محمد الحمامصي من القاهرة: تشكل مجمل أعمال الروائي والقاص إدريس علي محطات من حياته الذاتية التي شهدت الكثير من المعاناة والألم، لذا فهي وإن حملت الكثير من الرؤى العميقة والأساليب السردية المغايرة فإنها تضج بالألم، فاز جائزة quot;أرنكاسوquot; الأمريكية بعد ترجمة روايته الشهيرة quot;دنقلهquot; إلي الإنجليزية، كما فاز بجائزة أفضل رواية عام 1998 من معرض القاهرة الدولي للكتاب، من أعماله القصصية: quot;المبعدونquot; وquot;وقائع غرق السفينة quot;واحد ضد الجميعquot;، ومن رواياته quot;دنقلةquot;، وquot;انفجار جمجمةquot;، وquot;النوبيquot;، quot;اللعب فوق جبال النوبة quot; كما أصدر الجزء الأول من سيرته الأدبية (تحت خطر الفقر) وهو عمل حافل بالآلام، حتى إن قارئه ربما أصابته التعاسة لما أصاب هذا الرجل من أوجاع وآلام في طفولته وشبابه ومستقبل أيامه.. وهذا الحوار معه محاولة للتعرف علي ما يعيشه الآن خاصة وأنه متغيب عن الساحة الثقافية منذ فترة علي الرغم من أنه كان في فترة ما من أنشط الكتاب وأصره علي متابعة الأنشطة الثقافية.
** لاحظنا فى الفترة الأخيرة غيابك شبه التام عن الساحة الثقافية على كل المستويات، وندوات المجلس الأعلى للثقافة، وكذلك اتيليه القاهرة وندوة الزيتون ونادى القصة ومقهى زهرة البستان وحتى أماكن السهر الشهيرة مثل الجريون والنادى اليونانى وأيضا عن دار ميريت، ما هو السبب يا ترى؟ أهو انسحاب مبكر قبل الشيخوخة أم رفض أم موقف احتجاجي أم مرض مقعد؟ ما حكايتك؟
** قل كل هذه الأسباب.. فى واقع الأمر أعاني من الضغط المرتفع والسكر وتصلب الشرايين، وبالتالي أجد صعوبة شديدة فى السير والحركة وأقل مسافة اقطعها بسيارة اجرة وهذا أمر مكلف للغاية لدخلى المتواضع، وأنت تعلم جيدا صعوبة التنقل داخل شوارع القاهرة المكتظة العشوائية بدون سيارة ملاكى، وبالتالى من لا يملك سيارة خاصة عليه بمقاطعة كل أنشطة هذه المدينة، وحتى العمل إن أمكن، لأن الشارع القاهرى صار بشعا وطاردا للتواصل الإنساني، وذلك بسبب غياب الأمن الاجتماعي، فسيارات الأجرة مثلا الاقتراب منها محفوف بالمخاطر عليك شروطه فى الأجرة وطريق السير هذا إذا تكرم بتوصيلك.. فهو لا يخشى العقاب من أي نوع، لأن عسكرى المرور لن يفعل شيئا لو شكوته.. هذا من ناحية, أما فكرت فى استخدام quot; الميكروباص quot; فالويل لك من سائقى هذه السيارات.. عربجية وفتوات وعصابات.. تصور المسافة من أول شارع فيصل وحتى ميدان الجيزة يقطعونها إلى أربع مسافات للحصول على أجرة مضاعفة من خلف ظهر القانون.. فأتت مطالب بالركوب والنزول عدة مرات حتى تصل إلى ميدان الجيزة وليس إلى مطار القاهرة مثلا، وإذا تفلسفت معهم محتجا فمصيرك معروف سلفا إما المستشفى أو السجن وإذا فكرت فى البديل الثالث.. اقصد حافلات النقل العام.. فأنت مجنون بالتأكيد وأظنك تفهم المعنى مادمت من سكان القاهرة، فماذا تفعل سوى الانسحاب حتى يمن علينا الحظ بسيارة!.. هذا هو السبب الرئيسي والأساسي.. أما الأسباب الأخرى فهى موجودة.. لأن معظم الكتاب يعانون من مشكلة السلوك quot; السيكوباتىquot; مرضي ومجانين ووشاه.. فأنت مجرد أن تقول كلمة بحسن نية حتى ينقلونها إلى صاحب الشأن بالإضافة أو الحذف.. ولهذا قلت: البعد عنهم غنيمة وكل أماكن الكتاب التقليدية صارت طاردة ومنفرة.. يتصدرها أنصاف الموهوبين والأدعياء المنافقين وكذلك صبيه الكتاب الكبار والمخبرين فقلت لنفسى quot; مالى أنا ووجع الدماغ اقعد فى بيتنا أحسن quot;، وأكاد أكرر مأساة الدكتور جمال حمدان لكنه واصل الكتابة رغم الانسحاب أما أنا فلم اعد اكتب ولا اقرأ.
