقاء واتصلت بأرباب السوابق والساقطات والقتلة، الذين وظفهم بعد ذلك نماذج لشخصياته، وامتلأت حياته بالإحداث وتجارب السجن وأخذت تلقي بظلالها عليه.كما بدا الكتابة وأنتج معظم إعماله في زنزانة السجن. وبشكل خاص (الرجل الذي حكم بالإعدام) وهي قصيدته الطويلة التي نشرت عام 1942، وروايته الأولى (سيدتنا ذات الإزهار) التي نشرت أول مرة في مونت كارلو على نفقة شخص غير معروف. وكان كوكتو أول من اكتشف جينيه وأصبح معجبا حميميا بإعماله الأدبية. وفي سنة 1942 التقى جينيه سارتر وتوطدت صداقة طويلة بينهما مبنية على عشق الحرية والاحترام المتبادل. ولولا المساعدة الادبية والفكرية من سارتر فان جينيه ما كان ليحقق نجاحه السريع والامن المالي النسبي الذي بدا يتمتع به في الخمسينيات.
وبين سنوات 1933-1942عاش جينيه حياة الفقر والتشرد، متنقلا في عدة بلدان اوربية، اسبانيا وايطاليا وألبانيا والنمسا وجيكوسلوفاكيا وبولندا وألمانيا النازية.وامضي مددا متكررة في السجن. وألقت به مغامراته إلى الإجرام.
مارس السرقة وباع نفسه من اجل البقاء واتصلت بأرباب السوابق والساقطات والقتلة، الذين وظفهم بعد ذلك نماذج لشخصياته، وامتلأت حياته بالإحداث وتجارب السجن وأخذت تلقي بظلالها عليه.كما بدا الكتابة وأنتج معظم إعماله في زنزانة السجن. وبشكل خاص (الرجل الذي حكم بالإعدام) وهي قصيدته الطويلة التي نشرت عام 1942، وروايته الأولى (سيدتنا ذات الإزهار) التي نشرت أول مرة في مونت كارلو على نفقة شخص غير معروف. وكان كوكتو أول من اكتشف جينيه وأصبح معجبا حميميا بإعماله الأدبية. وفي سنة 1942 التقى جينيه سارتر وتوطدت صداقة طويلة بينهما مبنية على عشق الحرية والاحترام المتبادل. ولولا المساعدة الادبية والفكرية من سارتر فان جينيه ما كان ليحقق نجاحه السريع والامن المالي النسبي الذي بدا يتمتع به في الخمسينيات.
مراة ادم
وكتب جينيه وطبع معظم إعماله الشعرية والنثرية بين 1944-1956 وسيناريو باليه قصيدة (مراة ادم) 1948 وسيرته الذاتية (يوميات لص) ومسرحية (جرس الموت) 1948 ومسرحية (الخادمات Les Bonnes) 1947 ومقالتين: (الصبي المجرم) 1949 والانسة: رسالة الى ليونور فيني 1950 وفي سنة 1948 حكم عليه بالسجن مدى الحياة لانه اقترف عدة جرائم سرقة ولعدم امكان اصلاحه.
ولكن بتدخل من صحيفة quot;النضالquot; ومجموعة من الكتاب يقودهم كوكتو وسارتر منح العفو الرئاسي. وبسبب كتاباته الأدبية انتقل جينيه تدريجيا من العتمة الدامسة إلى الصوت الرديء بين 1942، 1948، ومن عالم جاهل مليء بأرباب السوابق إلى المجموعة الفنية والفكرية، لجيرمين دي بريه التي قبل أعضاؤها بجينيه برغم انه لم يكن واحدا منهم. وبعد إطلاق سراحه من السجن سنة 1948 قرر جينيه التخلي عن الجريمة تماما. وبعد إن نشر سارتر كتابه: القديس جينيه،، الممثل والشهيد 1952 الذي كان التجربة الصاعقة الثانية في حياته، مر جينيه بفترة صعبة من التأمل الذاتي، والصمت الأدبي. وبعدها نشر مسرحياته الطويلة الثلاث (الشرفة) 1956، 1961 و (الزنوج Les negrave;gres) 1958 و (المساتر Les Paravents) وسيناريو فيلم الآنسة 1956 وعدة مقالات نقدية قصيرة في الفن والمسرح: ملاحظة في المسرح 1954 وستوديو جياكوميتي 1958 ورسائل إلى روجر بلان بعد انتاج مسرحية (المساتر) التي أخرجها روجر بلان على مسرح تيترو دو فرانس سنة 1966. يبدو إن جينيه فقد اهتمامه بالأدب وتوقف عن الكتابة للمسرح ؛ بيد ان التزامه السياسي الذي لم يكن له وجود او كان مغلفا بالغموض، وفي إعماله الأدبية أصبح أكثر وضوحا وصراحة وتبنى جينيه الموقف الراديكالي القريب من الماركسية. وهذا التحول الذي بدا 1968 خلال سفرة له الى الولايات المتحدة أصبح موقفه معلنا وبخاصة عندما وافق على ان يتعاون مع quot;النمور السودquot;. وفي سنة 1970 انتقل جينيه إلى الولايات المتحدة متحدثا باسم السود في كل مكان ضد العنصرية البيضاء ومدافعا عن بوبي سيل الذي سجن بوصفه رئيسا للنمور. وفي الأول من أيار 1970 القي خطابا حادا ضد الحكومة الأميركية في حرم جامعة بيل quot; خطاب أول أيار 1970 quot; وكتب مقدمة إلى quot;إخوة سوليدادquot; ورسائل السجن الى جورج جاكسن 1971 ومن موضوع النمور السود انتقل الى القضية الفلسطينية وصار جنديا مناصرا لها. وبعد ذلك، أصبح مع الثوار الألمان الذين يكونون quot; الجيش الأحمر quot; وفي عام 1977 نشر مقدمة لآخر رسائل اورليك ملينهوف. إما القضايا التي اختارها للدفاع عنها فهي فرق الأقليات الثورية التي عدت نفسها أنها لا تعامل أصلا بعدالة. والتي دان ثوراتها quot; الرأي العام الحر quot; لإتباعها أساليب إرهابية. اما قضايا النمور السود والفوضويين الألمان، فاهتمام جيينه بها يعود إلى أهمية الدور الذي أداه السجن في حربهما ضد الحكومات والظلم. وراحت بياناته تشهر بفضائح العنصرية داخل السجون الأميركية، ووحشية الأنظمة العقابية والجزائية الالمانية التي تحمل مسؤولية الموت البطيء لمؤيدي ندريس بادر.وفي مقدمته لرسائل اورليك ملينهوف، ميز جينيه بشكل واضح بين العنف الذي كان الوسيلة التي تقوم به الحكومات. وتجاوز العنف ولكنه دان الهمجية من بين عدة اشكال جعلته ينوه بها بسبب الحبس الانفرادي. ولعل التزامات جينيه السياسية الحالية تبدو مدهشة، ولكنها تبقى محافظة على إحساسه الشخصي بالظلم وروح التمرد الذي يعبر عنه ضد المجتمع:
quot;والمجتمع كما تصفه أنت إنا اكرهه، فانا دائما اكرهه، وابغضه، ذلك لأنه عاملتي بقسوة ومنذ أن كنت طفلا في معهد الأيتام، والمدرسة الإصلاحية كما وصفتها في رويتي (معجزة الوردة) وعلمني شيئا عن الحياة، ومنذ ذلك الحين وجدت لي مخرجا في العمل الأدبي واتخذت كراهيتي شيئا آخر quot; ومنذ الستينيات عاش جينيه مرتاحا من عائدات كتبه وتمثيل مسرحياته، ولكنه كان دائما يرفض الاستقرار والعيش في مجتمع الطبقة الوسطى quot; كما ذكر روبرت بلان quot; فقد كان لديه رغبة في التنقل حول العالم، بحقيبة صغيرة تحتوي على الآنسة الداخلية وجواريه، وهذا مقترن بخوفه المتزايد من كونه قد رد إليه اعتباره.
وكتب جينيه وطبع معظم إعماله الشعرية والنثرية بين 1944-1956 وسيناريو باليه قصيدة (مراة ادم) 1948 وسيرته الذاتية (يوميات لص) ومسرحية (جرس الموت) 1948 ومسرحية (الخادمات Les Bonnes) 1947 ومقالتين: (الصبي المجرم) 1949 والانسة: رسالة الى ليونور فيني 1950 وفي سنة 1948 حكم عليه بالسجن مدى الحياة لانه اقترف عدة جرائم سرقة ولعدم امكان اصلاحه.
ولكن بتدخل من صحيفة quot;النضالquot; ومجموعة من الكتاب يقودهم كوكتو وسارتر منح العفو الرئاسي. وبسبب كتاباته الأدبية انتقل جينيه تدريجيا من العتمة الدامسة إلى الصوت الرديء بين 1942، 1948، ومن عالم جاهل مليء بأرباب السوابق إلى المجموعة الفنية والفكرية، لجيرمين دي بريه التي قبل أعضاؤها بجينيه برغم انه لم يكن واحدا منهم. وبعد إطلاق سراحه من السجن سنة 1948 قرر جينيه التخلي عن الجريمة تماما. وبعد إن نشر سارتر كتابه: القديس جينيه،، الممثل والشهيد 1952 الذي كان التجربة الصاعقة الثانية في حياته، مر جينيه بفترة صعبة من التأمل الذاتي، والصمت الأدبي. وبعدها نشر مسرحياته الطويلة الثلاث (الشرفة) 1956، 1961 و (الزنوج Les negrave;gres) 1958 و (المساتر Les Paravents) وسيناريو فيلم الآنسة 1956 وعدة مقالات نقدية قصيرة في الفن والمسرح: ملاحظة في المسرح 1954 وستوديو جياكوميتي 1958 ورسائل إلى روجر بلان بعد انتاج مسرحية (المساتر) التي أخرجها روجر بلان على مسرح تيترو دو فرانس سنة 1966. يبدو إن جينيه فقد اهتمامه بالأدب وتوقف عن الكتابة للمسرح ؛ بيد ان التزامه السياسي الذي لم يكن له وجود او كان مغلفا بالغموض، وفي إعماله الأدبية أصبح أكثر وضوحا وصراحة وتبنى جينيه الموقف الراديكالي القريب من الماركسية. وهذا التحول الذي بدا 1968 خلال سفرة له الى الولايات المتحدة أصبح موقفه معلنا وبخاصة عندما وافق على ان يتعاون مع quot;النمور السودquot;. وفي سنة 1970 انتقل جينيه إلى الولايات المتحدة متحدثا باسم السود في كل مكان ضد العنصرية البيضاء ومدافعا عن بوبي سيل الذي سجن بوصفه رئيسا للنمور. وفي الأول من أيار 1970 القي خطابا حادا ضد الحكومة الأميركية في حرم جامعة بيل quot; خطاب أول أيار 1970 quot; وكتب مقدمة إلى quot;إخوة سوليدادquot; ورسائل السجن الى جورج جاكسن 1971 ومن موضوع النمور السود انتقل الى القضية الفلسطينية وصار جنديا مناصرا لها. وبعد ذلك، أصبح مع الثوار الألمان الذين يكونون quot; الجيش الأحمر quot; وفي عام 1977 نشر مقدمة لآخر رسائل اورليك ملينهوف. إما القضايا التي اختارها للدفاع عنها فهي فرق الأقليات الثورية التي عدت نفسها أنها لا تعامل أصلا بعدالة. والتي دان ثوراتها quot; الرأي العام الحر quot; لإتباعها أساليب إرهابية. اما قضايا النمور السود والفوضويين الألمان، فاهتمام جيينه بها يعود إلى أهمية الدور الذي أداه السجن في حربهما ضد الحكومات والظلم. وراحت بياناته تشهر بفضائح العنصرية داخل السجون الأميركية، ووحشية الأنظمة العقابية والجزائية الالمانية التي تحمل مسؤولية الموت البطيء لمؤيدي ندريس بادر.وفي مقدمته لرسائل اورليك ملينهوف، ميز جينيه بشكل واضح بين العنف الذي كان الوسيلة التي تقوم به الحكومات. وتجاوز العنف ولكنه دان الهمجية من بين عدة اشكال جعلته ينوه بها بسبب الحبس الانفرادي. ولعل التزامات جينيه السياسية الحالية تبدو مدهشة، ولكنها تبقى محافظة على إحساسه الشخصي بالظلم وروح التمرد الذي يعبر عنه ضد المجتمع:
quot;والمجتمع كما تصفه أنت إنا اكرهه، فانا دائما اكرهه، وابغضه، ذلك لأنه عاملتي بقسوة ومنذ أن كنت طفلا في معهد الأيتام، والمدرسة الإصلاحية كما وصفتها في رويتي (معجزة الوردة) وعلمني شيئا عن الحياة، ومنذ ذلك الحين وجدت لي مخرجا في العمل الأدبي واتخذت كراهيتي شيئا آخر quot; ومنذ الستينيات عاش جينيه مرتاحا من عائدات كتبه وتمثيل مسرحياته، ولكنه كان دائما يرفض الاستقرار والعيش في مجتمع الطبقة الوسطى quot; كما ذكر روبرت بلان quot; فقد كان لديه رغبة في التنقل حول العالم، بحقيبة صغيرة تحتوي على الآنسة الداخلية وجواريه، وهذا مقترن بخوفه المتزايد من كونه قد رد إليه اعتباره.
