حوار مع الباحث المغربي محمد الناجي:جفاف في الإنتاج وضعف في الإبداع يجعلنا نفكر مليا
أجرى الحوار أحمد نجيم: هل تؤثر علاقة القرب من السلطة على المثقف المغربي؟ وكيف يمكن لهذا المثقف أن يحافظ على استقلاليته ومصداقية أبحاثه ويستمر في الوقت نفسه مسؤولا عن أنشطة تنظمها رجالات الدولة؟ وهل تؤثر النزعة القبلية على بعض اختياراته؟ هذه بعض الأسئلة وجهتها quot;إيلافquot; إلى الباحث والمفكر المغربي محمد الناجي صاحب كتاب quot;العبيد والرعيةquot;: العبد والرعية.. العبودية والسلطة والدين في العالم العربيquot;. دعا فيه الباحث إلى إعادة بناء مفهوم الدولة العادلة بدءا من نشأتها في الكتابات العربية الإسلامية. واعتبر الناجي الذي يشغل منصب مدير مهرجان quot;أوتارquot; ربيع الحوز الثقافي الذي سينطلق يومه الخميس بمدينة بنكرير القريبة من مراكش في حواره، أن مزاوجته بين التطبيقي من خلال تنظيم المهرجانات وبين النظري الفكري من خلال كتاباته ومساهماته الفكرية الأكاديمية تكاملا يغنيه، كما تحدث عن علاقته بالسلطة من خلال عمله في مهرجانين مع مستشار الملك أندري أزولاي وصديق الملك فؤاد عالي الهمة، موضحا أن هذا الاقتراب لم يجعله يقدم تنازلات على المستوى العلمي. كما تحدث عن سنوات حكم الملك محمد السادس العشر وعن ارتباط المهرجانات برجالات الدولة واتجاه الدولة إلى محاربة الأصوليين بالمهرجانات.
يرى الناجي أن تنظيم مهرجان بهذه المدينة هو اعتراف بالمنطقة، كما تحدث الباحث عن سر إدارته لمهرجان بمنطقة الرحامنة، رغم أنه منحدر من منطقة السراغنة، وتاريخيا كانت هناك عداوة بين المنطقتين.
- تحتضن مدينة بنكرير نهاية الأسبوع الحالي الدورة الأولى لربيعها، لماذا هذا المهرجان، وهل يدخل في الموضة الجديدة مهرجان لكل مدينة؟
من الواضح أن هذا المهرجان يندرج في إطار التظاهرات التي يعرفها المغرب، والتي تعكس حاجة الجماهير للتعرف على ذاتها في مدينتها، خارج الإطار العادي للاحتفال الذي تعودت عليه.
غير أنه في نفس الوقت ينبغي أن نلاحظ أن منطقة مثل الرحامنة لا تتوفر تماما على الخصائص نفسها التي تتوفر عليها فاس أو الصويرة اللتين يعترف لهما بوجود هوية ثقافية متجذرة نظرا لتواجدهما الثقافي. إن مستوى التطور في هذه المنطقة، والإهمال الذي عرفته لوقت طويل من قبل السلطات العمومية يجعل من هذا المهرجان نوعا من المطالبة بالحق في الوجود والاعتراف بها (المنطقة).
- ما يلاحظ على البرمجة هو نوع من عدم التجانس، فهو ليس مهرجانا للغناء ولا للسينما ولا هو للفكر، إذ يجمع بين هؤلاء، ليصبح أقرب إلى المواسم التي كانت تنظم قبل سنوات فيها من كل فن وفكر طرف، ألا ترى أن هذا اختيار يضعف quot;ربيع الحوزquot; هذا؟
بصراحة لا أرى أي انعدام في التماسك بين المكونات المختلفة. ففي أماكن أخرى في جميع المهرجانات الكبرى توجد جميع هذه المكونات وأكثر. الواقع أننا نجد هنا حاجة حقيقية للتظاهرة حول السينما واللقاءات العلمية، وهي مناسبة لأطر المنطقة والشباب للتعرف على مواضيع ومفكرين أو فنانين لم يسبق لهم أن التقوا بهم. إلا أنه من الواضح أن الموسيقى تشغل موقعا مركزيا، وبأنه في الموسيقى، يأتي التماسك من فكرة أن التراث المغربي هو قلب المهرجان مع الأغنية المغربية.

- أنتم تنحدون من السراغنة، والمعروف تاريخيا أن علاقة السراغنة بالرحامنة كانت عدائية، كيف يقبل ابن السراغنة أن يدير مهرجانا في عاصمة الرحامنة بنكرير؟
بصراحة، إنها مسألة قديمة. ينبغي القول بأن زمن العشيرة انتهى. فنحن لم نعد نعيش في مجال زراعي رعوي شبه جاف حيث كان الصراع على المراعي على أشده وحيث كانت ظروف العيش الشديدة الصعوبة تجعل من التعايش بين الجماعات البشرية أمرا صعبا. لقد التزمت كلية في هذا المشروع لأنني أعتبر أنه مشروعي أنا. وهذا ليس لأني أنتسب للمنطقة وإنما بالأساس لأننا في مجالات مهمشة ومنسية، وبأنه تحدٍّ حقيقي أن تُمنح لهم حياة ثقافية بإمكانها أن تساعدهم على التعبير بشكل أفضل عن حاجتهم للتنمية. إنها تجربة تستحق المحاولة لأن العديد من المناطق المغربية تعاني من هذا الوضع، وينبغي التفكير في الأمر لأجل تحقيق ترقية ثقافية وبطبيعة الحال، اقتصادية واجتماعية.
