مثقفون وأدباء يستذكرون القراءة الاولى

عدنان أبو زيدمن امستردام
: تحفيز الذاكرة، والعودة الى الينبوع الاول، ذلك ما فعلته ايلاف عبر سؤال طرحته على عدد من المثقفين والادباء والقراء، سؤال استفز الماضي ، وقلب اوراقه، وايقظ صيحة الطفولة من جديد، كان السؤال عن القراءة الاولى .. من يتذكر، من يستعيد الوعي الاول في هذه اللحظات؟ .. البعض شكر إيلاف لانها اعادته الى ماض بعيد ، يحلم به دائما، مثقف اعاد ترتيب اوراق الحاضر باتجاه استعادة الماضي، اخر ما زال مرتبكا امام لحظة الخلق الفكري ، اللحظة الفاصلة بين شخصين في انسان، بين الوعي واللاوعي، يكون او لا يكون .. هل لا زلت تحتفظ بالانطباع الذي احدثته فيك قراءتك الاولى .. كيف كانت، وهل نتج من ذلك الانطباع انتاج ادبي معين؟ .. وما تأثير قراءاتك الاولى على تكوين شخصيتك الثقافية .. سؤال طرحته إيلاف على مثقفين وادباء وقراء ، فكانت هذه الحصيلة ..

سيّار الجميل ( كاتب وأكاديمي عراقي ):
آداب المجالسة ومتعة الصمت

لم ازل احتفظ بانطباعاتي كاملة عن قراءتي الاولى الا بعض الجزئيات التي نسيتها ، وكنت اغيب في القراءة ساعات طوال .. القراءات الاولى انتجت مخطوطة بقلمي ، كتبتها بخط جميل وهي مشروع كتاب خواطر وافكار اسميته ( الطلل الدارس في رسم المدارس ) ولا ادري ما الذي حل به ، وفيه مجموعة من الكتابات التي كنت اردد قراءتها دوما .. فيه اشعار ورسوم على غرار كتب جبران وسلامه موسى وبرانق التي عشقت قراءتها وانا في طور المراهقة .. كتبت له مقدمة مختزلة . كنت اعتز بكوني اصغر مؤلف في العالم . اما تأثير قراءتي الاولى على شخصيتي ، فهي بلا حدود ، فلقد تعلمت الكثير عن قضايا المجتمع .. وقد غرست عندي متعة القراءة منذ اكثر من خمسين سنة : آداب المجالسة ومتعة الصمت وحالات السكون .. وتعلمت ايضا كيف امّيز الكتّاب من خلال معرفة مضامينه!

عبد الخالق كيطان ( شاعر عراقي ):
انتصار الرومنسية

وجدت أمامي نوعين من الكتب أول اهتمامي بالقراءة، وهما القصص البوليسية، وتلك كانت مجموعة أخي عبد الرحمن الذي كان يدرس الحقوق آنذاك.. وكتب القصص المسرحية، وكانت تلك مجموعة أخي غازي الذي كان يدرس المسرح في جامعة بغداد.. ولقد انتصرت المجموعة الثانية بأجوائها الرومنسية والدرامية والشعرية على حساب الأولى الجرائمية والدموية والسرية... انتصرت مجموعة المسرح عندما وجدتني عاماً بعد عام أذهب بقوة لهذا العالم الغرائبي المدهش، عالم القول وتفرعاته المختلفة.. حتى وجدتني تلميذاً في قسم الفنون المسرحية في بغداد، وبعدها مشتغلاً في حقل المسرح، وتصدر لي ثلاث مجموعات شعرية لا تخلو من أفق درامي بشهادة قرائها.. لا يمكنني الآن، وأنا أنظر إلى أبعد من ربع قرن، غير الإقرار بأن تلك القراءات الأولى كان لها الأثر العميق في تشكلي وتوجيهي الوجهة التي أنا عليها الآن.. قصص آرسين لوبين وأغاثا كريستي بالإضافة إلى مسرحيات شيكسبير وشعريات إليوت والسياب جنباً إلى جنب مع المعلقات السبع وكتب المنفلوطي وجبران كانت تدفعني إلى تخوم المغامرة الجمالية.. وهي مغامرة لذيذة لم أحد عنها ولكني بدأت أبتعد إلى حد ما عن قراءة نصوص المسرح لصالح نصوص الرواية، وابتعدت كثيراً عن قراءة نصوص التراث لصالح نصوص السياسة المعاصرة.. هكذا تتلون القراءات وتتنوع عاماً بعد عام وتجربة إثر تجربة..


حسين ابو سعود ( شاعر عراقي ) :
رحم الله أبي

ليس سهلا أن يعود الإنسان بذاكرته المتعبة 40 سنة إلى الوراء وان عاد فلن يجد الأمور على ما كانت عليه فالصور باتت ممزقة والذكريات متناثرة ، غير اني أتذكر جيدا ان والدي الذي لا يعرف القراءة والكتابة كان تواقا للمعرفة من خلال تسجيل أولاده في المدارس وتهيئة الأجواء المناسبة لهم للحصول على العلم ، وكان رحمه الله يأتي ببعض الكتب المخصصة للأطفال كلما عاد إلى كركوك قادما من بغداد، فكنت احتفظ بها دون أن اقرأها ، وبدأت القراءة الفعلية عندما دخلت المتوسطة ، حيث كنت استعير كتب العبقريات للعقاد وروايات تاريخ الإسلام لجرجي زيدان والعبرات والنظرات للمنفلوطي من مكتبة المدرسة وآخذها إلى البيت وما زلت اذكر كيف كنت اسهر على ضوء الفانوس النفطي لأكمل فصول عروس فرغانة أو العباسة أخت الرشيد، وأستطيع أن أقول ان من أوائل الكتب التي قرأتها كتاب (ابن السكيت الكوفي) وهو نحوي عاش في زمن المتوكل العباسي ومؤلفه هو الشهيد كمال جمعة بهرام الذي كان يدرس مادة التاريخ في المتوسطة الغربية واليه يرجع الفضل كاملا في شغفي بالتاريخ .وأما شخصيتي الثقافية فهي وان كانت قد تأثرت بالقراءات الأولى في حينها إلا أنها ظلت تتقلب في شكلها وتكوينها كلما زادت ثقافتي وتنوعت مصادر معرفتي .

