فجأة ومن حيث لا يحتسب أحد اختفى احميمد حين اشتعلت النار بقوة وبسرعة. كانت ألسنة اللهب تندفع في كل الجهات كما لو أنها مجنونة تراقص الريح. وهبت الريح الشرقية وازدادت النار توهجا واشتعالا. و استعاذ الفقيه من الشيطان الرجيم ثم قال للناس الذين تجمعوا حول السيد إن الأمر مدبر من طرف قوى خفية تريد الشر للقرية. وكان الفقيه شيخا تحنو عليه العصا الذي بيده. وكان الكل مقتنع بقدرة الفقيه على طرد الأرواح الشريرة. وقرأ يا نار كوني بردا سلاما علي ,لكن النار اندفعت إلى الأعلى، إلى الأمام وفي كل الجهات. وكانت الأغصان اليابسة للأشجار المحيطة بالسيد تحترق بسرعة. و خيل لعبسليمو أنها تتألم. وبدا لكل الحاضرين أن الطيور قريبة من الهبل وهي تحوم حول النار التي كانت ألسنتها الحمراء والزرقاء تقترب من فراخها. وكانت الفراخ بلا أجنحة كافية للطيران. وولولت الطيور ولكن النار كانت بلا قلب وبلا كبد رطب. وبات من الواضح أن النار لن تستكين حتى تشبع نهمها. واقتربت ألسنتها الحامية من سقف الضريح. وبدا أنها مستعدة تماما لالتهام الأعمدة اليابسة وقش الشقالية(1) التي سقف بها السيد.
وقال عبسليمو الخبير بالخشب والشجر أن التونيا(2) الساكنة بأعمدة سقف السيد لن تستطيع الهروب بجلدها الرهيف. ولم يكن بمقدور تعويذات الفقيه أن تمنع النار من التقدم نحو ضريح سيدي عبسلام بقال. وبيقين ثابت أضاف عبسليمو أن جذور أشجار الضرو والخروب والبطم لا تنتظر بركة الفقيه ولا تخشى النار فهي باقية والنار زائلة. وقالت الشريفة الدهمية أن السيد سيهب من مرقده لحماية سقف ضريحه وان الفقيه لن يرضى أن تهزمه النار. فهي من حطب ولا يعقل أن يهزم الحطب فقيها شارط في الغرب وفي سوس نصف عمره.
ولم يكن احميمد قريبا منهن ليسخر من يقينهن. وحتى وان كان هناك فهو لن يغامر بالجهر بما يدور في سريرته. الشريفة كانت بمثابة جدته. وكانت الجدة بمثابة العمود الفقري لنساء الدوار. فهي تحب أن تذكرهن بعام الجوع، والعام الذي دخل فيه الفرنسيس إلى الدوار والعام الذي ضوات فيه القشلة بضوء غير ضوء الشمس أو ضوء القمر.
- الفرنسيس كانو معقولين، تقول الشريفة. كانوا كيحتارمو بلاوالي(3) الفقيه ديالنا.
وحتى الجدات التي أكل منهن الفقيه بيضا وزيتا لا يجرؤن على معارضة الشريفة الدهمية. فلم سيسخر احميمد من يقينها إذن؟ ويبتسم احميمد حين يتذكر الزين. وكانت الزين امرأة من عمق التراب ولها قدمان تشبهان جذور الضرو. وحصل لها ما حصل ذات نزوة مع زوجها الراكومي..وأمرها زوجها:
- أَ رّ قومي.
وقامت. ولم تدر متى حصل البذر.
-غير قل لي آ الزين فوقاش حملت؟
-ملي نوروا الفول(4).
يبتسم احميمد الآن وقد غزا الثلج رأسه. ينظر إلى عصفورين حطا على شجرة. يتذكر العزيزة الشريفة عندما جاءت لتفكه من رباط أبيه. كان يوم خميس. الشتاء خيط من السماء. لا طير يطير ولا انس يسير. جره أبوه من قفاه. كان الحبل في يده اليسر. بكى. لم يسمعه قلب أبيه. ربطه بجذع شجرة اللشين الموجودة في فناء الدار. في قور(4)* الدار ربطه. لم تكن هناك طيور لتسمعه. وكان الأب من الكوم ولم يرق قلبه حين بكى الشيطان المربوط بجدع الشجرة.
- هذ الشي بزاف عليه. راه ما زبل شي فالمخزن حتى تعملو هيدا. راه اعطى الله الشيجر يلا ماتو هذوك (5)
وتقدمت الشريفة بثبات من احميميد وقالت له:
- أنا صرتك يا احميمد.