حياة أسطورية
في هذه الصورة عن حياة جينيه، التي انتقلت إلينا عن طريق (أسطورته) التي خلقها جزئيا بنفسه نلحظ فجوات من الصعوبة بمكان ردمها، وتناقضات ظاهرة من المستحيل حلها. وان أول حيرة برزت إمامنا بما نعرفه عن السيرة الذاتية لجينيه، هي حرفته الادبيه ودربته، وكما قال سارتر: انه النصر الفعلي لكاتب ndash; القوة التي منحت له من خلال سيطرته واستخدامه الابداعي للغة، ليتمكن من التغلب على طرقه. وتحويل يأسه وتمرده الى انتصار شعري ndash; مكن جينيه من الوصول إلى الحرية الفكرية، وعن طريق الكتابة نجح جينيه في التعالي على معاناته وغضبه.
ومنحته إعماله الأدبية فرصة في أن ينتقم لنفسه من أمه، التي تخلت عنه، ومن والديه الوصيين عليه اللذين رفضها بوصفه لصا، وعلى الحكام وحراس السجن، ورجال الشرطة، الذين دفعوا به الى حياة مجرم منبوذ. هذه النظرية التي تمنح عملية الكتابة، علاجا وطهارة، هي دعوة لتمكين القارئ من ان يفهم تطور جينيه التدريجي، كاتبا وإنسانا. وقدم سارتر أيضا تحليلا مقنعا للسمة الخاصة لكتابة جينيه، التي بحسب رأيه تعمل من خلال إغرائها الفعلي وتوحي لعواطفنا وشعورنا بالعدالة، ومن خلال تزويقها الفكري quot; مثل جيد في صيغها الايديولوجية الدائمة quot; التي غالبا ما ترتبط بالجاذبية، وتشوش القارئ. لكن سارتر يراقب موضوع الممارسة الفكرية والثقافية للكاتب. فضلا عن مراقبة الإطار التاريخي المحدد بالمصادر التي ٍمن خلالها تتطور كتابة جينيه.
وبناء على الأسطورة، فقد بدا جينيه الكتابة في عمر الثانية والثلاثين، او الثالثة والثلاثين، تحديا ضد نزيل سجن آخر، الذي كتب القصائد وحاول أن يبرهن بها على موهبته للسجناء الذين كانوا يحتقرونه؛ وثقافته الأدبية الوحيدة مستمدة من روايات شعبية، وقصص بوليسية حصل عليها من مكتبات السجن، برغم انه ربما تعلم نظم الشعر من رينيه بوكسويل الشاعر الشعبي الذي كان جينيه يساعده ويرشده على طريقه. فإذا كانت قراءات جينيه الأدبية قد اكتشفها بيير دو روزار في ميتريه ؛ فان جينيه قرأ في السجن الإخوة كرامازوف، وتداعيات بروست (غابة البراعم) في بداية الأربعينيات. ثمة مقابلة أجراها معه فيتشه ص186، تؤكد أن من الصعوبة بمكان ان نقدر المستوى العالي من السفسطة والثقافة والفكر الذي ظهر في بداية روايته الأولى (سيدتنا ذات الإزهار) التي أظهرت غنى في المفردات وحذاقة في التركيب والمبالغة في بالاستعارات والإحساسات الهارمونية في الوزن. وهذا يدل على تمكنه من اللغة وأسطورة رجل بدون ثقافة اكاديمية. التناقض الثاني قي أسطورة جينيه يتعلق بالاختلاف بين الأخلاقيات السببية في سلوكه الشخصي منذ الخمسينيات بخاصة. ويغني جينيه في رواياته ومسرحياته مجال الجريمة، ويحول الجبن والخداع والقتل الى فضائل لاهوتية، بيد أن الحقائق الممكن إثباتها والدليل المعتمد، يوضحان معا جرأة جينيه وشجاعته وإخلاصه، وعدم اهتمامه بالمال، ورفضه للمذهب المادي.
ويظهر لنا (خطابه في أول أيار 1970) ووجهة نظره السياسية المباشرة الراهنة انه لايهاب الخطر ونحن نعرف ذلك في سنة 1943 انه اختار ان يتهم خطا بالقتل، أكثر من خيانة مذكرات القاتل الحقيقي الذي كان صديقا له، وكانت تصريحاته عن أصدقائه الأدباء ولاسيما كوكتو وسارتر، دائما مدعمة وعندما بين محمد شكري ان quot; القديس جينيه quot; هو كتاب عن أفكار سارتر نفسه أكثر مما هو عن جينيه. فان الخير قد احتج بشدة قائلا: انه يعرف ما كتبه عني من دراسة لذلك، وانه يعرف حياتي الشخصية، من حقيقة كوننا أصدقاء، وقد استخدم تلك المعرفة ليصوغ أفكاره عني. فضلا عن ذلك، فان جينيه اعترف في مقابلة مع فيتشه ان معجب بفكرة القاتل أكثر من القتل نفسه. وشرح إخفاقه في أن يتحول إلى قاتل من خلال نشاطه في الكتابة، أو من خلال الجهود التي يبذلها دائما لكي يقنع الآخرين بان حياة شخص أو موته لا أهمية لهما ص184، وان التناقض الظاهر بين حياة إنسان وكتابته ليست مسالة غيرمالوفة، ولكن بالنسبة للعالم ومؤرخ الأدب فان جيينه من المحتمل إن يبقى لغزا محيرا مدة طويلة، لأنه ليس هناك سيرة ذاتية او بحث في المصادر الأدبية لإعماله تظهر ذلك ممكنا وليس ثمة احد ليعرف ما اذا كانت جميع مخطوطاته قد نشرت وخاصة ان بعضها قد فقد او تلف. والمشكلة الثالثة التي يمكن ان تسبب بعض الارتباك للقاريء هي هوية جينيه الجنسية، فانه لم يحاول أبدا اخفاء شذوذه الجنسي الذي يظهر خلال كتاباته مصدرا للالهام والمتعة. بيد ان هذه الثيمة ترتبط تماما بالجريمة والخيانة، وبوصفها مسالة لا اخلاقية، ومثل هذه الرابطة بين الشذوذ الجنسي والشر تكثف مشاعر الخوف لدى القراء او عالمهم الجنسي. ربما تكون مقبولة ادبيا عند النقاد الذين سقطوا في مصيدة نصوص جينيه وأدركوا شذوذه حتى في إعماله الأدبية نلحظ مرض عصاب أو شكلا من إشكال الانحراف الأخلاقي في الرغبة الجنسية ومن جانب آخر فان تحليل سارتر للهوية الجنسية يقدم في الغالب ثورة وجودية ضد اشتهاء الجنس الآخر.
بينما يحتوي التحليل الحاذق لميكانيزمات العشق الذاتي والتضمينات الاجتماعية، ودراسة سارتر عن شذوذ جينيه تقدمها بصيغة اجتماعية جوهرية وإدراك الذات الفكرية للانحراف. أن دراسة سارتر بوجه عام تهمل الدور الذي يؤديه الواقع الجنسي في المتعة الفنية للنصوص الأدبية بمشاركة القارئ والكاتب في ان واحد.
فالصيغ الغنائية الغزيرة التي تنقل القوة الغامرة للجنس في أعمال جينيه هي مجازات شعرية تدرك من خلال اللغة وبشكل رئيس على هذا المستوى الذي يجعل المرء يدرك المنطق الشهواني quot; اللبيدي quot; لنصوصه. وفي مسرحيات جينيه التي أخرجت فان المشاهد يواجه بإشارات وحركات وموسيقى ورقص يتمتع بالصيغ السمعية والمرئية معبرة بعمق عن المشاعر الجنسية.
في هذه الصورة عن حياة جينيه، التي انتقلت إلينا عن طريق (أسطورته) التي خلقها جزئيا بنفسه نلحظ فجوات من الصعوبة بمكان ردمها، وتناقضات ظاهرة من المستحيل حلها. وان أول حيرة برزت إمامنا بما نعرفه عن السيرة الذاتية لجينيه، هي حرفته الادبيه ودربته، وكما قال سارتر: انه النصر الفعلي لكاتب ndash; القوة التي منحت له من خلال سيطرته واستخدامه الابداعي للغة، ليتمكن من التغلب على طرقه. وتحويل يأسه وتمرده الى انتصار شعري ndash; مكن جينيه من الوصول إلى الحرية الفكرية، وعن طريق الكتابة نجح جينيه في التعالي على معاناته وغضبه.
ومنحته إعماله الأدبية فرصة في أن ينتقم لنفسه من أمه، التي تخلت عنه، ومن والديه الوصيين عليه اللذين رفضها بوصفه لصا، وعلى الحكام وحراس السجن، ورجال الشرطة، الذين دفعوا به الى حياة مجرم منبوذ. هذه النظرية التي تمنح عملية الكتابة، علاجا وطهارة، هي دعوة لتمكين القارئ من ان يفهم تطور جينيه التدريجي، كاتبا وإنسانا. وقدم سارتر أيضا تحليلا مقنعا للسمة الخاصة لكتابة جينيه، التي بحسب رأيه تعمل من خلال إغرائها الفعلي وتوحي لعواطفنا وشعورنا بالعدالة، ومن خلال تزويقها الفكري quot; مثل جيد في صيغها الايديولوجية الدائمة quot; التي غالبا ما ترتبط بالجاذبية، وتشوش القارئ. لكن سارتر يراقب موضوع الممارسة الفكرية والثقافية للكاتب. فضلا عن مراقبة الإطار التاريخي المحدد بالمصادر التي ٍمن خلالها تتطور كتابة جينيه.
وبناء على الأسطورة، فقد بدا جينيه الكتابة في عمر الثانية والثلاثين، او الثالثة والثلاثين، تحديا ضد نزيل سجن آخر، الذي كتب القصائد وحاول أن يبرهن بها على موهبته للسجناء الذين كانوا يحتقرونه؛ وثقافته الأدبية الوحيدة مستمدة من روايات شعبية، وقصص بوليسية حصل عليها من مكتبات السجن، برغم انه ربما تعلم نظم الشعر من رينيه بوكسويل الشاعر الشعبي الذي كان جينيه يساعده ويرشده على طريقه. فإذا كانت قراءات جينيه الأدبية قد اكتشفها بيير دو روزار في ميتريه ؛ فان جينيه قرأ في السجن الإخوة كرامازوف، وتداعيات بروست (غابة البراعم) في بداية الأربعينيات. ثمة مقابلة أجراها معه فيتشه ص186، تؤكد أن من الصعوبة بمكان ان نقدر المستوى العالي من السفسطة والثقافة والفكر الذي ظهر في بداية روايته الأولى (سيدتنا ذات الإزهار) التي أظهرت غنى في المفردات وحذاقة في التركيب والمبالغة في بالاستعارات والإحساسات الهارمونية في الوزن. وهذا يدل على تمكنه من اللغة وأسطورة رجل بدون ثقافة اكاديمية. التناقض الثاني قي أسطورة جينيه يتعلق بالاختلاف بين الأخلاقيات السببية في سلوكه الشخصي منذ الخمسينيات بخاصة. ويغني جينيه في رواياته ومسرحياته مجال الجريمة، ويحول الجبن والخداع والقتل الى فضائل لاهوتية، بيد أن الحقائق الممكن إثباتها والدليل المعتمد، يوضحان معا جرأة جينيه وشجاعته وإخلاصه، وعدم اهتمامه بالمال، ورفضه للمذهب المادي.