** هذا تصريح خطير.. هل معنى هذا أن مشروعك الإبداعي قد انتهى.. هل.... المعين بعد ست روايات وثلاث مجموعات قصصية؟
جـ - لا.. لا quot; ياما فى الجراب يا حاوى quot; مازال عندي الكثير من مسيرتي الحياتية الشاقة والثرية.. لكنها مجرد مدة مراجعة والتقاط أنفاسي وأقوم الآن بمراجعة وقراءة أعمالي المنثورة وخصوصا القصص القصيرة حتى أعرف أين موقعى بالضبط بين الكتاب؟ فلم أكتب بعد رحلتى إلى ليبيا ما بين عامى 76 و 1980.. وهى فتره الخصومة الحادة بين السادات ومعمر القذافى، وهى أيضا فترة التغييرات الحادة والخطيرة فى ليبيا من خلال الكتاب الأخضر وتطبيق نظرياته: البيت لساكنه وشركاء لا أجراء. فبسبب تطبيق قانون البيت لساكنه حدثت أزمة إسكان وبالذات للأجانب والوافدين ووقعت مشاحنات وصلت لدرجة القتل فى بعض الأحيان والحلات بسبب غموض النظرية بالنسبة للمواطن البدوى الليبى البسيط.. فكيف يقتنع هذا المواطن بأن البيت الذى بناه بجهده وعرقه وماله سيذهب مجانا لمواطن ليبى آخر أو يذهب الريع للحكومة إذا كان الساكن أجنبيا وإذا عرفنا بأن الليبى يستثمر فائض رأسماله فى بناء العقارات.. ستدرك مدى فداحة الأمر بالنسبة لشركاء لا أجراء، حدث خطأ فادح فى تطبيق النظرية.. أدركت هذا من خلال الشركة التى كنت أعمل بها وكان يديرها دستة من الأشرار.. أقصد الشركاء والدستة شاركهم العمال فصاروا خمسين وتم اختيار اللجنة الشعبية التى ستدير هذه الشركة بالانتخاب، وبالطبع أصحاب المال هم الرؤساء أي اللجنة الشعبية كانوا خمس أفراد من البارزين من بين ال 12 ثم بدأ النهب المنظم من خلال عبارة بسيطة موحدة quot; هذا رزقنا quot; حتى وصل رصيد الشركة فى البنوك الى الخط الأحمر.. وهذا ما حدث فى معظم المؤسسات والشركات.. إفلاس وخراب.. هذه التجربة وما صاحبها من ملابسات وتهديدات بالقتل مستنى شخصيا عندما اكتشفت ألاعيب أصحاب رأس المال.. ولم اكتب عنها بعد.. لسبب بسيط جدا لأن الذى وفر لى فرصة العمل فى هذه الشركة هو الأستاذ مصطفى بيت المال وهو رئيس الشركة وحفظا للجميل وخوفا عليه من القذافى.. ترددت.. ومازلت.
والتجربة الأكثر خطورة وثراء هى فترة عملت بشركة المقاولون العرب للاستثمار.. وهى شركة رأس مال مشترك بين القطاع العام والخاص، وهى بوابة نهب المال العام بطريقه مقننة وهى الوسيلة التى ابتكرها أصحاب رأس المال لاسترداد حقوقهم وهى قريبة جدا من نظريه شركاء لا أجراء مع الاختلاف فى بعض التفاصيل فالشركاء هنا هم أصحاب المال من عائله عثمان أحمد عثمان.. لكن بسبب حبى وتقديرى للمهندس عصام عباس رئيس مجلس إدارة هذه الشركة والذى وفر لى فرصة عمل تقديرا لموهبتى الأدبية عندما نشرت قصة المعدون فى مجلة أكتوبر.. ومازلت مترددا رغم أن المحيطين به كانوا من أسوأ أنواع البشر، وكونوا مافيا خطيرة من سبعة أفرادhellip;، لقد نهبوا أراضى الشركه بطرق جهنمية لا تخطر على البال وهى أراضى متميزة على كورنيش نيل المعادى لقد كشفتهم من خلال quot; عين النمس quot; التى كنت أتمتع بها فناصبونى العداء، وكادوا يلقون بى فى السجن بتهمة ملفقة..، لكن باقى أفراد العصابة أفلتوا بعد دفع بعض المبالغ لأن من عادة المقاولون العرب الأم احتواء الانحرافات داخل الشركة دون إبلاغ النيابة.