-عتقني العزيزة. را يدي كيحرقوني بزاف.
وأطلقته جدته. وجثى احميمد على ركبتيه. ولم يصل. وظلت العزيزة صرته التي يعود إليها كلما طرده أبوه. وكان احميمد يكره أباه مثلما يكره السيد.ولكنه لم يحاول قتله. وقال أن أحسن وسيلة للتخلص من أبيه هي إحراق السيد أو القشلة. وطلب من ربه أن يتدخل له لدى عزيزته التي الفت وضع الزيت في قنديل السيد منذ توفي زوجها. وكان الله يغمض العين عن نفور احميمد من الصلوات. ومن المؤكد أنه رحيم به وبكل الأشجار.
ولم تبال القوى الخفية الجائعة بيقين الجدات. واقتربت من الضريح وكان جوعها اشد من جوع عيشة قنديشة. ورأى الحاضرون كيف فزع الفقيه حين اقتربت منه السنة اللهب. وتعالت أصوات الناس مولولة ومطالبة الفقيه بالتواري إلى الوراء. وقلن إن بقاء الفقيه بعيدا عن النار أجدى له ولهن. وكان الفقيه لا يريد إن يخيب يقين الجدات في بركاته. وظن الظنون وقال في نفسه انه لا حيلة لمخلوق عاقل مع النار والبحر والمخزن. ولكن نظرات الجدات المتسائلة أرغمته على الاقتراب من النار. ووصل لسان النار إلى كم جلبابه الأبيض. وتقدم البوهلالي وجره بقوة. وسقط الفقيه. ثم سقط سبسي البوهلالي. وغطت الجدات وجوههن بأيديهن التي ياما(6) فورن بها الطعام للفقيه ولله حين يتأخر المطر.
وتشجع الفقيه حين سمع للا الشريفة تقر ببركته التي لا تحد. تقدم. كانت قدماه تبدوان كم لو أنهما مثقلتان بالوحل.. بسمل. حوقل. عزم وتوعد النار بالماء ولكن النار كانت فظة وغليظة ومتغطرسة. ولم تأبه بعزائمه. كان يبدو أن شياطينها قد فتحت غارها العميق لالتهام المزيد من الشقالية. و بدا للناس أنهم سمعوها تقول هل من مزيد. وسرى بين بعض العزارى(7) الحاضرين إن الفقيه لابد أن يبحث لنفسه عن مكان آخر يشارط فيه.. وندم بعض البخلاء على البيض البلدي الذي كان يرسله إلى الجامع حين تصله النوبة.
وتقدمت النار بإصرار. وكانت الشمس غير آبهة بالجميع وهي تلفظ من بطنها مزيدا من حرارتها. وكانت الشقالية هشيما تحبه النار. وفرحت النار بالهشيم. ودار في خلد الفقيه أن يترك النار تفعل ما أراد الله. وبدأ يقتنع أن الله هو من أمر بهذا ولا راد لقدر الله. و رأى الرجال كيف عجز الفقيه عن إيقاف النار.وتقدموا بكل قلاليش الماء التي جاءت بها النسوة والأطفال من عين الشراطين..لكن النار كانت غاضبة وبدا أنها تريد أن تنتقم لشيء ما، لشخص ما. واحترق البوهلالي و اللبان في سبيل منع النار من التقدم نحو النواذر الموجودة بقرب السيد. وكانت البيادر مملوءة بالزرع المستف بعناية. وقال عبسليمو أن إنقاذ البيادر أهم من كل شيء. وتوارى الاهتمام بالسيد إلى الوراء. ولم يعرف الفقيه ما هو فاعل بورده وجلبابه. وكما لو نفخ في صور ما هب أبناء الدوار لإيقاف العافية كي لا تصل إلى الزرع. ولأول مرة أحست النار بالنشوة وهي ترى الفقيه يتوارى إلى الخلف. وتعجب الناس كيف لا تتقدم النار نحو البيادر. ولا يدري احد لم تحولت إلى حمل وديع بعد أن انهار ما تبقى من سقف السيد. وبدأت في الاستكانة. واقترب منها البوهلالي أكثر.وحاول أن يثيرها لكنها بدت كما لو أنها غير راغبة في التقدم إلى الأمام.. وظهر احميميد. ولم يشك احد في غيابه. وكانت جدران السيد لا زالت حامية. وقطب جبينه قليلا حين سمع عزيزته تصرخ باعلى صوتها:
-اعباد الله السيد لا بد يتقزدر. ما يمكن شي يبقى السيد ديالنا بلا سقف.(8)
وقال عبسليمو الخبير بالخشب والشجر أن التونيا(2) الساكنة بأعمدة سقف السيد لن تستطيع الهروب بجلدها الرهيف. ولم يكن بمقدور تعويذات الفقيه أن تمنع النار من التقدم نحو ضريح سيدي عبسلام بقال. وبيقين ثابت أضاف عبسليمو أن جذور أشجار الضرو والخروب والبطم لا تنتظر بركة الفقيه ولا تخشى النار فهي باقية والنار زائلة. وقالت الشريفة الدهمية أن السيد سيهب من مرقده لحماية سقف ضريحه وان الفقيه لن يرضى أن تهزمه النار. فهي من حطب ولا يعقل أن يهزم الحطب فقيها شارط في الغرب وفي سوس نصف عمره.
