بالشعر والموسيقى والالوان
مدارات بابل تزهو بأنفاسها في بغداد

عبد الجبار العتابي من بغداد:
من بابل الى بغداد، كانت هناك خيوط من شعر وموسيقى وألوان، تتسلسل كالحرير عالية، وتتألق تحت ضوء الشمس الساخنة، عابرة المسافات وان كانت قريبة، لكن الجهد واضح على السيماء، جهد المحبة والاشواق، لتنشر نفسها على عشاق الشعر والرسم، جاءت حشود الادباء والشعراء والرسامين والمغنين الى بغداد ضمن فعاليات مهرجان (مدارات بابل) الثقافي والفني، لتتعانق مع الوان البهجة البغدادية وتتفاعل مع صور الابداع، وكانت احتفالية جميلة، فيها الوجوه تترنم بالشوق والزهو والغناء الذي استرسل هادئا على امواج غرام كبير.
هذا هو وجه المهرجان الحلي الذي اقيم تحت شعار من نافذة الملتقى العراقي (بابل مهد للحضارة و الثقافة) ونظمته منظمة الملتقى العراقي وهيئة الاحياء والتحديث الحضاري التابعة لمجلس محافظة بابل، لتشهد ان بغداد هي روح الملتقى وقبلة الابداع، ولتشرع الحلة في تعبيد الجسور بالورد والشعر والغناء وتتباهى بزهوها امام بغداد الغائب عنها ليلها الذي تهواه الحلة جدا.
تضمنت فعاليات اليوم الاول من المهرجان التي اقيمت في نادي العلوية، كلمات افتتاحية لرئيس الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق فاضل ثامر، وكلمة لمسؤول الثقافة والاعلام في هيئة الإحياء والتحديث الحضاري بمحافظة القاص والروائي بابل ناجح المعموري، وكلمة منظمة الملتقى العراقي التي جاء فيها: (الملتقى العراقي يضيف هيئة الاحياء والتحديث الحضاري ضمن مشروعه الوطني لدعم الثقافة والفنون في مختلف المحافظات والتي عانت كثيرا من تهميش المركز على الرغم من الاهمية الثقافية والادبية التي ميزت الممحافظات وانفردت بها، لا احد ينكر الدور التاريخي الذي نهضت به بابل في تاريخ الحضارة الانسانية وتأثيرها الواضح على الحضارات الشرقية الاخرى وقد انفتحت بابل القديمة عليها متحاورة معها انطلاقا من وعي الحضارات)، وجاء في الكلمة ايضا: (ايها الاصدقاء ربما يتبادر الى الذهن سؤال حول ضورة ان تكون بابل اولى المحافظات في الاستضافة، ان قيادة الملتقى العراقي ممثلة بالدكتور برهم صالح نائب رئيس الوزراء اقترحت ذلك لاكثر من سبب واهمها وجود امكانات ثقافية وفنية معروفة فيها، كما انها تجربة جديدة ورائدة في عمل مجالس المحافظات، واستضافة الهيئة الاستشارية ينطوي على اعتراف بهذه التجربة وضرورة دعمها الان ومستقبلا).
كما تضمنت الفعاليات ايضا، قراءة قصيدة للشاعر موفق محمد، جاء في مطلعها:
(تضيق المراثي
وبسود وجه البلاد
كان الفتى الوطني
يبتكر المحبة للصعود الى العراق
فالاواصر محروقة
والدخان يلطخ الدنيا
ويهصف بالمآذن والقباب)
ومن ثم عرضت مسرحية (كرستال) من اخراج احمد محمد عبد الامير، ومسرحية (الحافلة) اخراج مهند بربن، مع عرض لفيلم (قابيل) وهو من الأفلام التسجيلية القصيرة، سيناريو واخراج القاص فاضل القيسي، مع أغان للطفل الموهوب يوسف.