وهذه بعض أسباب توقفى عن كتابه الجزء الثالث من السيرة الذاتية. أما بالنسبة للقراءة.. فهى حياتى كلها وأنا مدين لها بمجدى الأدبي.. فقد تفجرت موهبتى من خلال هذا النشاط الثقافى القراءة. لكن قراءة ماذا.. ذلك هو السؤال؟
كنا من وسط فقير واكتشفت الأدب الروسي المترجم..جوركى.. ديستوفكسى.. تولستوى، تشيخوف، ثم فيكتور هوجو وبلزاك ثم نجيب محفوظ وهذه هى الأرضية الثقافية التى كونت مخزونى الأدبي.. اذن فالقراءة بالنسبة لى هواية ومتسعة وليست أعمالا شاقة، صدق أو لا تصدق.. لقد اعتذرت عن التحكيم فى مسابقات نادى القصة وجمعية الأدباء رغم العائد المجزى حتى لا أضطر على قراءة أعمال رديئة وأشترك فى مهزلة منح الجوائز لعديمى الموهبة، وفى الفترة الأخيرة صدمتى كانت شديدة فى الجيل الجديد الذى يتصدر الساحة الان بالجوائز والصخب والتواجد الكثيف عند اجهزة الاعلام الرسمية وفى الصفحات الادبيه التى يحررها ابناء جيلهم.ز بدأت صدمتى بقراءة اشهر رواية لوحد من هذا الجيل.. الرواية كلها مجرد هلاوس تحت تأثير تعاطى البانجو.. وتصورت أن هناك فجوه بينى وبين هذا الجيل ولهذا تعذر على الفهم والاستيعاب فأعدت قراءة الرواية للمرة الثانية وعرضتها على أصدقاء مقربين وكانت النتيجة واحدة، فهذه عمليه نصب متعمدة تسطيح العقول وإبعاد الجيل الجديد عن القضايا الهامة كالفساد والبطالة.. أذكر كيف كانت فرحتى عندما قرأت رواية جميلة لشاب فى ذلك الوقت وهى quot; ورود سامة لصقر quot; للروائى أحمد زغلول الشيطى. فهذا الجيل للأسف الشديد ليس لديه ما يقوله ولا عانى.. من خلال تجربة حياتية خصبة، وليس لديه موقف سياسى واضح ولاهم قومى ولم يتساءل أحدهم: لماذا نجحت عمارة يعقوبيان لعلاء الاسوانى؟ ولماذا فازت رواية تغريدة البجعة لمكاوى سعيد بجائزة البوكر، فهذا جيل لم يقرأ الأعمال العربية العظيمة مثل موسم الهجرة الى الشمال، ليلة القدر، وليمة لأعشاب البحر، ليون الأفريقي، وعشرات من الأعمال الناجحة، وهو جيل يكتب من فراغ حتى ظروفهم الاجتماعية الصعبة والحرجة لا تظهر فى كتاباته، تصور جيل بلا وظيفة ولا مسكن ولا فرصة للزواج ثم يكتب لنا هلاوس على أنفاس الحشيش والبيرة والبانجو ndash; صحيح أن المشهد يوحى بانفجار روائى كما زعموا هم. وفى رأى ليس انفجارا إنما هو إسهال روائى.. طيب والحال كذلك.. لماذا أعذب نفسى بقراءة هذه الأعمال الرديئة.