ولم يكن احميمد قريبا منهن ليسخر من يقينهن. وحتى وان كان هناك فهو لن يغامر بالجهر بما يدور في سريرته. الشريفة كانت بمثابة جدته. وكانت الجدة بمثابة العمود الفقري لنساء الدوار. فهي تحب أن تذكرهن بعام الجوع، والعام الذي دخل فيه الفرنسيس إلى الدوار والعام الذي ضوات فيه القشلة بضوء غير ضوء الشمس أو ضوء القمر.
- الفرنسيس كانو معقولين، تقول الشريفة. كانوا كيحتارمو بلاوالي(3) الفقيه ديالنا.
وحتى الجدات التي أكل منهن الفقيه بيضا وزيتا لا يجرؤن على معارضة الشريفة الدهمية. فلم سيسخر احميمد من يقينها إذن؟ ويبتسم احميمد حين يتذكر الزين. وكانت الزين امرأة من عمق التراب ولها قدمان تشبهان جذور الضرو. وحصل لها ما حصل ذات نزوة مع زوجها الراكومي..وأمرها زوجها:
- أَ رّ قومي.
وقامت. ولم تدر متى حصل البذر.
-غير قل لي آ الزين فوقاش حملت؟
-ملي نوروا الفول(4).
يبتسم احميمد الآن وقد غزا الثلج رأسه. ينظر إلى عصفورين حطا على شجرة. يتذكر العزيزة الشريفة عندما جاءت لتفكه من رباط أبيه. كان يوم خميس. الشتاء خيط من السماء. لا طير يطير ولا انس يسير. جره أبوه من قفاه. كان الحبل في يده اليسر. بكى. لم يسمعه قلب أبيه. ربطه بجذع شجرة اللشين الموجودة في فناء الدار. في قور(4)* الدار ربطه. لم تكن هناك طيور لتسمعه. وكان الأب من الكوم ولم يرق قلبه حين بكى الشيطان المربوط بجدع الشجرة.
- هذ الشي بزاف عليه. راه ما زبل شي فالمخزن حتى تعملو هيدا. راه اعطى الله الشيجر يلا ماتو هذوك (5)
وتقدمت الشريفة بثبات من احميميد وقالت له:
- أنا صرتك يا احميمد.
-عتقني العزيزة. را يدي كيحرقوني بزاف.
وأطلقته جدته. وجثى احميمد على ركبتيه. ولم يصل. وظلت العزيزة صرته التي يعود إليها كلما طرده أبوه. وكان احميمد يكره أباه مثلما يكره السيد.ولكنه لم يحاول قتله. وقال أن أحسن وسيلة للتخلص من أبيه هي إحراق السيد أو القشلة. وطلب من ربه أن يتدخل له لدى عزيزته التي الفت وضع الزيت في قنديل السيد منذ توفي زوجها. وكان الله يغمض العين عن نفور احميمد من الصلوات. ومن المؤكد أنه رحيم به وبكل الأشجار.
ولم تبال القوى الخفية الجائعة بيقين الجدات. واقتربت من الضريح وكان جوعها اشد من جوع عيشة قنديشة. ورأى الحاضرون كيف فزع الفقيه حين اقتربت منه السنة اللهب. وتعالت أصوات الناس مولولة ومطالبة الفقيه بالتواري إلى الوراء. وقلن إن بقاء الفقيه بعيدا عن النار أجدى له ولهن. وكان الفقيه لا يريد إن يخيب يقين الجدات في بركاته. وظن الظنون وقال في نفسه انه لا حيلة لمخلوق عاقل مع النار والبحر والمخزن. ولكن نظرات الجدات المتسائلة أرغمته على الاقتراب من النار. ووصل لسان النار إلى كم جلبابه الأبيض. وتقدم البوهلالي وجره بقوة. وسقط الفقيه. ثم سقط سبسي البوهلالي. وغطت الجدات وجوههن بأيديهن التي ياما(6) فورن بها الطعام للفقيه ولله حين يتأخر المطر.