رنا جعفر ياسين ( شاعرة عراقية ) :


الوهج الاول عشق مباغت

كتابان على النقيض من بعض ، بين الاجنحة المتكسرة لجبران خليل جبران و مئة رسالة حب لنزار قباني كانت سنواتي التسع من الصغر ترزح بين صعوبة ما اقرأ و الغرابة بين الاسلوبين ، بين قتامة تبدو غير مدركة في وقتها فقط مخلفة انطباعا غير مريح لطفلة تبحث بفرح عن الالوان و تخجل من الاحمر المشع في سطور نزار قباني عندما تقرر الانفلات من الحزن الى تقصي العشق بفضولية طفولية ، لم افكر بالكتابة وقتها اطلاقا رغم اصراري على التمسك بهواية المطالعة ،فبعد الكتابين قرأت الكثير ، و لكن حتى اللحظة احتفظ بوهج تلك الصدمة و اشم رائحة الحزن بين الفينة و الفينة مثلما اقرأ الغزل المنسوج خلف اوهامي الكثيرة ، ربما لان الوهج الاول يشبه الحلم بعشق مباغت .

طلال بركات ( كاتب عراقي ) :
القراءة والسياسة

لا زلت احتفظ بالانطباع الذي احدثته قراءتي السابقة التي كان لها تأثيرفي تكوين شخصيتي الادبية والفكرية والسياسية لانها كانت ممزوجة مع احداث عصرنا . وكنا متأثرين في الاحداث السياسية حيث كانت المرحلة انذاك حبلى بالتناقضات . كان في العراق مد شعوبي شيوعي كبير يقابله المد القومي العربي البعثي والناصري ، فكان الانتاج الادبي العام ممزوجا باحداث المرحلة التي يغلب عليها الطابع السياسي الذي من خلاله تبلور اللون المميز لتكويننا الثقافي ومن ثم شخصيتنا وسلوكنا العام الذي لا يخلو من فوران ينسجم مع حجم الصراع الفكري والسياسي انذاك، فكانت طبيعة المرحلة لها تأثيرفي اختيار نوعية المطالعة .


بولس ادم ( كاتب وشاعر عراقي ):
شياطين الأفكار

لم يكن في بيتنا عند بدء شم الكتب وتناول اقراصها الغريبة من علب كلماتها الورقية مكتبة بمعنى رفوف مصنفة مقدسة ، الغبار السري لملائكة وشياطين الأفكار والخيال كان في صناديق تحت الأسرة ودرج في غرفة المؤونة حشرت فيه نسخ من كتب قليلة ولكن حقيقية ، ربما كانت افضل وهي كذلك في مكانها ذاك ! لأنها كانت طريقة عفوية وشعبية حميمة لتقديم سطوة الحضور للسيد الكتاب . القرد والغيلم في ( كليلة ودمنة ) هي قصة تلخص ثنائية الظاهر والباطن . قرأت ايامها ايضا كتابا بجزئين عن ديلاكروا ومقولته ( لاياتي الإنسان متأخرا ابدا ) كانت نقطة ضوء حفزتني لتجاوز ادراكي المتواضع لإمكانياتي الى تحديات اكبر .. قرأت رواية الأرض الطيبة لبيرل باك وعرفت سرا همس في وجداني بقوة عن ثنائية الأرض والإنسان .. الا ان كتابا كان عبارة عن منطلقات ونظريات مشؤومة في السياسة حاول الالتفاف على ذلك والتأثيرفي عقلية فتى صافية ، لم ينجح اطلاقا ، تعلمت عندئذ النقد والمقارنة وتعلم الحقيقة ليس من الورق فقط بل من ظواهر وكوامن الواقع ..

رشاد الشلاه ( كاتب عراقي ) :
التراث والرواية

للنشأة الاولى في بيت متدين تأثيرفي اختيارات القراءة الاولى، حيث كان صغار العائلة يتسابقون في حفظ وquot; ختمquot; أجزاء من القرآن أولهما جزء quot;عمquot; ، وبذلك كان القرآن الكريم هو الكتاب الاول وان كنا لا نفهم من مضامينه سوى الوعيد بالعقاب أو الجزاء بالثواب، وفي مرحلة الدراسة المتوسطة كنت مولعا بقراءة مجلة quot; المختار من ريدرز دايجستquot; الاميركية بطبعتها العربية وكتابها الشهري، التي واظب والدي على شرائها، اما في المرحلة الاعدادية فقد استدليت على كتب التراث، وكان من انفسها كتاب العقد الفريد لأبي عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسي. ثم الاطلاع على عالم الرواية من خلال اعمال نجيب محفوظ .

يتبع