ويظهر لنا (خطابه في أول أيار 1970) ووجهة نظره السياسية المباشرة الراهنة انه لايهاب الخطر ونحن نعرف ذلك في سنة 1943 انه اختار ان يتهم خطا بالقتل، أكثر من خيانة مذكرات القاتل الحقيقي الذي كان صديقا له، وكانت تصريحاته عن أصدقائه الأدباء ولاسيما كوكتو وسارتر، دائما مدعمة وعندما بين محمد شكري ان quot; القديس جينيه quot; هو كتاب عن أفكار سارتر نفسه أكثر مما هو عن جينيه. فان الخير قد احتج بشدة قائلا: انه يعرف ما كتبه عني من دراسة لذلك، وانه يعرف حياتي الشخصية، من حقيقة كوننا أصدقاء، وقد استخدم تلك المعرفة ليصوغ أفكاره عني. فضلا عن ذلك، فان جينيه اعترف في مقابلة مع فيتشه ان معجب بفكرة القاتل أكثر من القتل نفسه. وشرح إخفاقه في أن يتحول إلى قاتل من خلال نشاطه في الكتابة، أو من خلال الجهود التي يبذلها دائما لكي يقنع الآخرين بان حياة شخص أو موته لا أهمية لهما ص184، وان التناقض الظاهر بين حياة إنسان وكتابته ليست مسالة غيرمالوفة، ولكن بالنسبة للعالم ومؤرخ الأدب فان جيينه من المحتمل إن يبقى لغزا محيرا مدة طويلة، لأنه ليس هناك سيرة ذاتية او بحث في المصادر الأدبية لإعماله تظهر ذلك ممكنا وليس ثمة احد ليعرف ما اذا كانت جميع مخطوطاته قد نشرت وخاصة ان بعضها قد فقد او تلف. والمشكلة الثالثة التي يمكن ان تسبب بعض الارتباك للقاريء هي هوية جينيه الجنسية، فانه لم يحاول أبدا اخفاء شذوذه الجنسي الذي يظهر خلال كتاباته مصدرا للالهام والمتعة. بيد ان هذه الثيمة ترتبط تماما بالجريمة والخيانة، وبوصفها مسالة لا اخلاقية، ومثل هذه الرابطة بين الشذوذ الجنسي والشر تكثف مشاعر الخوف لدى القراء او عالمهم الجنسي. ربما تكون مقبولة ادبيا عند النقاد الذين سقطوا في مصيدة نصوص جينيه وأدركوا شذوذه حتى في إعماله الأدبية نلحظ مرض عصاب أو شكلا من إشكال الانحراف الأخلاقي في الرغبة الجنسية ومن جانب آخر فان تحليل سارتر للهوية الجنسية يقدم في الغالب ثورة وجودية ضد اشتهاء الجنس الآخر.
بينما يحتوي التحليل الحاذق لميكانيزمات العشق الذاتي والتضمينات الاجتماعية، ودراسة سارتر عن شذوذ جينيه تقدمها بصيغة اجتماعية جوهرية وإدراك الذات الفكرية للانحراف. أن دراسة سارتر بوجه عام تهمل الدور الذي يؤديه الواقع الجنسي في المتعة الفنية للنصوص الأدبية بمشاركة القارئ والكاتب في ان واحد.
فالصيغ الغنائية الغزيرة التي تنقل القوة الغامرة للجنس في أعمال جينيه هي مجازات شعرية تدرك من خلال اللغة وبشكل رئيس على هذا المستوى الذي يجعل المرء يدرك المنطق الشهواني quot; اللبيدي quot; لنصوصه. وفي مسرحيات جينيه التي أخرجت فان المشاهد يواجه بإشارات وحركات وموسيقى ورقص يتمتع بالصيغ السمعية والمرئية معبرة بعمق عن المشاعر الجنسية.
من الروايات إلى المسرح
كتب جينيه خمس مسرحيات فقط، ولكن لها تأثيرا مهما، وبخاصة خلال الخمسينيات والستينيات. ومنذ ذلك الحين انتعشت مسرحيتا (الخادمات) و(الشرفات) في العالم وترجمتا الى عدة لغات. وبعد نشر (كوريل من بريخت) تخلى جينيه عن الرواية وكرس نفسه لكتابة الدراما، ويبدو ان اختياره كان صائبا لان المسرح يناسب خياله وموهبته الإبداعية بطريقة أفضل.
وفي روايات جينيه، وبشكل خاص الثلاث الأولى، فان الروائي انتقل من عالم الكتابة والسرد إلى الإعمال القصصية المبدعة أو القصة المروية. وعلى هذا فهو يتظاهر إلى آن يكون إحدى شخصياته التي تبدو بالمقابل انها تسهم في عملية الإخبار والسرد. فان الراوي والشخصيات يتبادلان الادوار الى حد الحدود بين ظاهرتي الخلق الفني والأشياء المخلوقة بحيث يصبحان غير واضحين. هذه التبدلات الدائمة ضمن مستويات التمثيل تؤشر على موهبة الكاتب الخاصة بالاندماج مع شخصياته والذوبان فيها.
بيد ان الدراما هي الوسيلة التي يظهر فيها الكاتب المسحي في هيئات أخرى، ويتحدث بأصواتها دون الحاجة إلى ان يؤكد هويته مباشرة ,. وعلى المسح ترى الشخصيات في دورها من خلال أجسام الممثلين وأصواتهم وان حب انقسام الذات والثنائية التي تسود في بنى روايات جينيه تجد ليحكي قصة ويكون
تلك الشخصية في الوقت ذاته , آو بالإمكان أن يؤدي دورا في التمثيل ويكون التمثيل تلك القصة. وروايات جينيه لم تكن في الواقع منشغلة برواية قصته , وذا كانت كذلك، فان تلك من باب المصادفة على الرغم المداخلات الكثيرة في الزان والمكان، وتكون أصالتها في مشاهدها أو صورها التي تصوغ سلسلة الإيماءات quot; التمثيلية quot; القليلة المهمة والمحشوة من خل ال سردينها , وتمنح تلك المشاهد أهمية واضحة الإيماءات ذات الرمزية المعقدة، لها عدة درجات من الأهمية مثل هذا الميل يفي تحويل الإيماءات الاعتيادية إلى شعائر مليئة بالمغزى. قد ينتج تأثيرات غريبة في الرواية وتجد مكانها الشرعي في مسرح الأسطورة الذي تعود تقاليده الى الاغريقي والصيني.
كتب جينيه خمس مسرحيات فقط، ولكن لها تأثيرا مهما، وبخاصة خلال الخمسينيات والستينيات. ومنذ ذلك الحين انتعشت مسرحيتا (الخادمات) و(الشرفات) في العالم وترجمتا الى عدة لغات. وبعد نشر (كوريل من بريخت) تخلى جينيه عن الرواية وكرس نفسه لكتابة الدراما، ويبدو ان اختياره كان صائبا لان المسرح يناسب خياله وموهبته الإبداعية بطريقة أفضل.
وفي روايات جينيه، وبشكل خاص الثلاث الأولى، فان الروائي انتقل من عالم الكتابة والسرد إلى الإعمال القصصية المبدعة أو القصة المروية. وعلى هذا فهو يتظاهر إلى آن يكون إحدى شخصياته التي تبدو بالمقابل انها تسهم في عملية الإخبار والسرد. فان الراوي والشخصيات يتبادلان الادوار الى حد الحدود بين ظاهرتي الخلق الفني والأشياء المخلوقة بحيث يصبحان غير واضحين. هذه التبدلات الدائمة ضمن مستويات التمثيل تؤشر على موهبة الكاتب الخاصة بالاندماج مع شخصياته والذوبان فيها.
بيد ان الدراما هي الوسيلة التي يظهر فيها الكاتب المسحي في هيئات أخرى، ويتحدث بأصواتها دون الحاجة إلى ان يؤكد هويته مباشرة ,. وعلى المسح ترى الشخصيات في دورها من خلال أجسام الممثلين وأصواتهم وان حب انقسام الذات والثنائية التي تسود في بنى روايات جينيه تجد ليحكي قصة ويكون
مشهد من quot;الخادماتquot; Les Bonnes |
سايكولوجية الشخصية
واذا كانت روايات جينيه لا تطور سايكولوجية شخصياتها ونادرا ما تشرح دوافعها، فانها والحالة هذه لا تقدم علاقات إنسانية متبادلة، مشبعة بمشاعر الكراهية والحسد ومجربة بواسطة شخصيات هامشية أو منحرفين أو مجرمين من عالم الرذيلة والإجرام quot;العالم السفليquot; والمدرسة الإصلاحية في السجن او المنفى ويتحول الصراع في الروايات الى صراع قوة ومصادر عميقة للتوتر يملا المسرحيات بكثافة عظيمة.
تحتوي الروايات على محادثات سفسطائية تماما. وتبدو الحوارات العديدة quot;في كوريل من بريستquot; بشكل خاص طبيعية.. لان جينيه مزج فنيا مختلف مستويات اللغة فيها بواسطة الانتقال من اللهجة السوقية الاستعارية لمثل شخصيات عالم الرذيلة quot;العالم السفليquot; امثال جيل وكوريل، الى لغة اكثر نقاء تستخدمها شخصيات من الطبقة المتوسطة أمثال مدام ليسيان والملازم الأول سبلون. وهذا الاستخدام المتقن للحوارات يصبح جوهريا في مسرح جينيه حيث يميز هذا الإسراف اللغوي جينيه بوضوح عن معاصريه.
هذه المقارنة القصيرة بين روايات جينيه ومسرحياته لا تدعي الافاضة في شرح انتقاله من وسيلة إلى أخرى، ولا النجاح الذي حققه. مثل هذا الانتقال ونجاحه يشيران بلا ريب الى عوامل اخر كثيرة. ولاسيما المتغيرات المذهلة التي تؤثر في أساليب الإخراج، وفي المشاهدين، وفكرة المسرح ذاتها، بدأت في باريس في الخمسينيات مما أطلق عليه مارتن اسلن quot; مسرح العبث quot;. وفضلا عن ذلك فان جينيه فان جينيه كان قادرا بين 1944،1960 على مشاهدات باريسية قليلة والاتصال بمسرحيين مهمين أمثال كوكتو وسارتر ولويس جوفيه وبلان وبيتر بروك وماريا كارسبارون الذين كانوا عوامل أسهمت بعمق في تطوره الشخصي كونه كاتبا مسرحيا.
واذا كانت روايات جينيه لا تطور سايكولوجية شخصياتها ونادرا ما تشرح دوافعها، فانها والحالة هذه لا تقدم علاقات إنسانية متبادلة، مشبعة بمشاعر الكراهية والحسد ومجربة بواسطة شخصيات هامشية أو منحرفين أو مجرمين من عالم الرذيلة والإجرام quot;العالم السفليquot; والمدرسة الإصلاحية في السجن او المنفى ويتحول الصراع في الروايات الى صراع قوة ومصادر عميقة للتوتر يملا المسرحيات بكثافة عظيمة.
تحتوي الروايات على محادثات سفسطائية تماما. وتبدو الحوارات العديدة quot;في كوريل من بريستquot; بشكل خاص طبيعية.. لان جينيه مزج فنيا مختلف مستويات اللغة فيها بواسطة الانتقال من اللهجة السوقية الاستعارية لمثل شخصيات عالم الرذيلة quot;العالم السفليquot; امثال جيل وكوريل، الى لغة اكثر نقاء تستخدمها شخصيات من الطبقة المتوسطة أمثال مدام ليسيان والملازم الأول سبلون. وهذا الاستخدام المتقن للحوارات يصبح جوهريا في مسرح جينيه حيث يميز هذا الإسراف اللغوي جينيه بوضوح عن معاصريه.