وتشجع الفقيه حين سمع للا الشريفة تقر ببركته التي لا تحد. تقدم. كانت قدماه تبدوان كم لو أنهما مثقلتان بالوحل.. بسمل. حوقل. عزم وتوعد النار بالماء ولكن النار كانت فظة وغليظة ومتغطرسة. ولم تأبه بعزائمه. كان يبدو أن شياطينها قد فتحت غارها العميق لالتهام المزيد من الشقالية. و بدا للناس أنهم سمعوها تقول هل من مزيد. وسرى بين بعض العزارى(7) الحاضرين إن الفقيه لابد أن يبحث لنفسه عن مكان آخر يشارط فيه.. وندم بعض البخلاء على البيض البلدي الذي كان يرسله إلى الجامع حين تصله النوبة.
وتقدمت النار بإصرار. وكانت الشمس غير آبهة بالجميع وهي تلفظ من بطنها مزيدا من حرارتها. وكانت الشقالية هشيما تحبه النار. وفرحت النار بالهشيم. ودار في خلد الفقيه أن يترك النار تفعل ما أراد الله. وبدأ يقتنع أن الله هو من أمر بهذا ولا راد لقدر الله. و رأى الرجال كيف عجز الفقيه عن إيقاف النار.وتقدموا بكل قلاليش الماء التي جاءت بها النسوة والأطفال من عين الشراطين..لكن النار كانت غاضبة وبدا أنها تريد أن تنتقم لشيء ما، لشخص ما. واحترق البوهلالي و اللبان في سبيل منع النار من التقدم نحو النواذر الموجودة بقرب السيد. وكانت البيادر مملوءة بالزرع المستف بعناية. وقال عبسليمو أن إنقاذ البيادر أهم من كل شيء. وتوارى الاهتمام بالسيد إلى الوراء. ولم يعرف الفقيه ما هو فاعل بورده وجلبابه. وكما لو نفخ في صور ما هب أبناء الدوار لإيقاف العافية كي لا تصل إلى الزرع. ولأول مرة أحست النار بالنشوة وهي ترى الفقيه يتوارى إلى الخلف. وتعجب الناس كيف لا تتقدم النار نحو البيادر. ولا يدري احد لم تحولت إلى حمل وديع بعد أن انهار ما تبقى من سقف السيد. وبدأت في الاستكانة. واقترب منها البوهلالي أكثر.وحاول أن يثيرها لكنها بدت كما لو أنها غير راغبة في التقدم إلى الأمام.. وظهر احميميد. ولم يشك احد في غيابه. وكانت جدران السيد لا زالت حامية. وقطب جبينه قليلا حين سمع عزيزته تصرخ باعلى صوتها:
-اعباد الله السيد لا بد يتقزدر. ما يمكن شي يبقى السيد ديالنا بلا سقف.(8)
هوامش:
1: نبات يزرع. تستعمل حبوبه كأكل للدجاج أما سيقانه فتستعمل للتسقيف. للإشارة قلّ هذا النوع من النبات كثيرا.
2: الأرضة
3: كثيرا
4: عندما تزهر نبتة الفول.
4*: فناء
5: لم يسب المخزن كي تفعل له مثل هذا الذي فعلته. إن ماتت تلك الأشجار فأخرى موجودة.
6: مرارا
7: الشبان الذين لم يتزوجوا بعد.
8: يسقف بالزنك(القصدير)
1: نبات يزرع. تستعمل حبوبه كأكل للدجاج أما سيقانه فتستعمل للتسقيف. للإشارة قلّ هذا النوع من النبات كثيرا.
2: الأرضة
3: كثيرا
4: عندما تزهر نبتة الفول.
4*: فناء
5: لم يسب المخزن كي تفعل له مثل هذا الذي فعلته. إن ماتت تلك الأشجار فأخرى موجودة.
6: مرارا
7: الشبان الذين لم يتزوجوا بعد.
8: يسقف بالزنك(القصدير)
المغرب
التعليقات