كما تم تقديم ثلاثة أناشيد لأطفال بغداد اضافة الى افتتاح معرض فني (تشكيلي ونحتي) للفنان طالب مكي الذي جرى تكريمه في هذه المناسبة لتاريخه الكبير ونشاطه الفني المميز.
وفي اليوم الثاني كانت قاعة اتحاد الادباء والكتاب في العراق تحضن العشرات من الشعراء والاعلاميين، كانت القاعة ساخنة جدا لكن الجميع كان يحتفي بالشعر والشعراء البابليين، ولأن العدد اكبر مما تتسع له القاعة، لذلك كان العديد من الادباء يقف خارج المكان، في البدء حيا الشاعر جاسم بديوي شعراء بابل بتحية المحبة والشعر والجمال مؤكدا على اهمية هذه الالتفاتة وان كان شعراء بابل قريبين من القلب دائما، ثم ترك المنصة للاديب الحلي خليل المشايخي لتقديم قراءات الشعراء، فجاءت القراءات كما يأتي، قرأ اولا جبار الكواز:
يخشاه البرق
تتجنبه الامطار
من يعرف محنته ويقص..
فحيح الاسرار؟
اسمع منتحته،
اجرة تبكي ورقيما يغني
فمتى يقوم الميتون؟
ثم قرأ الشاعر مالك المسلماوي:
قلبان وستة اقدام
تنزلق على احجار صقلتها بساطيل
البغال وحوافر المشاة
احجار وادعة
ندوسها فلا تتململ زنتبرز عليها
ثم قرأ الشاعر محمد البيرماني:
(كل محليتي هذه،
وانا اناغم
جغرافيا العالم
ذي سويداء قلبي انبت (السويد)
سادتي
محبتي بعيدة الجذور
محبتي تمتد من قطب (النا ثلج) الى قطب
المطر..)

بعده جاء دور الشاهر مازن المعموري فقرأ:
(لم تكن الدموع التي تناثرت فوق اشلائي
سوى انغام شجر الخريف
واوراق السماء التي تقاطرت
فوق قطع الزجاج،
ورفرفة محنتي المالية
هل يمكن ان يكون الماء
اكثر سكونا من الغريب؟
واكثر امتدادا من الشمس؟
وقرأ الشاعر ولاء الصواف قصيدته التي جاء فيها:
ودخلنا مع يوسف
في الجب
فأتقطه السيارة
وبقينا...
..............
جاؤوا بقميص لنا
فيه طعم للخديعة
واختتم علي ابو بكر القراءات بقصيدة جاء فيها:
(ترك في صورته..
صوته المستعار
وبقايا نصوص
تجوس المكان
ولج البعاد به والتداني
وكان الحنين بنا يستفيق)
في ختام الجلسة الشعرية، وقد ازدادت الظهيرة حرارة، والقاعة تفوهت لهبها، كان الشعر هو الوحيد يرطب الاجواء!!، وهناك توقفنا عند الشاعر مازن المعموري عضو اتحاد ادباء بابل الذي حدثنا عن المهرجان قائلا: تأتي مدالاات بابل الثقافية تتويجا للفعل الثقافي الجديد الذي تقيمه منظمة الملتقى الثقافي والمنظمات التابعة لمنظمات المجتمع المدني، وهو حفل يلقي الضوء على الحراك الثقافي في محافظات العراق، وكانت البداية مع بابل لاهمية هذه المدينة تاريحيا وثقافيا حيث انجبت الكثير من الاسماء والاعلام التي بقيت شاخصة في صفحات المجد والرموز العراقية بدء بطه باقر وحتى ناجح المعموري وموفق محمد، وهكذا اصبحت هذه المدارات عرسا يغطي كل نشاطات الثقافة والفنون في المحافظة من تشكيل وسينما ومسرح، والعروض كانت بغاية الجمال والتألق في العاصمة الحبيبة بغداد مؤمنين بأن الغد سيكون اكثر جمالا من خىل الثقافة والفنون.