هذه المقارنة القصيرة بين روايات جينيه ومسرحياته لا تدعي الافاضة في شرح انتقاله من وسيلة إلى أخرى، ولا النجاح الذي حققه. مثل هذا الانتقال ونجاحه يشيران بلا ريب الى عوامل اخر كثيرة. ولاسيما المتغيرات المذهلة التي تؤثر في أساليب الإخراج، وفي المشاهدين، وفكرة المسرح ذاتها، بدأت في باريس في الخمسينيات مما أطلق عليه مارتن اسلن quot; مسرح العبث quot;. وفضلا عن ذلك فان جينيه فان جينيه كان قادرا بين 1944،1960 على مشاهدات باريسية قليلة والاتصال بمسرحيين مهمين أمثال كوكتو وسارتر ولويس جوفيه وبلان وبيتر بروك وماريا كارسبارون الذين كانوا عوامل أسهمت بعمق في تطوره الشخصي كونه كاتبا مسرحيا.
مكانة مسرح جينيه في الخمسينيات والستينيات
ثمة مشابهة موضوعي واضحة بين روايات جينيه ومسرحياته، نجد موضوع الجريمة في كلتيهما الصور نفسها، الشعائر الدينية المستعارة من المذهب
الكاثوليكي، تسلط أفكار الموت، والطقوس الجنائزية.وفي الوقت نفسه تظهر ميثولوجيا خاصة في جميع إعمال جينيه، فليس من الحصافة ان تعامل المسرحيات كانها روايات او ننظر الى كتابات جينيه الدرامية طبقا لأنماطه القصصية كما فعل النقاد اول الامر، متيعين في ذلك خط سارتر عنه في (القديس جينيه) على الرغم من ان التقنية الروائية كانت ممتعة. فانها لم تتضمن السمات التجريبية والإبداعية في مسرحه التي شخصت منذ الخمسينيات لتديات جمالية قام بها مخرجون وممثلون واوحت تلك السمات الى افضل النتاجات في عصرنا، وفضلا عن ذلك فان مسرحيات جينيه الخمس تعكس الوعي والمشاكل السياسية والالتزام بمجموعات اجتماعي معينة، واهتمامات غائبة عن رواياته كليا.
الإغريقي أو الإليزابيثي، أو المسرح الميثولوجي الإفريقي. ويظهر شعورا جديا، وحتى دينيا هو خير وسيلة على مشاركة عاطفية من الحاضرين، بالرغم من بعض التشابهات الطفيفة مع فن سارتر، ولاسيما في (حارس قلعة الموت) وربما في(الخادمات) فان إعمال جينيه تتوجه بعمق ضد التقاليد الفنية لمسرح الثلاثينيات والأربعينيات التي أعقبت المسرح الجديد في المسرحية الجيدة الصنعة وله رسالة سايكولوجية وايديولوجية واضحة.
يناقض مسرح جينيه المذهب العقلي والواقعية، ويتجانس اكثر مع مسرحية الفريد جاري (اوبوروا) ومع التجارب المسرحية السوريالية في العشرينيات لاراغون او دير واو هوغو او غيردو. ولا تحمل مسرحيات جينيه أية رسالة واضحة لان معانيها لا تشتق من المنطق المباشر هذا النوع من الشعر اسم quot;الشعر المسرحيquot; في مقدمته eiffle tour la de namesless 1921 لأنه استثمار للشعر في المسرح.وما قد يبدو مهما في مفهوم جينيه عن الشعر المسرحي هو ان علاماته لا معنى لها ببساطة الكشف أو تعرض شيئا آخر. ولكن لكي تبقى متهمة او لا معنى لها علامات مسرحية محض. هذه المحاولة المتناقضة في ان تعرض أو تخفي حالة لا تبهم بالطريقة ذاتها التي كانت اللغة الشعرية لا يمكن إن تكون معبرة بقناعة في النثر او تترجم إلى لغة نقدية منطقية إذا، فالشعر المسرحي في مسرحيات جينيه الذي يقوم باستخدام أصيل للعبارات والطقوس والاحتفالات وأفعال السيرك والرقص والأقنعة ينجز الهدف نفسه.فهو يقاوم التأويل، لانت متعدد الإبعاد، ويحمل أنواعا كثيرة من الأحاسيس او المعاني التي تؤدي إلى صيغة اتحادية.
إن شعر جينيه المسرحي المحدد بالعنف المروع والعدوانية، اللتين تفترضان الإشكال ذات البنى الجيدة، النظام والانسجام، لذا فان ذلك الشعر تشوش او تغمر الحاضرين وتثير مخاوفهم وخجلهم وسخطهم، أو سرورهم. هذا النوع من الشعر، عظيم جدا وعندما تحلل الصفات الخاصة لمسرحيات جينيه فستكون ملائمة تماما، مع ما كان يحلم به انتونين ارتو في المسرح وازدواجيته (1938) عندما شرع صيغة جديدة للدراما أعادت الى المسرح الأساطير والميتافيزيقية.
ثمة مشابهة موضوعي واضحة بين روايات جينيه ومسرحياته، نجد موضوع الجريمة في كلتيهما الصور نفسها، الشعائر الدينية المستعارة من المذهب
جينيه بريشة جياكوميتي |
الإغريقي أو الإليزابيثي، أو المسرح الميثولوجي الإفريقي. ويظهر شعورا جديا، وحتى دينيا هو خير وسيلة على مشاركة عاطفية من الحاضرين، بالرغم من بعض التشابهات الطفيفة مع فن سارتر، ولاسيما في (حارس قلعة الموت) وربما في(الخادمات) فان إعمال جينيه تتوجه بعمق ضد التقاليد الفنية لمسرح الثلاثينيات والأربعينيات التي أعقبت المسرح الجديد في المسرحية الجيدة الصنعة وله رسالة سايكولوجية وايديولوجية واضحة.
يناقض مسرح جينيه المذهب العقلي والواقعية، ويتجانس اكثر مع مسرحية الفريد جاري (اوبوروا) ومع التجارب المسرحية السوريالية في العشرينيات لاراغون او دير واو هوغو او غيردو. ولا تحمل مسرحيات جينيه أية رسالة واضحة لان معانيها لا تشتق من المنطق المباشر هذا النوع من الشعر اسم quot;الشعر المسرحيquot; في مقدمته eiffle tour la de namesless 1921 لأنه استثمار للشعر في المسرح.وما قد يبدو مهما في مفهوم جينيه عن الشعر المسرحي هو ان علاماته لا معنى لها ببساطة الكشف أو تعرض شيئا آخر. ولكن لكي تبقى متهمة او لا معنى لها علامات مسرحية محض. هذه المحاولة المتناقضة في ان تعرض أو تخفي حالة لا تبهم بالطريقة ذاتها التي كانت اللغة الشعرية لا يمكن إن تكون معبرة بقناعة في النثر او تترجم إلى لغة نقدية منطقية إذا، فالشعر المسرحي في مسرحيات جينيه الذي يقوم باستخدام أصيل للعبارات والطقوس والاحتفالات وأفعال السيرك والرقص والأقنعة ينجز الهدف نفسه.فهو يقاوم التأويل، لانت متعدد الإبعاد، ويحمل أنواعا كثيرة من الأحاسيس او المعاني التي تؤدي إلى صيغة اتحادية.
إن شعر جينيه المسرحي المحدد بالعنف المروع والعدوانية، اللتين تفترضان الإشكال ذات البنى الجيدة، النظام والانسجام، لذا فان ذلك الشعر تشوش او تغمر الحاضرين وتثير مخاوفهم وخجلهم وسخطهم، أو سرورهم. هذا النوع من الشعر، عظيم جدا وعندما تحلل الصفات الخاصة لمسرحيات جينيه فستكون ملائمة تماما، مع ما كان يحلم به انتونين ارتو في المسرح وازدواجيته (1938) عندما شرع صيغة جديدة للدراما أعادت الى المسرح الأساطير والميتافيزيقية.
مسرح العبث
ومن بين جميع الكتاب ما يسمى: المسح الجديد، او مسرح العبث في الخمسينيات والستينيات الذين تأثروا بارتو بشكل مباشر أو غير مباشر هو جينيه الذي ربما سيكون احد أولئك الذين لهم صلتهم الروحية بالمثالية المستحيلة. والمسرح الكلي يبقى هو الأقوى. وعلى هذا الاعتبار، يبقى جينيه مشدودا الى مسرحياته مثل رواد المسرح الذين عرفوا ارتو وأعجبوا به مثل: بلان وبارو، أو الذين بقوا يميلون إلى ممارسة افكار ارتو بطريقة ما، ا وان الأساطير التي خلقها مسرح جينيه هي أكثر فردية وأكثر دقة من اساطيركتاب المسرح أولئك: بيكيت واونسكو واداموف لأنها تتضمن في الغالب قوة جنسية واجتماعية او دلالات سياسية هي بدرجة من الوضوح تكفي لاجتياز الدلالات المحددة، لان مسرح جينيه غالبا ما يكون متجددا في حالات اجتماعية وتاريخية. وقد اكد بعض النقاد الماركسيين مثل، لوسيان غولدمان المظاهر الواقعية ومغزاها. وحاول بعض المخرجين ان يحولوا مسرحياته الى مسرحيات طبيعية كما فعل لويس جوفيه في إنتاجه لمسرحية (الخادمات) 1947 أو المسرحيات البريختية الملحمية كما فعل ه.ليتزو في إنتاجه (المساتر) في ميونخ 1968 , هذه النزعة هي في الأساس نزعة ضد الآراء أو السمات الاجتماعية السياسية لنصوصه. فموضوع (حارس بوابة الموت) هو سجن في الثلاثينيات أو الأربعينيات ويشير إلى الأنظمة الجزائية والقضائية في ذلك الوقت. وموضوع مسرحية (الخادمات) هو السلوكية الاجتماعية للطبقة العليا الباريسية في الأربعينيات، وفي إحداث مسرحية (الشرفة) يرى بعض النقاد فيها أحداثا تاريخية أوربية وقعت في العشرينيات والثلاثينيات مثل: الثورة الاسبانية، اعقبها انتصار الفاشية وفي منزل الأوهام في مسرحية (الشرفة) فانه من السهولة بمكان ان تميز الحالة الشرعية للدعارة في فرنسا خلال آخر حقبة من الجمهورية الثالثة. وتشير مسرحية (الزنوج) الى الوضع الكولونيالي في اقطار افريقيا في مستهل استقلالها بعد الحرب العالمية الثانية.
وتقدم مسرحية (المساتر) أحداثا تاريخية محددة وقعت في الخمسينيات وبداية الستينيات حرب تحرير الجزائرية مع ما تحمل من عذابات وبشاعات واندحار فرنسا. ولكن من الصعوبة بمكان ان نعين موقع مسرحيات جينيه لانها تتفاعل كثيرا مع مسرح العبث، وتشارك المنطق العقلاني في لامبالاتها أو السايكولوجية القارتسنية، وتميل إلى إظهار سلسلة من الابتكارات تكون تحدياتها المهمة هي القارئ والمشاهد لأنها تعيده إلى الصيغ الدورية في التعبير، وتقنيات التجزؤ quot;الانشطارquot; ومن النادر ان ننقل من مستوى تمثيل إلى آخر. وتكون ثورتها ميتافيزيقية، وتثير في المشاهد شعورا بالتغريب، وهذه الشاعر تظهر في مسرحيات عبثية اخر. بيد أن دراما جينيه تخبرنا عادة بقصص مقطوعة وواضحة، وذلك لا يعني انها دون حبكة وشخصياتها مدفوعة بالكراهية او الرغبة بالتسلط او القتل.وهذه دوافع تميزها بحدة عن المهرجين أو شخصيات مسرح الدمى لدى اونسكو وبيكيت اللذين غالبا ما تكون شخوصهما دون أهداف أو دوافع.