** دعنى أسألك السؤال الذى كان من المفترض أن أبدأ به هذا الحوار.. لماذا تأخر حتى الآن حصولك على إحدى جوائز الدولة؟
جـ - سؤال كهذا ينبغي أن تتوجه به إلى مانح الجوائز الفنان فاروق حسنى وإلى مهندس جوائز الدولة الدكتور جابر عصفور.. فهما زعما وادعيا بأن المسألة متعلقة بالتصويت.. فلهما معا دور كبير لمنح جائزة لزيد أو عمرو أو حجبهما عنهما، لقد حدث هذا للعديد من الأدباء عبر بوابة الأكاديمية، وكان من المفترض أن يحصل كاتب عصامى ومكافح مثلى على التشجيعية فى بداية مشوارى الأدبي ولا حدث ان فكرت جهة من الجهات التى انتسب إليها بالعضوية فى ترشيحى للتقديرية أو غيرها من الجوائز الرسمية وهذه الجهات هى نادى القصة،اتحاد الكتاب، جمعية الأدباء لأنهم لا يفكرون إلا فى أنفسهم كأعضاء مجلس الإدارة بحيث أن هذه الجهات الثلاث ترشح كاتبا واحدا لعدة سنوات ولما يئست من الجوائز المصرية.. اتجهت للجوائز العربية العويس وباشرحيل والبوكر.. فشلت وأدركت أن هناك سببا أجهله فى مسألة الجوائز رغم أنني حصلت على جائزة لم أتقدم لها من جامعة اركانسو الامريكية عن ترجمه رواية quot; دنقله quot; للإنجليزية لان لجنة هذه الجائزة لم تسأل من يكون إدريس على لكن ماذا كتب؟ وهذا هو الفارق بين هنا وهناك ويحضرنى هنا حوار دار بين عضوين فى المجلس الأعلى للثقافة أثناء التصويت على جوائز الدولة.. وعندما طرح اسمى سأل العضو زميله:
- من هو إدريس على؟
- كان شاويشا فى الجيش المصري حسب سيرته الذاتية.
- وهل من المعقول أن نمنح جائزة لشاويش ونتجاوز الدكتور فلان ولا أدرى مدى صحة هذا الحوار.. لكنه فى النهاية يوحي بالجو العام الذى يسود منح الجوائز، المشاهير والأسماء، ومن لهم علاقات بالوزير والمخبرين وغيرهم وبعد كل تصويت كنت أتساءل:ما سبب هذا النحس؟ وبسبب عدم وضوح الرؤية أمامي كنت أحيل المسألة كلها لنظرية المؤامرة وكانت أمامي عده اتجاهات لتفسير هذه الظاهرة منها مثلا اهو موقف عرقي لأنه نوبي؟ أبدا.. فقد حصل أكثر من كاتب نوبى على التشجيعية. أهو موقف طبقى لأنني فقير ومن عامة الناس وأصولي متواضعة؟ أبدا.. فقد حصل ابن طبقتي محمد مستجاب على التقديرية لكن بعد الرحيل. إذن هل السبب موقف امنى لانى كاتب ضد وأحارب الفساد فى أعمالي..؟ هذا الأقرب للصواب.. لان لولى الفساد تفشى وتغلغل حتى وصل الى المواقع السيادية ومراكز القرار.. وعندما توصلت الى هذا التفسير المعقول استسلمت.
** ننتقل الآن إلى المشهد النوبي والصخب الدائر الآن فى الشارع النوبي حول حقوقهم الضائعة وقضيتهم ثم الأدب النوبي.. فسر واشرح لنا كل هذه الأمور؟
** أولا لا يوجد هناك ما يمكن تسميته بالأدب النوبي.. فهذا مصطلح مفبرك اصطنعه النقاد واستغله أصحاب المواهب الضعيفة فهو أدب مصري عربي لأنه مكتوب باللغة العربية لا النوبية، ولأن عدد الكتاب الذين ينتمون للنوبة بالمولد قله ولا يشكلون تيارا، وأيضا لأنهم لم يكتبوا أعمالا جيده مثل ثلاثية محفوظ وقد استغل بعضهم المصطلح للمزايدة والمتاجرة بالنوبة والانحراف به إلي السياسة كما فعل زميلنا حجاج أدول الذى يزعم أنه فيلسوف مانديلا النوبة، ويدعى أنه كاتب كبير ويتهم النقاد بالعنصرية لأنهم لم يتناولوا أعماله الركيكة.
