هكذا منذ الأزل، جثة هامدة صامته، في دخيلة نفسه ثورة هائجة مائجه.
يرى كل شي بعينين مفقوءتين، يتحدث بلسان معقود، يحس بقلب من الرماد.
يجهش في البكاء، حينما يتذكر نفسه نطفة قذفها خالق صفحات تاريخه المظلم.
استقر متشبثا بثنايا الرحم خائفا كئيبا.كان إدراكا مطلقا،يعلم كل شي بين الموت والحياة، يحس بكل الخفايا.
إذن كان الكون...! كيف..؟ أليس هو نطفة ماء..! كيف له ان يكون الكون.... هو... هو.. هكذا.
كان يختبئ في القعر صاعقا من الزائر اللعين، يغسل وجهه بسم الزعاف دون استئذان ليل نهار.
مرة خطر بباله ان يمزق الرحم أربا أربا، فاعتدل من قراره هذا.. قوة خارقه منعته كيف لا يدري..!
قرر المكوث في قاع القاع ، وسط ظلمة حالكة، مكسور النفس، شارد البال، حاسبا ضربات قلبه،
آكلا اضافره الطرية، متخيلا أفعى برأس مدبب ذات لسان حاد يتقيا ليل نهار.
كان هكذا في (العماء). أخيرا أسكره الموت ساعة الولادة.
ها أنذا.. جثة هامدة، يدهس بالاقدام، تزوره جيوش الليل بأفولها، يتخيل ضله، لا ضل له لا خلان
لكثرة ما رقد هناك عجن بالأرض، أصبح وكرا للديدان والحشرات، مائدة شهيه لخفافيش الليل، تلسعه كلاب مسعورة، ينهشون أحشائه.
يحس بكل ما يحدث، لا يهمه، مهما كان يعلم بأنه جثة هامدة صامته.
انه الوحيد يتحدث دون لسان، يسمع دون أذان، يفهم انهارا من الدماء والدموع حينما يبدءون العزف دون أوتار.
أقدام وحشية خشنه مربوطة بسلاسل، والروس تتناطح ك الصنوج. الصوت الصاخب المجلجل، تنذر بالماسي والكوارث.لا احد يحس ويرى هذا الزمهرير ألا هو بعينين مفقئتين تندلق منهما الدماء والدموع.
ينكمش خاشعا أمام ما يحدث وما سيحدث.
يعلم الماضي، الحاضر، والمستقبل، عنده سواء ينصهرون في بوتقة واحده.
هو الوحيد رأى آدم يسحل رأسه وراءه مكبلا بسلاسل حديديه، يبحث عن حواء، حاملا سيفا من النار يسحق العوالم.
خطر له القيام ذات مره بعد تفكير عميق، نهض من مثواه، وقف كالطود الشامخ انفطرت الأرض تحته مثقل بأوكار من الديدان والحشرات لذا احدودب ظهره وآ زر أن يخطو متثاقلة نحو المجهول،فإذا بمدينة الموتى. صرخ صرخة عمياء، اهتزت المدينة من مكامنها، دون أن يبالى احد أو يسمعه احد. اقترب من شجرة عملاقه ساحلا قدميه، تتساقط من امتنانه وظهره المحدودب حشرات وديدان لاتعد ولا تحصى. جلس تحت الشجرة قبل أن يقترب من المدينة متأملا جذورها التي تمتد نحو أعمق الأعماق، من يدرى لربما كان مدفونا تحتها، أو جذورها مرة بجسده أو بفمه.. هذه الشجرة دون أوراق، رمادية اللون ذات رائحة كريهة، لربما مربها آدم. رفع رأسه بتثاقل، نضر إلى الاعالى.. السماء مالت إلى اسوداد والغيوم آ خذه ا أشكالا هلامية تنذر باختضاض شنيع.. تذكر نفسه حينما كان نطفة ماء، امسك بجذوع الشجرة العارية، قام متثاقلا. أحس بدمامة وجهه وقبحه. وصل وسط المدينة المتهدمة الإرجاء والأركان، الشوارع والطرقات خاليه إلا من الصقور، وخفافيش، وكلاب مسعورة.
طرق بابا قديما بقوة هائلة، خلعه من مكامنه،بعد برهة ضهر رجل قزم يأكل أحشائه، بوجهين يقفز كالقرد، تركه لشانه، طرق بابا آخر.. فإذا بامرأة عارية ذات جسد ضخم، بأربعة أثداء متدلية، والدخان تتصاعد من رأسها، وما أن رأت الطارق غرقت في قهقهات طويلة ثم غابت.
تقدم بخطوات ثقيلة إلى باب كبير هائل مستعيدا في مخيلته ماراه قبل برهة.. كان الباب موصدا بسلاسل حديدية ضخمه فاثر أن يخلعه من مكامنها، أحس بقوته الجبارة.. فإذا بباحة كبيره.. وقف مكتوف اليدين صاعقا مما رآه.. انهمرت الدماء والدموع من عينيه، بكى بكاء مرا...
أجساد متراكمة ملتوية فيما بينها وفوق بعضها تتناسل كالوحوش والعرق يتصبب وكأنهم يطوفون وسط بحيرة أسنه من الدماء والسيلان المخاطية واللهاث المسموعة من كل حد وصوب...
أحس بنهاية الكون..!
استدار ظهره، وانحدر خارج المدينة رافعا كلتا يديه إلى المجهول.. صرخ صرخته الأخيرة
حيث تلاحم مع ضله لأول مره في حياته ومماته..
ماتا معا هو وضله إلى الأبد..!