وفي استخدامه للغة الدرامية، ربما يعد جينيه أكثر تقليدية كم بعض العبثيين بالرغم من ان المرء يكتشف متطلباته للغة جديدة. وازدراء للصيغ الظرفية أو التقلية. إن مسرح جينيه مملوء بالرونق والنضارة التي تجعل مسرحياته أكثر شبها بشكسبير أو كلوديه منها من بيكيت أو اداموف. ويبدو أن كل مسرحيات جينيه تمزج استخدام الأسطوري والشعري بالمسرحي مع التصوير لصراعات محددة هي إشارات اجتماعية محددة أيضا.
وقد نجحت كل مسرحية في ان تنقل بأسلوبها الخاص توليفة خاصة بين الشعر والواقعية. ربما تعد مسرحية (الشرفة) الأكثر تجربة في استخدام الاستعارة وانعكاسا للتراث. أما مسرحيات (الخادمات والزنوج والمساتر) فهي تتمم الشعر وتمزجه بالواقعية في بنى أصيلة لكل واحدة منها..
ومن بين جميع الكتاب ما يسمى: المسح الجديد، او مسرح العبث في الخمسينيات والستينيات الذين تأثروا بارتو بشكل مباشر أو غير مباشر هو جينيه الذي ربما سيكون احد أولئك الذين لهم صلتهم الروحية بالمثالية المستحيلة. والمسرح الكلي يبقى هو الأقوى. وعلى هذا الاعتبار، يبقى جينيه مشدودا الى مسرحياته مثل رواد المسرح الذين عرفوا ارتو وأعجبوا به مثل: بلان وبارو، أو الذين بقوا يميلون إلى ممارسة افكار ارتو بطريقة ما، ا وان الأساطير التي خلقها مسرح جينيه هي أكثر فردية وأكثر دقة من اساطيركتاب المسرح أولئك: بيكيت واونسكو واداموف لأنها تتضمن في الغالب قوة جنسية واجتماعية او دلالات سياسية هي بدرجة من الوضوح تكفي لاجتياز الدلالات المحددة، لان مسرح جينيه غالبا ما يكون متجددا في حالات اجتماعية وتاريخية. وقد اكد بعض النقاد الماركسيين مثل، لوسيان غولدمان المظاهر الواقعية ومغزاها. وحاول بعض المخرجين ان يحولوا مسرحياته الى مسرحيات طبيعية كما فعل لويس جوفيه في إنتاجه لمسرحية (الخادمات) 1947 أو المسرحيات البريختية الملحمية كما فعل ه.ليتزو في إنتاجه (المساتر) في ميونخ 1968 , هذه النزعة هي في الأساس نزعة ضد الآراء أو السمات الاجتماعية السياسية لنصوصه. فموضوع (حارس بوابة الموت) هو سجن في الثلاثينيات أو الأربعينيات ويشير إلى الأنظمة الجزائية والقضائية في ذلك الوقت. وموضوع مسرحية (الخادمات) هو السلوكية الاجتماعية للطبقة العليا الباريسية في الأربعينيات، وفي إحداث مسرحية (الشرفة) يرى بعض النقاد فيها أحداثا تاريخية أوربية وقعت في العشرينيات والثلاثينيات مثل: الثورة الاسبانية، اعقبها انتصار الفاشية وفي منزل الأوهام في مسرحية (الشرفة) فانه من السهولة بمكان ان تميز الحالة الشرعية للدعارة في فرنسا خلال آخر حقبة من الجمهورية الثالثة. وتشير مسرحية (الزنوج) الى الوضع الكولونيالي في اقطار افريقيا في مستهل استقلالها بعد الحرب العالمية الثانية.
وتقدم مسرحية (المساتر) أحداثا تاريخية محددة وقعت في الخمسينيات وبداية الستينيات حرب تحرير الجزائرية مع ما تحمل من عذابات وبشاعات واندحار فرنسا. ولكن من الصعوبة بمكان ان نعين موقع مسرحيات جينيه لانها تتفاعل كثيرا مع مسرح العبث، وتشارك المنطق العقلاني في لامبالاتها أو السايكولوجية القارتسنية، وتميل إلى إظهار سلسلة من الابتكارات تكون تحدياتها المهمة هي القارئ والمشاهد لأنها تعيده إلى الصيغ الدورية في التعبير، وتقنيات التجزؤ quot;الانشطارquot; ومن النادر ان ننقل من مستوى تمثيل إلى آخر. وتكون ثورتها ميتافيزيقية، وتثير في المشاهد شعورا بالتغريب، وهذه الشاعر تظهر في مسرحيات عبثية اخر. بيد أن دراما جينيه تخبرنا عادة بقصص مقطوعة وواضحة، وذلك لا يعني انها دون حبكة وشخصياتها مدفوعة بالكراهية او الرغبة بالتسلط او القتل.وهذه دوافع تميزها بحدة عن المهرجين أو شخصيات مسرح الدمى لدى اونسكو وبيكيت اللذين غالبا ما تكون شخوصهما دون أهداف أو دوافع.
وفي استخدامه للغة الدرامية، ربما يعد جينيه أكثر تقليدية كم بعض العبثيين بالرغم من ان المرء يكتشف متطلباته للغة جديدة. وازدراء للصيغ الظرفية أو التقلية. إن مسرح جينيه مملوء بالرونق والنضارة التي تجعل مسرحياته أكثر شبها بشكسبير أو كلوديه منها من بيكيت أو اداموف. ويبدو أن كل مسرحيات جينيه تمزج استخدام الأسطوري والشعري بالمسرحي مع التصوير لصراعات محددة هي إشارات اجتماعية محددة أيضا.
وقد نجحت كل مسرحية في ان تنقل بأسلوبها الخاص توليفة خاصة بين الشعر والواقعية. ربما تعد مسرحية (الشرفة) الأكثر تجربة في استخدام الاستعارة وانعكاسا للتراث. أما مسرحيات (الخادمات والزنوج والمساتر) فهي تتمم الشعر وتمزجه بالواقعية في بنى أصيلة لكل واحدة منها..
****
قراءة في أعمال جان جينيه المسرحية
لدى تتبع مجرى أحداث هذا الكتاب قمت بفصل مسرحيات (جينيه) عن حياته (الأسطورة) ورواياته لكي يتسنى لي التركيز على سماتها المحددة. من هذا المنطلق يبدو عالم مسرح جيينه المتخَيل، كأنه يقدم لنا بناءين رئيسين: سياسيا أولا. وثانيا جماليا، اللذين قد يصدمان أحيانا مع بعضهما البعض، وبخاصة عندما ينعكسان من زوايا مختلف الصور الجنسية، وكما توضح هذه الدراسة فان هذين البناءين المتناقضين كلاهما يمكن رؤيتهما في ضوء نماذج لفكر طوره مفكرون سياسيون أمثال سارتر وفوكو وفانون، ومنظرو مسرح أمثال: ارتوود وبرخت وبروك،و ساد القرن العشرين. ونقاشي هنا، يؤكد أيضا على نماذج من الصور السياسية والجمالية، في محاولة لان أوجز مميزات مسرحه وتطبيقاتها في ضوء استجابة القاري لها.
إن البناء السياسي لمسرحيات جينيه يعتمد على مجموعتين مختلفتين من التناقضات. فالأولى، تفترض شكل صراع القوى بين الحكام والمحكومين، كما أوضح لوسيان غولدمان. والثانية، تفترض طبيعة الصراع بين المحكومين أنفسهم. ويشتق هذا الصراع من انجذابهم للسلطة الحاكمة. والمضطهدون في جميع مسرحيات جينيه: محكومون، ثوار، عاهرات، زنوج، جزائريون مستعمرون، يتوقون سرا أو علانية للحصول على الكرامة الاخلاقية والمكانة الاجتماعية التي حرموا منها منذ ولادتهم.
والطبقة الحاكمة عند جينيه: هم أفراد الطبقة المتوسطة، وأرباب عمل وتجار ومقاولون وقضاة وعسكريون وضباط شرطة وقادة سياسيون وأعضاء مؤسسات دينية وثقافية الذين وصلوا إلى الحكم عن طريق وسائل التجسس وخسة في التربية rsquo; وممارسة الفضيحة. والمضطهدون محكومون بين الأغراء والإذعان لنظام سياسي اجتماعي فاسد، والحث على الثورة ضده. وهم بهذا مدفوعون بقوتين متباعدتين، فمن جانب تدفعهم الفوضوية إلى إتباع صيغ البطولات الفردية أو الشهادة التي ترتكز على زملائهم من المضطهدين؛ومن جانب آخر، أن الدافع الاجتماعي يحثهم على البحث عن الوحدة، والنظام واحترام الذات خلال عنف منظم نحو وهم السلطة: فمسرحية (حارس بوابة الموت) غالبا ما تعرض التفوق الكلي لسلطة النزعة الفوضويةٍ. إن حادثة الفراش الذي حاول فيها، لسيفرانك عبثا أن ينضم إلى قوى موريس ضد السجان و غرين ايز تؤلف الواقعة الوحيدة لعكس الرغبة في الحصول على الوحدة الاجتماعية. هنا تظهر فوضوية المضطهدين بوصفها جزأ متمما لنظام الحكم القمعي. وعلى العكس، نرى الدافع الاجتماعي يسود كليا في مسرحية (الزنوج) حيث يعاقب الخائن بقسوة؛وان عملية سيطرة الطقس (الشعيرة) التامة لا تسمح لأي نوع من الانحراف. أما مسرحيات جينيه الأخرى فتربط بطرائق متباينة لهذين التطلعين المتصارعين بين المحرومين. إن الرابط بين شخصية كلير وسولانج في مسرحية (الخادمات) والتحالف المهزوز بين روجر وشانتال والثوار في مسرحية (الشرفة) وتحالف المنتصرين الجزائريين في مسرحية (المساتر) يمثل سعي المضطهدين في الحصول على الوعي السياسي أو الحرية الاجتماعية.
وعلى الضد من ذلك، نرى انتصار كلير في مسرحية (الخادمات) وانبهار الشخصيات بأقطاب الحكم القائم من خلال العقل. وفي آخر مسرحيتين، فان إدانة الحكام فيهما واضحة بسبب ثقافتهم وفسادهم، بينما تبرز حركة تقدم التاريخ كأحد المطالب المشروعة للمحرومين، وبشكل خاص، في مسرحية (المساتر) حيث تكون تحذيرا قويا ضد إغراء الحل الاشتراكي. إن السمة البارزة لنظام جينيه ا لسياسي هي الإلغاء الواضح للمعايير الاجتماعية المزدوجة في العالم الغربي.وفي أعماله، نلحظ أن المجتمع قائم على الجشع، والخداع، والظلم، والعنف. وفي المقابل، يعظ ذلك المجتمع رسميا بنكران الذات والمساواة، والعدالة والمعاصرة. وتبرهن مسرحية (الشرفة) ان الحاكم الرأسمالي النموذجي يتحول إلى قاتل اجتماعي. فمديرالشرطة يفضل أن يركز انتباهه على شخصيات مرئية حنون، مثل الملكة والأسقف اللذين تتأكد رمزيتهما، وان النظام الشامل للخداع يجعل الناس يعتقدون خطا أنهم أحرار بينما هم في الواقع، مقيدين بواقع اجتماعي. وتظهر الفرصة الحقيقية بطريقة مضحكة. والناس أما أن يوافقوا على أن يتحولوا إلى عاهرات ذليلة في البناء الاجتماعي، أو أن يتظاهروا بالعمل على أنهم مساندون حقيقيون للنظام، بيد أن أولئك الذين يحاولون أن يثوروا ويتسلموا السلطة قد يواجهون اللامبالاة أو القمع اليائس.