ثانيا: لا توجد قضيه نوبية من الأساس كقضايا الإقليات فى الوطن العربى مثل الأكراد والامازيغ والأقباط والشيعة وغيرهم، والنوبيون فى مصر لا يختلفون عن باقى الجماعات التى يتشكل منها نسيج المجتمع المتجانس كالشاربة والعبابدة والجعافرة والبدو بعد أن صهروا فى بوتقة الوحدة الوطنية، وهم يعيشون فى سلام ولا يعانون من مطاردات أمنيه كما يحدث لبدو سيناء والجماعات الإسلامية المتطرفة ولا يعانون من اضطهاد دينى، لأن النوبيين مسلمين سنة فى مجتمع من السنة ولا يعانون من الخطر فى الوصول إلى أرفع المواقع السيادية كما يحدث للأقباط مثلا فأقوى رجل فى مصر بعد رئيس الجمهورية وهو وزير الدفاع من أب نوبى وأشهر وأحب مطرب مصري وهو محمد منير نوبي، وأبواب جميع الوظائف مفتوحة للنوبيين فلا توجد تعليمات علنية أو سرية تفرق بين النوبى وغيره، إذن أين أركان القضية؟ لا توجد.. إنما هناك مشاكل إدارية وأخطاء فادحة وقعت عند بناء السد العالى ويستحيل علاج بعضها الآن حفاظا على أمن مصر القومى فى هذه المرحلة بالذات، وأعنى به إعادة جميع النوبيين إلى الجغرافيا مرة أخرى، وهذا ما يطالب به المزايدون quot; حق العودة quot; وأنت تعلم جيدا أن إسرائيل تسعى جاهدة ومعها الولايات المتحدة على تفتيت مصر إلى دويلات بدوية فى سيناء وسنيه فى الوجه البحرى والقاهرة وقبطية فى الصعيد ونوبية تضم جنوب مصر وشمال السودان، والصخب النوبي الآن يصب دون قصد فى المشروع الإسرائيلي لأن شعار quot; عائدون quot; مصطلح إسرائيلي لأنها لن تستطيع إقامة دولة نوبية دون وجود السكان الأصليين فى الجغرافيا ولو حدث بعض التأني فى عمليه التهجير ودراسة الموضوع عن طريق المؤسسات العلمية وأساتذة علم الاجتماع وجهاز تعمير الصحارى ما وقعت هذه المشكلة.. كانت المسألة بسيطة وقتها، توطين أهل النوبة يعد أعلى منسوب لبحيرة السد بجوار المعابد، لكن اليونسكو اهتمت بإنقاذ الحجر ونسيت البشر، وكان من الخطأ الفادح ترك مساحة 3000 كيلو متر خالية من البشر، وعذر الدولة وقتها أقصد أن مصر الثورة كانت فى حالة تحدى لبناء السد العالى والرتم كان سريعا، وكان القرار كله فى يد رجل واحد هو الزعيم جمال عبد الناصر الذى كان يأمر ولا يدرس، وكانت أوامره مطاعة دون نقاش، وهكذا تم تحديد مصير جماعة بشرية عريقة عاشت على ضفتى نهر النيل منذ آلاف السنين بكلمة، نقلهم إلى صحراء كوم امبو، لكن للإنصاف كانت النقلة حضارية لأن كل الخدمات الأساسية توفرت فى الموطن الجديد، ماء نقى، كهرباء، طرق مسفلته، مستشفيات، مدارس وهى خدمات لم تكن متوفرة فى النوبة القديمة، أما المشكلة فهى أن المغتربين من أهالي النوبة لم يحصلوا على بيوتهم حتى الآن، وأنا منهم وجارى إصلاح هذا الخطأ بتوجيهات من الرئيس مبارك.
أما ما ادعاه أخونا حجاج أدول فى ورقته التى ألقاها فى مؤتمر الأقباط فى واشنطن وزعم فيها ان النوبيين يتعرضون للتفرقة العنصرية والاضطهاد والتطهير العرقى.. فكلها أكاذيب ومحاولة مكشوفة للاستقواء بالخارج.. هى عمالة وعلى أرض الواقع لا يوجد دليل واحد على وقع تطهير عرقى أو اضطهاد أو تفرقة عنصرية.. هل توجد لافتة فى أى موقع مصرى مكتوب عليها quot; ممنوع دخول السود quot; هل هناك قوانين تفرق بين نوبى وغيره.. هذه قضية مفتعلة وملفقة. فيلسوف مانديلا المزعوم هو شخص يعانى من مرض نفسى وعولج من قبل فى القوات المسلحة وهو فى حاجة إلى علاج نفسى فورى حتى لا يتمادى فى تطرفه، أما أن يستقبله محافظ أسوان الجديد ويستضيفه ويرحب به.. فهذه ذلة ونكتة سخيفة وفى حاجة إلى تفسير..