وهكذا، فان ذلك التمرد يقودهم ببساطة إلى تعزيز النظام القائم. وعلى كل حال، أن سوء التقدير، أو التشاؤم في مسرحية (الشرفة) يكون متوازنا مع موضوع آخر مسرحيتين لجينيه في المسببات التي تؤدي إلى انهيار العالم. وان جميع أولئك الذين يجدون أنفسهم محكومين بان يعيشوا تحت ظروف لا إنسانية فأنهم محرومون من ممارسة حرياتهم أو جذورهم التاريخية، أو هوياتهم الثقافية. والحل يكمن في الوحدة السياسية المنجزة من خلال الثورة الفعلية (مسرحية الزنوج) والثورة المنظمة (المساتر) اللتين تعيدان إليهم كرامتهم ككائنات بشرية. ويمثل البناء السياسي لجينيه محاولة طموح لصهر الجانب ألتدميري للثورة المطلقة المدفوعة بالانتقام والعدمية مع الحاجة الايجابية للوحدة، والمتغيرات الاجتماعية الموحية عن طريق الأمل والعدالة.
وعلى مستوى المميزات فان قوة الفوضى غالبا ما تكون واضحة مثل فردية اللابطل، كما هو الحال مع شخصية غرين ايز وليفرانس أو سعيد، الذين تكون تحدياتهم السلبية جميعها قيما مقبولة. وهذا ينطبق على زملائهم من المضطهدين. وعلى العكس من ذلك، تعلن النزعة الاشتراكية، نفسها في مجاميع عقلانية أو سياسية التي تكون جذور تمردهم ضمن حركة التقدم التاريخي. وعلى مستوى الحبكة، فان النزعة التدميرية توضحها الأفعال الشخصية في الخيانة، والقتل، والانتحار والتشويه بينما يستفز الدافع الايجابي المحرومين لاستخدام المؤسسات الشرعية القائمة، أو لخلق بناهم السياسية والعسكرية الخاصة.
ويظهر عالم جينيه السياسي المتخَيل أكثر اهتماما بالعملية الذهنية للثورة وعلاقتها بالنماذج الأسطورية أكثر من المشكلة الطبيعية لخلق مؤسسات ثورية جديدة. وغموضه يتأتى عن طريق لعبته الثابتة مع الصور الرمزية الجنسية.إن مثالية حاجة الفوضوي الثوري تتزامن مع التأكيد العاطفي للأنوثة، والتي لها سمتان رمزيتان جوهريتان هما، العهر والأمومة. والقتل الرمزي للشخصيات النسائية التي يقوم بها الرجل اللابطل يكون دائما مخضبا بالعواطف المكثفة التي توحي بجريمة القتل والتماهي مع ضحيته، ومحاط بالخوف والجاذبية الجنسية. إن موضوعة قتل إلام السياسي المحَرم وبخاصة في مسرحتي (العذارى والزنوج) تتجاوب مع المرحلة السلبية للثورة، وتعبر عن الصعوبة التي يواجهها المضطهدون في التغلب على دوافعهم الفوضوية.لذلك تظهر الفوضى متجذرة بانجذاب عميق مع محرمات الاتصال الجنسي، ومع الأنثى، وعلى الضد من ذلك، فان سعي المضطهدين نحو الوحدة، والسلطة الشرعية يتمثل في أعمالهم بقتل الأم الرمزي ضد الحكام. بينما يفترض قتل الأم الجمعي أشكالا عاطفية، وقتل الأم الجمعي يمثل أيضا السخرية، أو تقنيات متفاوتة، وإظهار درجة المضطهدين الواطئة مع الشخصيات الأبوية.وهذه الظاهرة في مسرح جينيه تقترح علينا تمييزا معينا عن النموذج الاوديبي الكلاسيكي الذي يقتل الأبناء إباءهم عقليا ليستولوا على مكانهم الأسطوري ووهم السلطة.
وتتمحور أول مسرحيتين لجينيه على المحاولات الانتحارية للبطل الرئيس الذي تتحول أعماله الفوضوية ضد رموز الأنثى المحبوبة موريس عاهرة الزنزانة في (بوابة قلعة الموت) وكلير السيدة العاهرة والقديسة المتخَيلة (الخادمات) في هذه المسرحيات عامل جينيه الأنثى بوصفها قناعا أو تنكرا مخلوقا ملازما للنساء (بوابة قلعة الموت) أو من الحاجة للوعي لمخرج للقبول الجنسي (الخادمات).
وفي آخر ثلاث مسرحيات لجينيه يتجسد دمار الحكام في الشخصيات الأبوية، ويتحول إلى شرط جوهري للمتغيرات السياسية. ومع ذلك، فان ثورات المحكومين تبدأ دائما مع قاتل عدو المرأة (الملكة والشرفة) والمرأة البيضاء في (السود) وبنت السيرهارولد في (المساتر)، وتحث دائما آو تطلق روحيا من قبل العاهرات آو الأمهات شانتال في (الشرفات) وفيليستي في (الزنوج) وخديجة في (المساتر). كما لو أن التسلط العقلي للفوضى يبقى جاذبية مهمة للتمرد. وفي (الشرفة) يختار الثوار البغي نموذجا ويخفقون في إيذاء مدير الشرطة. وفي (المساتر) يتوافر القتل السياسي المحرم في أكثر من أي عمل مسرحي آخر، بيد أن المؤسسات الرسمية للثوار الجزائريين تتحداهم الأمهات سعيد المسرف بشكل واضح ومسرحية (الزنوج) هي المسرحية الوحيدة التي تكون نتيجة حالة الصراع الجنسي فيها حالة غير طبيعية في التوازن بين النظام والفوضى وحدة سياسية وعنصرية تنجز في نهاية الأمر وتوضح عن طريق حب القرية والفضيلة.
ومع هذا، فمحاولة دمج الحاجة إلى الاشتراكية من اجل العدالة بالدافع الانتقامي للدمار قد كثفته وعمقته المسرحية (اللعبة) الشائكة بالاستعارات الذكورية والأنثوية (الرجل والمرأة) الموروثة من حبكات كل المسرحيات... وبسبب دلالاتها الجنسية، فالمطلب من اجل التوازن السياسي يمكن أن ندرك من خلاله صعوبة البحث عن السلام بين الإنصاف الرجالية والنسائية المتصارعة في الذات الخنثى والرمزية الأسطورية لدراما جينيه تمنح مواضيعها السياسية عاطفة إلزامية لاستحضار الاساطير اليونانية القديمة، وخاصة أساطير اورستز الذي حاول قتل أمه، واوديب الذي حكم عليه القدر إن يقتل والده.
ليست الأساطير السياسية والجنسية هي المزيج الوحيد المألوف في مسرح جينيه، لكنها تسهم أيضا في نقل التجريب الجمالي. ويحاول النقاد غالبا أن يوضحوا عقدة مسرحيا ت جينيه، التي ازدادت صيغها جرأة بين الأعوام 1947 و1961، والحقيقة أن كلا من (بوابة قلعة الموت) و(الخادمات) تتسمان بالبساطة نسبيا بسبب محدودية شخصياتها الواحدة أو الوحدة المزاجية، في حين نرى في (الشرفة والزنوج والمساتر) أنها تشير إلى القلق المتنامي وتعدد المشاهد والى عدد من القطع الصغيرة المتفجرة.
والظاهرة الأكثر محافظة لدراما جينيه هي بلا ريب، الأهمية التي تمنحها تلك الدراما للعمل. وتحتوي معظم حبكاتها قصتين أو ثلاثا، متوازية مع التطورات البطولية الواضحة. وتمنح أيضا درجة محددة لمميزات رمزية، مثل مقدرة بعض الأبطال الرئيسيين الذين بالإمكان تشخيصهم كشخصيات ثابتة غير متغيرة مثل حارس السجن أو موريس في (بوابة قلعة الموت) والسيدة في (الخادمات) ورئيس الشرطة في (الشرفة) ونيوبورت نيوز في (الزنوج) والجنود الجزائريون وشخصيات أخرى في (المساتر).. على كل حال، هذه هي الظاهرة التقليدية لحبكات ومميزات جينيه التي تعرض مسرحياته إلى مختلف التأويلات الرمزية..ٍ
واغلب صفة في دراما جينيه هي استغلالها المكثف لثنائية الإشارة المسرحية التي يوضحها استخدامها المسرحي، إذ بالإمكان تحويل الشخصيات إلى ممثلين والقصص إلى احتفالات أو طقوس داخلية. والعمل المسرحي هو إدراك غير طبيعي عميق ينفي الفكرة التقليدية (الواقعية) بأحلامها مع تلك الحقيقة: الحقيقة تولد مواجهة مع عدة درجات من التخيل، ومن خلال العمل المسرحي نشاهد أن مثل هذه الفكرة الساكنة طبيعة إنسانية أو سيكولوجية تفسح الطريق لديناميكية الأدوار، بينما الأفعال الطبيعية أو الأمكنة الدقيقة تصبح علامات غامضة واستعارات محددة. فانتحار كلير في (العذارى) واخصاء روجر في (الشرفة) ومواضيع السجن أو القهر في اغلب المسرحيات هي أمثلة واضحة لهذه العملية.
وفي عالم جينيه تقدم المسرحية هدفين مزدوجين: فالهد ف الأول يشير إلى التناقضات الداخلية وتغريب الذات للأبطال الرئيسين الأوائل الذين يحافظون على تشريع دورة السيناريوهات ذاتها من القوة والانتقام لأنهم لم يمتلكوا فرصة في أن يكونوا أحرارا. والهدف الثاني يسمح للممثلين بترجمة اغلب رغباتهم السرية إلى أعمال لكسر ذهنيتهم الحبيسة، وهكذا يظهرون أنفسهم قدر الإمكان شخصيات أو مواضيع للتمثيل، ونتيجة لذلك، ومن خلال مزج الطقوس مع الحبكات السياسية، فان مسرحيتين لجينيه ترفضان نهايات الإعمال السياسية المفتوحة. والحقيقة إن المسرحية الممثلة أو المسرح يمكن أن يتوقف ليكون مجرد نحت لفراغ وكلمات كما وصف ارشيبالد طقوس مسرحية (الزنوج) وجمالية جينيه يمكن أن تعد تجربة تمثيل (تصوير) و (انعكاسية الذات). والنموذجان ضروريان لأي عمل أدبي ويظهر التمثيل اندهاشية تعبر عن حقيقة الواقعية السامية التي تشير إلى الأحلام اللاشعورية أو الرغبات المكبوتة. وهذه الحقيقة تتضمن حتمية جمعية أو (فانتازيا) سياسية تبرهن على نفسها من خلال مناظر القبح الجميلة التي يجب أن تحكم قناعة المشاهد الكلية والتزامه العاطفة.
وفي الوقت ذاته، يعكس جينيه نفسه أيضا بارتولد بريخت من خلال تركيزه على المشكلات الاجتماعية، استخدم المحلية في القصص السياسية وتأثيراتها المتباعدة لأدراك الذات التي ستشاهد بالإدراك السياسي مشاهديه وبشكل خاص في مسرحية (المساتر) التي تؤكد على أهمية التاريخ وهذا يوضح كيف أن الناقد الماركسي لوسيان غولدمان كان قادرا على فهم مسرحيات جينيه بوصفها دراما واقعية. وأكد المخرجان الألمانيان: ليون ايب وهانز ليتزو على النزعة الملحمية لجينيه عن طريق استخدامهما معرفتهما البريختية، فضلا عن تجربتهما في إنتاجهما لمسرحيتي (الشرفة) و (المساتر) وقد عرَف فيليب تودي جمالية جينيه بالتوتر المتناقض بين السوريالية الجديدة في الطقس الشعري الذي يهدف إلى مبدأ (الفن من اجل الفن)، وبين الإدراك الجاد للأشياء كما هي. ويحقق تودي ذلك عبر اصرار الجمالية على الخيال، وينجح في جينيه في منحنا رؤية داخلية للواقعية، تمثل وجهة نظرنا وتعطي صورة للإحداث اليومية. بينما يبدو هذا الربط لدى جينيه دقيقا، ومن الصعوبة بمكان، أن نتصور أن نخلق إنتاج مسرحياته المشبعة بالصور الشعرية الاوتوودية والتلقائية تقود إلى الرؤية للواقعيات السياسية. وهذا ما أكده أفضل مخرجي إعمال جينيه ndash; بلن وغارسيا وبروك وستلير، الذين حاولوا الانجاز، ولا ندري فيما إذا كانوا قد نجحوا فيه ام لا؟ والسؤال يبقى مفتوحا.
وبعد مسرحية (الخادمات) فان معضلة الجمالية التامة غالبا ما تظهر في إشكال ما وراء المسرح المفترض في مسرحياته. إن الرمزية الجنسية بين ماوراء المسرح meta theaterلجينيه تتنافس؛ بل تتداخل مع الصورة الجنسية لنموذجه السياسي والبحث عن نموذج جديد للمسرح ndash; تعليقه لسمو الاتوودية مع انفتاح اللاشعور على المسائل الجادة ndash; منعكسة في تضاد دراماتيكي بين الاتهام الأنثوي والنظام ألذكوري والأعراف. وترتبط العاهرات بشكل خاص الأمهات منهن بالعملية الإبداعية، ويمثل مصادر الغموض واللاشعور في جميع صيغ التجريب الفني ndash; بينما ينزع الرجال المنظمون والمساندون للاحتفالات الشعائرية الى تشخيص وظيفة السيطرة أو القمع التي تؤثر في عملية الخلق الفني الحر. هذا التوتر اللامسرحي يبدأ بالبروز في المسرحية (الخادمات) حيث صور ان جنون العظمة للذكر يفسح الطريق تدريجيا للاستعارة السرية المركزية للام الحامل. في هذه المرحلة يبقى النظام السياسي للسجن مسيطرا في عقلي بطلين رئيسين يحفز انثويتهما مزيجا من الرقة الامومية.
ويظهر التمرد الاجتماعي والمسرحي حركة طاغية دقيقة تشير الى العمل المتمثل. ويحاول صوت الإلهام الشعري للتعبير عن نفسه في أغنيات شانتيل التلقائية عن الحرية. ولا يتوقف حتى في موتها، بل يخفت لقوة سيناريوهات الدعارة عاكسة دور الذكر في الدولة الفاشية وهنا، نرى نتائج مستويات الصور الجمالية والسياسية في تحالف عضوي بين النماذج التقليدية للإبداع (أرما ودعارتها) والبناء في المجتمع القمعي (مدير الشرطة). وتمثل (الشرفة) بوصفها ماوراء المسرح وثائق نقدية مستمرة، لأنها تحاول إثبات الصورة الأصلية للانثى (الدعارة) خلال قنوات سادية (الشعائرية) صنعه خيال الرجل (الزبائن) ومسرحية (الزنوج) هي أول مسرحية فيها رمزية ماوراء المسرح للإبداع الفني الناوي لا تتضمن حبكتها رموزا جنسية. ان شعائر المسرحية تمثل في الغالب انصهارا كاملا بين الإلهام الشعري العاصف والسيطرة على الذات وكبحها , ويوضح عالم الطقوس مثالية (المسرح الكلي) تتمحور حول صورة الأم وتتحد في النهاية مع عالم الإحداث السياسية مسلطة الضوء على سلطة الأب في المشهد الأخير للمسرحية.
وتعرض مسرحية (المساتر) رؤية أكثر راديكالية للحرية الفنية والتجريب من مسرحية (الزنو
لدى تتبع مجرى أحداث هذا الكتاب قمت بفصل مسرحيات (جينيه) عن حياته (الأسطورة) ورواياته لكي يتسنى لي التركيز على سماتها المحددة. من هذا المنطلق يبدو عالم مسرح جيينه المتخَيل، كأنه يقدم لنا بناءين رئيسين: سياسيا أولا. وثانيا جماليا، اللذين قد يصدمان أحيانا مع بعضهما البعض، وبخاصة عندما ينعكسان من زوايا مختلف الصور الجنسية، وكما توضح هذه الدراسة فان هذين البناءين المتناقضين كلاهما يمكن رؤيتهما في ضوء نماذج لفكر طوره مفكرون سياسيون أمثال سارتر وفوكو وفانون، ومنظرو مسرح أمثال: ارتوود وبرخت وبروك،و ساد القرن العشرين. ونقاشي هنا، يؤكد أيضا على نماذج من الصور السياسية والجمالية، في محاولة لان أوجز مميزات مسرحه وتطبيقاتها في ضوء استجابة القاري لها.
إن البناء السياسي لمسرحيات جينيه يعتمد على مجموعتين مختلفتين من التناقضات. فالأولى، تفترض شكل صراع القوى بين الحكام والمحكومين، كما أوضح لوسيان غولدمان. والثانية، تفترض طبيعة الصراع بين المحكومين أنفسهم. ويشتق هذا الصراع من انجذابهم للسلطة الحاكمة. والمضطهدون في جميع مسرحيات جينيه: محكومون، ثوار، عاهرات، زنوج، جزائريون مستعمرون، يتوقون سرا أو علانية للحصول على الكرامة الاخلاقية والمكانة الاجتماعية التي حرموا منها منذ ولادتهم.
والطبقة الحاكمة عند جينيه: هم أفراد الطبقة المتوسطة، وأرباب عمل وتجار ومقاولون وقضاة وعسكريون وضباط شرطة وقادة سياسيون وأعضاء مؤسسات دينية وثقافية الذين وصلوا إلى الحكم عن طريق وسائل التجسس وخسة في التربية rsquo; وممارسة الفضيحة. والمضطهدون محكومون بين الأغراء والإذعان لنظام سياسي اجتماعي فاسد، والحث على الثورة ضده. وهم بهذا مدفوعون بقوتين متباعدتين، فمن جانب تدفعهم الفوضوية إلى إتباع صيغ البطولات الفردية أو الشهادة التي ترتكز على زملائهم من المضطهدين؛ومن جانب آخر، أن الدافع الاجتماعي يحثهم على البحث عن الوحدة، والنظام واحترام الذات خلال عنف منظم نحو وهم السلطة: فمسرحية (حارس بوابة الموت) غالبا ما تعرض التفوق الكلي لسلطة النزعة الفوضويةٍ. إن حادثة الفراش الذي حاول فيها، لسيفرانك عبثا أن ينضم إلى قوى موريس ضد السجان و غرين ايز تؤلف الواقعة الوحيدة لعكس الرغبة في الحصول على الوحدة الاجتماعية. هنا تظهر فوضوية المضطهدين بوصفها جزأ متمما لنظام الحكم القمعي. وعلى العكس، نرى الدافع الاجتماعي يسود كليا في مسرحية (الزنوج) حيث يعاقب الخائن بقسوة؛وان عملية سيطرة الطقس (الشعيرة) التامة لا تسمح لأي نوع من الانحراف. أما مسرحيات جينيه الأخرى فتربط بطرائق متباينة لهذين التطلعين المتصارعين بين المحرومين. إن الرابط بين شخصية كلير وسولانج في مسرحية (الخادمات) والتحالف المهزوز بين روجر وشانتال والثوار في مسرحية (الشرفة) وتحالف المنتصرين الجزائريين في مسرحية (المساتر) يمثل سعي المضطهدين في الحصول على الوعي السياسي أو الحرية الاجتماعية.
وعلى الضد من ذلك، نرى انتصار كلير في مسرحية (الخادمات) وانبهار الشخصيات بأقطاب الحكم القائم من خلال العقل. وفي آخر مسرحيتين، فان إدانة الحكام فيهما واضحة بسبب ثقافتهم وفسادهم، بينما تبرز حركة تقدم التاريخ كأحد المطالب المشروعة للمحرومين، وبشكل خاص، في مسرحية (المساتر) حيث تكون تحذيرا قويا ضد إغراء الحل الاشتراكي. إن السمة البارزة لنظام جينيه ا لسياسي هي الإلغاء الواضح للمعايير الاجتماعية المزدوجة في العالم الغربي.وفي أعماله، نلحظ أن المجتمع قائم على الجشع، والخداع، والظلم، والعنف. وفي المقابل، يعظ ذلك المجتمع رسميا بنكران الذات والمساواة، والعدالة والمعاصرة. وتبرهن مسرحية (الشرفة) ان الحاكم الرأسمالي النموذجي يتحول إلى قاتل اجتماعي. فمديرالشرطة يفضل أن يركز انتباهه على شخصيات مرئية حنون، مثل الملكة والأسقف اللذين تتأكد رمزيتهما، وان النظام الشامل للخداع يجعل الناس يعتقدون خطا أنهم أحرار بينما هم في الواقع، مقيدين بواقع اجتماعي. وتظهر الفرصة الحقيقية بطريقة مضحكة. والناس أما أن يوافقوا على أن يتحولوا إلى عاهرات ذليلة في البناء الاجتماعي، أو أن يتظاهروا بالعمل على أنهم مساندون حقيقيون للنظام، بيد أن أولئك الذين يحاولون أن يثوروا ويتسلموا السلطة قد يواجهون اللامبالاة أو القمع اليائس.
وهكذا، فان ذلك التمرد يقودهم ببساطة إلى تعزيز النظام القائم. وعلى كل حال، أن سوء التقدير، أو التشاؤم في مسرحية (الشرفة) يكون متوازنا مع موضوع آخر مسرحيتين لجينيه في المسببات التي تؤدي إلى انهيار العالم. وان جميع أولئك الذين يجدون أنفسهم محكومين بان يعيشوا تحت ظروف لا إنسانية فأنهم محرومون من ممارسة حرياتهم أو جذورهم التاريخية، أو هوياتهم الثقافية. والحل يكمن في الوحدة السياسية المنجزة من خلال الثورة الفعلية (مسرحية الزنوج) والثورة المنظمة (المساتر) اللتين تعيدان إليهم كرامتهم ككائنات بشرية. ويمثل البناء السياسي لجينيه محاولة طموح لصهر الجانب ألتدميري للثورة المطلقة المدفوعة بالانتقام والعدمية مع الحاجة الايجابية للوحدة، والمتغيرات الاجتماعية الموحية عن طريق الأمل والعدالة.
وعلى مستوى المميزات فان قوة الفوضى غالبا ما تكون واضحة مثل فردية اللابطل، كما هو الحال مع شخصية غرين ايز وليفرانس أو سعيد، الذين تكون تحدياتهم السلبية جميعها قيما مقبولة. وهذا ينطبق على زملائهم من المضطهدين. وعلى العكس من ذلك، تعلن النزعة الاشتراكية، نفسها في مجاميع عقلانية أو سياسية التي تكون جذور تمردهم ضمن حركة التقدم التاريخي. وعلى مستوى الحبكة، فان النزعة التدميرية توضحها الأفعال الشخصية في الخيانة، والقتل، والانتحار والتشويه بينما يستفز الدافع الايجابي المحرومين لاستخدام المؤسسات الشرعية القائمة، أو لخلق بناهم السياسية والعسكرية الخاصة.
ويظهر عالم جينيه السياسي المتخَيل أكثر اهتماما بالعملية الذهنية للثورة وعلاقتها بالنماذج الأسطورية أكثر من المشكلة الطبيعية لخلق مؤسسات ثورية جديدة. وغموضه يتأتى عن طريق لعبته الثابتة مع الصور الرمزية الجنسية.إن مثالية حاجة الفوضوي الثوري تتزامن مع التأكيد العاطفي للأنوثة، والتي لها سمتان رمزيتان جوهريتان هما، العهر والأمومة. والقتل الرمزي للشخصيات النسائية التي يقوم بها الرجل اللابطل يكون دائما مخضبا بالعواطف المكثفة التي توحي بجريمة القتل والتماهي مع ضحيته، ومحاط بالخوف والجاذبية الجنسية. إن موضوعة قتل إلام السياسي المحَرم وبخاصة في مسرحتي (العذارى والزنوج) تتجاوب مع المرحلة السلبية للثورة، وتعبر عن الصعوبة التي يواجهها المضطهدون في التغلب على دوافعهم الفوضوية.لذلك تظهر الفوضى متجذرة بانجذاب عميق مع محرمات الاتصال الجنسي، ومع الأنثى، وعلى الضد من ذلك، فان سعي المضطهدين نحو الوحدة، والسلطة الشرعية يتمثل في أعمالهم بقتل الأم الرمزي ضد الحكام. بينما يفترض قتل الأم الجمعي أشكالا عاطفية، وقتل الأم الجمعي يمثل أيضا السخرية، أو تقنيات متفاوتة، وإظهار درجة المضطهدين الواطئة مع الشخصيات الأبوية.وهذه الظاهرة في مسرح جينيه تقترح علينا تمييزا معينا عن النموذج الاوديبي الكلاسيكي الذي يقتل الأبناء إباءهم عقليا ليستولوا على مكانهم الأسطوري ووهم السلطة.