** ننتقل الآن من الأدب والثقافة والنوبة إلى المشهد العربى الراهن.. فما الذى تراه فى هذا الشأن؟
** كنت فى حاله يأس مميت وأردد مع نزار قبانى قصيدته الشهيرة quot; متى يعلنون وفاة العرب quot; مستبعدا قصيدة أمل دنقل الشهيرة أيضا quot; لا تصالح quot; حتى فاجأنا الصحفى العراقي بصواريخ الأحذية التى وجهها إلى جورج بوش.. لم يرشقه بالطماطم والبيض وقشر الموز كما يفعلون فى الغرب عندما يتحجون ولا حتى بالرصاص والقنابل كما نفعل نحن.. إنما بالحذاء وهذه الأحذية فى قيمتها المعنوية تفوق فعل ألف صاروخ وهى إهانه بالغة الدلالة.. ففى ثقافتنا الشعبية الضرب بالحذاء والضرب على quot; القفا quot; أقوى من الضرب بالرصاص، وهذا يفسر سر الفرح العربى الشعبي والرسمي من هذا الفعل العفوى الذى نتج عن حالة الغيظ والإحباط، فجورج بوش جاء إلى العراق بعد أن صرح منذ أيام بأن الحرب على العراق نتجت بسبب معلومات استخباراتية خاطئة وهذا يعنى ان الموساد الإسرائيلي قد اخترق المخابرات المركزية الأمريكية.. لان إسرائيل كانت فى حاجه لمن ينوب عنها فى تدمير الطرق لانها لم تنسى تصريحات صدام حسين بأنه سوف يحرق نصف إسرائيل وهذا معناه أن جورج بوش.. عميل لإسرائيل وان أمريكا الآن مجرد تابع لإسرائيل، وليس العكس ولكن الذى أوصلنا لهذا المأزق كله هو صدام حسين نفسه كما يقول المثل المصرى quot; يا يجيهالك كلبك يا ولد quot; حرب إيران وغزو الكويت وهذه الحروب الفرعية كلها فى خدمة إسرائيل اسمع لقد خرج العرب من التاريخ وهم على وشك الخروج من الجغرافيا وليس امام العرب الان سوى الصلح مع إسرائيل والتعايش معها لتأجيل يوم الوفاة.. لان إسرائيل تنتظر فقط الظروف الدولية المواتية لاجتياح سيناء والقضاء على باقى الدول العربية وهى قادرة على هذا والتطرف الذى يتزعمه حماس وحزب الله يوفر لها الظروف. وبالمناسبة الشيخ حسن نصر الله لو اكتفى بتحرير جنوب لبنان فى الحرب الأولى لدخل هو وحزبه التاريخ من أوسع الأبواب، لكن الغرور والعمالة لإيران دفعاه لافتعال الحرب الثانية التى تم فيها تدمير لبنان بالكامل، وجاءت بالقوات الدولية لحماية أمن إسرائيل، وتراجع جيش نصر الله من الجنوب وهو لا يستطيع الآن أن يوجه طلقه لإسرائيل، فأين هذا الانتصار الذى حققه ويتباهى به مع تيار التطرف؟ وحماس منحت فرصه ذهبيه لإسرائيل لكى تنفرد بها وتحاصرها حين انفصلت بغزة فما قيمه صواريخ حماس؟ هى فقط تمنح إسرائيل الذريعة للمزيد من الحصار والتجويع والإبادة ولن تسمح بإقامة دولة فلسطينية ولا بعودة اللاجئين فلم يبق أمام معسكر الاعتدال الفلسطينى سوى الاندماج فى المجتمع الإسرائيلي، والمتطرفون مثل حماس سينتهى بهم الأمر الإقامة فى معسكرات إيواء مثل الهنود الحمر.. أيها العرب إما أن تتعايشوا مع إسرائيل أو تبادوا وتخرجوا من الجغرافيا، ونرجع الآن إلى الهم الكبير المؤرق والمخرب واقصد به تنظيم القاعدة والشيخ بن لادن الذى تسبب فى خسائر فادحة للعرب والمسلمين أدت الى ما نحن فيه الان من خراب ودمار وحصار وتحويلنا الى إرهابيين فى نظر العالم.. ماذا تقول عن ممارسات القاعدة فى العراق والجزائر والصومال.. أليس هذا لحساب إسرائيل، ماذا نقول عن تفجيرات أبراج أمريكا والتى أدت الى تجييش أمريكا شعبا وحكومة ضد العرب والمسلمين.. أليس هذا لصالح إسرائيل؟ ذكرنى لو نسيت.. متى وأين ضربت القاعدة المصالح الإسرائيلية، مبلغ علمى ولا عمليه واحدة.. القاعده لم توجه طلقه واحده فى اتجاه إسرائيل ولا لسفاراتها فى الخارج ماذا تستنتج من هذا كله؟ منطق العقل يقول ان القاعدة مجرد فرع مهم من الموساد الإسرائيلي؟!