وتتمحور أول مسرحيتين لجينيه على المحاولات الانتحارية للبطل الرئيس الذي تتحول أعماله الفوضوية ضد رموز الأنثى المحبوبة موريس عاهرة الزنزانة في (بوابة قلعة الموت) وكلير السيدة العاهرة والقديسة المتخَيلة (الخادمات) في هذه المسرحيات عامل جينيه الأنثى بوصفها قناعا أو تنكرا مخلوقا ملازما للنساء (بوابة قلعة الموت) أو من الحاجة للوعي لمخرج للقبول الجنسي (الخادمات).
وفي آخر ثلاث مسرحيات لجينيه يتجسد دمار الحكام في الشخصيات الأبوية، ويتحول إلى شرط جوهري للمتغيرات السياسية. ومع ذلك، فان ثورات المحكومين تبدأ دائما مع قاتل عدو المرأة (الملكة والشرفة) والمرأة البيضاء في (السود) وبنت السيرهارولد في (المساتر)، وتحث دائما آو تطلق روحيا من قبل العاهرات آو الأمهات شانتال في (الشرفات) وفيليستي في (الزنوج) وخديجة في (المساتر). كما لو أن التسلط العقلي للفوضى يبقى جاذبية مهمة للتمرد. وفي (الشرفة) يختار الثوار البغي نموذجا ويخفقون في إيذاء مدير الشرطة. وفي (المساتر) يتوافر القتل السياسي المحرم في أكثر من أي عمل مسرحي آخر، بيد أن المؤسسات الرسمية للثوار الجزائريين تتحداهم الأمهات سعيد المسرف بشكل واضح ومسرحية (الزنوج) هي المسرحية الوحيدة التي تكون نتيجة حالة الصراع الجنسي فيها حالة غير طبيعية في التوازن بين النظام والفوضى وحدة سياسية وعنصرية تنجز في نهاية الأمر وتوضح عن طريق حب القرية والفضيلة.
ومع هذا، فمحاولة دمج الحاجة إلى الاشتراكية من اجل العدالة بالدافع الانتقامي للدمار قد كثفته وعمقته المسرحية (اللعبة) الشائكة بالاستعارات الذكورية والأنثوية (الرجل والمرأة) الموروثة من حبكات كل المسرحيات... وبسبب دلالاتها الجنسية، فالمطلب من اجل التوازن السياسي يمكن أن ندرك من خلاله صعوبة البحث عن السلام بين الإنصاف الرجالية والنسائية المتصارعة في الذات الخنثى والرمزية الأسطورية لدراما جينيه تمنح مواضيعها السياسية عاطفة إلزامية لاستحضار الاساطير اليونانية القديمة، وخاصة أساطير اورستز الذي حاول قتل أمه، واوديب الذي حكم عليه القدر إن يقتل والده.
ليست الأساطير السياسية والجنسية هي المزيج الوحيد المألوف في مسرح جينيه، لكنها تسهم أيضا في نقل التجريب الجمالي. ويحاول النقاد غالبا أن يوضحوا عقدة مسرحيا ت جينيه، التي ازدادت صيغها جرأة بين الأعوام 1947 و1961، والحقيقة أن كلا من (بوابة قلعة الموت) و(الخادمات) تتسمان بالبساطة نسبيا بسبب محدودية شخصياتها الواحدة أو الوحدة المزاجية، في حين نرى في (الشرفة والزنوج والمساتر) أنها تشير إلى القلق المتنامي وتعدد المشاهد والى عدد من القطع الصغيرة المتفجرة.
والظاهرة الأكثر محافظة لدراما جينيه هي بلا ريب، الأهمية التي تمنحها تلك الدراما للعمل. وتحتوي معظم حبكاتها قصتين أو ثلاثا، متوازية مع التطورات البطولية الواضحة. وتمنح أيضا درجة محددة لمميزات رمزية، مثل مقدرة بعض الأبطال الرئيسيين الذين بالإمكان تشخيصهم كشخصيات ثابتة غير متغيرة مثل حارس السجن أو موريس في (بوابة قلعة الموت) والسيدة في (الخادمات) ورئيس الشرطة في (الشرفة) ونيوبورت نيوز في (الزنوج) والجنود الجزائريون وشخصيات أخرى في (المساتر).. على كل حال، هذه هي الظاهرة التقليدية لحبكات ومميزات جينيه التي تعرض مسرحياته إلى مختلف التأويلات الرمزية..ٍ
واغلب صفة في دراما جينيه هي استغلالها المكثف لثنائية الإشارة المسرحية التي يوضحها استخدامها المسرحي، إذ بالإمكان تحويل الشخصيات إلى ممثلين والقصص إلى احتفالات أو طقوس داخلية. والعمل المسرحي هو إدراك غير طبيعي عميق ينفي الفكرة التقليدية (الواقعية) بأحلامها مع تلك الحقيقة: الحقيقة تولد مواجهة مع عدة درجات من التخيل، ومن خلال العمل المسرحي نشاهد أن مثل هذه الفكرة الساكنة طبيعة إنسانية أو سيكولوجية تفسح الطريق لديناميكية الأدوار، بينما الأفعال الطبيعية أو الأمكنة الدقيقة تصبح علامات غامضة واستعارات محددة. فانتحار كلير في (العذارى) واخصاء روجر في (الشرفة) ومواضيع السجن أو القهر في اغلب المسرحيات هي أمثلة واضحة لهذه العملية.
وفي عالم جينيه تقدم المسرحية هدفين مزدوجين: فالهد ف الأول يشير إلى التناقضات الداخلية وتغريب الذات للأبطال الرئيسين الأوائل الذين يحافظون على تشريع دورة السيناريوهات ذاتها من القوة والانتقام لأنهم لم يمتلكوا فرصة في أن يكونوا أحرارا. والهدف الثاني يسمح للممثلين بترجمة اغلب رغباتهم السرية إلى أعمال لكسر ذهنيتهم الحبيسة، وهكذا يظهرون أنفسهم قدر الإمكان شخصيات أو مواضيع للتمثيل، ونتيجة لذلك، ومن خلال مزج الطقوس مع الحبكات السياسية، فان مسرحيتين لجينيه ترفضان نهايات الإعمال السياسية المفتوحة. والحقيقة إن المسرحية الممثلة أو المسرح يمكن أن يتوقف ليكون مجرد نحت لفراغ وكلمات كما وصف ارشيبالد طقوس مسرحية (الزنوج) وجمالية جينيه يمكن أن تعد تجربة تمثيل (تصوير) و (انعكاسية الذات). والنموذجان ضروريان لأي عمل أدبي ويظهر التمثيل اندهاشية تعبر عن حقيقة الواقعية السامية التي تشير إلى الأحلام اللاشعورية أو الرغبات المكبوتة. وهذه الحقيقة تتضمن حتمية جمعية أو (فانتازيا) سياسية تبرهن على نفسها من خلال مناظر القبح الجميلة التي يجب أن تحكم قناعة المشاهد الكلية والتزامه العاطفة.
وفي الوقت ذاته، يعكس جينيه نفسه أيضا بارتولد بريخت من خلال تركيزه على المشكلات الاجتماعية، استخدم المحلية في القصص السياسية وتأثيراتها المتباعدة لأدراك الذات التي ستشاهد بالإدراك السياسي مشاهديه وبشكل خاص في مسرحية (المساتر) التي تؤكد على أهمية التاريخ وهذا يوضح كيف أن الناقد الماركسي لوسيان غولدمان كان قادرا على فهم مسرحيات جينيه بوصفها دراما واقعية. وأكد المخرجان الألمانيان: ليون ايب وهانز ليتزو على النزعة الملحمية لجينيه عن طريق استخدامهما معرفتهما البريختية، فضلا عن تجربتهما في إنتاجهما لمسرحيتي (الشرفة) و (المساتر) وقد عرَف فيليب تودي جمالية جينيه بالتوتر المتناقض بين السوريالية الجديدة في الطقس الشعري الذي يهدف إلى مبدأ (الفن من اجل الفن)، وبين الإدراك الجاد للأشياء كما هي. ويحقق تودي ذلك عبر اصرار الجمالية على الخيال، وينجح في جينيه في منحنا رؤية داخلية للواقعية، تمثل وجهة نظرنا وتعطي صورة للإحداث اليومية. بينما يبدو هذا الربط لدى جينيه دقيقا، ومن الصعوبة بمكان، أن نتصور أن نخلق إنتاج مسرحياته المشبعة بالصور الشعرية الاوتوودية والتلقائية تقود إلى الرؤية للواقعيات السياسية. وهذا ما أكده أفضل مخرجي إعمال جينيه ndash; بلن وغارسيا وبروك وستلير، الذين حاولوا الانجاز، ولا ندري فيما إذا كانوا قد نجحوا فيه ام لا؟ والسؤال يبقى مفتوحا.
وبعد مسرحية (الخادمات) فان معضلة الجمالية التامة غالبا ما تظهر في إشكال ما وراء المسرح المفترض في مسرحياته. إن الرمزية الجنسية بين ماوراء المسرح meta theaterلجينيه تتنافس؛ بل تتداخل مع الصورة الجنسية لنموذجه السياسي والبحث عن نموذج جديد للمسرح ndash; تعليقه لسمو الاتوودية مع انفتاح اللاشعور على المسائل الجادة ndash; منعكسة في تضاد دراماتيكي بين الاتهام الأنثوي والنظام ألذكوري والأعراف. وترتبط العاهرات بشكل خاص الأمهات منهن بالعملية الإبداعية، ويمثل مصادر الغموض واللاشعور في جميع صيغ التجريب الفني ndash; بينما ينزع الرجال المنظمون والمساندون للاحتفالات الشعائرية الى تشخيص وظيفة السيطرة أو القمع التي تؤثر في عملية الخلق الفني الحر. هذا التوتر اللامسرحي يبدأ بالبروز في المسرحية (الخادمات) حيث صور ان جنون العظمة للذكر يفسح الطريق تدريجيا للاستعارة السرية المركزية للام الحامل. في هذه المرحلة يبقى النظام السياسي للسجن مسيطرا في عقلي بطلين رئيسين يحفز انثويتهما مزيجا من الرقة الامومية.
ويظهر التمرد الاجتماعي والمسرحي حركة طاغية دقيقة تشير الى العمل المتمثل. ويحاول صوت الإلهام الشعري للتعبير عن نفسه في أغنيات شانتيل التلقائية عن الحرية. ولا يتوقف حتى في موتها، بل يخفت لقوة سيناريوهات الدعارة عاكسة دور الذكر في الدولة الفاشية وهنا، نرى نتائج مستويات الصور الجمالية والسياسية في تحالف عضوي بين النماذج التقليدية للإبداع (أرما ودعارتها) والبناء في المجتمع القمعي (مدير الشرطة). وتمثل (الشرفة) بوصفها ماوراء المسرح وثائق نقدية مستمرة، لأنها تحاول إثبات الصورة الأصلية للانثى (الدعارة) خلال قنوات سادية (الشعائرية) صنعه خيال الرجل (الزبائن) ومسرحية (الزنوج) هي أول مسرحية فيها رمزية ماوراء المسرح للإبداع الفني الناوي لا تتضمن حبكتها رموزا جنسية. ان شعائر المسرحية تمثل في الغالب انصهارا كاملا بين الإلهام الشعري العاصف والسيطرة على الذات وكبحها , ويوضح عالم الطقوس مثالية (المسرح الكلي) تتمحور حول صورة الأم وتتحد في النهاية مع عالم الإحداث السياسية مسلطة الضوء على سلطة الأب في المشهد الأخير للمسرحية.
وتعرض مسرحية (المساتر) رؤية أكثر راديكالية للحرية الفنية والتجريب من مسرحية (الزنو
التعليقات