- أنتم مثقف وفي نفس الوقت منظم يدير مهرجانات هناك مهرجان quot;ليزاليزيquot; للموسيقى الكلاسيكية بالصويرة ثم ربيع quot;الحوز الأولquot;، ألا يؤثر هذا المزج أو المزاوجة بين الجانب النظري والتطبيقي على أبحاثكم؟
على العكس، إنها تجربة تساعد على الإثراء.. أن تنظّم معناه أن تنظر عن كثب إلى الآليات التي تهيمن على مجالنا الثقافي و بالتالي، أن تفحص السلطة عن قرب. إنه معناه أن ترى ما هي المراكز النشيطة على هذا المستوى، ومعناه أن تخرج من الاعتبارات الشمولية والتقريبية حول الثقافة والهوية. ومعناه الوعي بأن الهوية يتم بناؤها. لا، أنا أمضي من خطة إلى أخرى دون مشاكل (نظرية، بحث، نشاط ثقافي). ولا ريب أن هناك هدرا كبيرا للوقت سببه، على وجه الخصوص، راجع للعقبات التي تعترض العمل الثقافي. لكنني، في الحقيقة، تعلمت أمورا كثيرة عن السلطة وعن الذوق وعن طبقاتنا الموسرة ومواقفها تجاه الثقافة...
- الباحث والمثقف محمد الناجي يعمل في مهرجان quot;ليزاليزيquot; إلى جانب مستشار الملك أندري أزولاي وإلى جانب فؤاد عالي الهمة، صديق الملك، في quot;ربيع الحوزquot; باعتبار أن مؤسسة الرحامنة التي يرأسها هي الجهة المنظمة، ألا يؤثر هذا القرب من الدولة على استقلاليتك كمثقف؟ إذا كان الجواب بالنفي، ألا تخشى أن هذه العلاقة قد تؤثر على مصداقية أبحاثهم ودراساتكم، لأن من يريد أن يهاجمك سيقول إن علاقتك برجالات السلطة تقلل من قيمة تلك الأبحاث؟
أظن أن الارتباك يسود في هذا المجال، والاقتراب من السلطات العليا للدولة في مجال العمل الثقافي ليس غريبا إلى هذا الحد. والدليل هو أني واحد من المفكرين الذين يقدمون نظرة نقدية عن السلطة بلا تنازلات على المستوى العلمي، ومع ذلك لا يبدو أنه يزعج أحدا في الوقت الحالي بأن الأمر يتعلق بتجربتي العلمية المحترمة وليست مُهينة بشكل اعتباطي. سأقول لكم بأن هناك خطاب quot;يسارquot; حول العلاقة مع السلطة أزعج المفكرين كثيرا. فكم من الأشخاص الذين يعتبرون من اليسار هم في الحقيقة حيوانات للسلطة وانتهازيون بلا استحياء، ويكفي أن ننظر حولنا لكي ندرك ذلك. أنا أشعر بفخر لكوني أتكلم مع من أشاء، ومع من يرغب في ذلك في إطار الاحترام المتبادل والكرامة وفي جو مشترك لتطوير المشاريع. ولعل فواد عالي الهمة، في هذا الإطار، شخصية من النوع الرفيع الذي ينصت ويساعد، ولدينا رغبة مشتركة وعشق لهذه المنطقة. أما بخصوص أندري أزولاي، فإن حب المدينة يقربنا من بعضنا البعض ويجعلنا نتشارك في مواجهة الصعاب.
- بخصوص دور المثقف، ما هو الدور الذي يمكن أن يلعبه حاليا في مجتمع متغير محرك، نلاحظ أن مثقفينا منقسمون، فالعروي يلزم الصمت والجابري ارتمى في التراث والراحل الخطيبي اختار التقرب من السلطة؟
إن دور المفكر هو، قبل كل شيء، إنتاج الأفكار والفكر. وقليلون هم المفكرون الذي يقومون اليوم بهذه العملية على أتم وجه. من دون شك، هناك جفاف في الإنتاج وضعف في الإبداع يجعلنا نفكر مليا. والكثيرون يتبنون مواقف للتظاهر بأنهم يفكرون، لكننا لا نرى شيئا من ذلك. لا يجب أن يكون البحث في التراث شعبويا، بل ينبغي أن يكون باردا، وعلميا، ومتطرفا بالأساس فيما يخص الدين. أظن أن هناك العديد من مواضيع التفكير يمكنها أن تكون موضوعا لمقابلات مقبلة.

عشر سنوات مرت على تولي الملك الحكم، الخوف يبدو، عند البعض، السمة الغالبة، هل تشاطرون هؤلاء خوفهم هذا، وإلى أين يسير المغرب؟
أن لا نقلق على تطور المغرب معناه أننا لا نشعر بالمسؤولية. أنا قلق بشأن المسألة المركزية للتربية التي تجعل مجتمعنا معرضا للخطر في المستقبل. إن تطورنا يمر عبر تعبئة مواردنا البشرية، ولا يمكننا أن نفخر اليوم بأننا نتوفر على الثروات اللازمة في هذا الصدد، فقد تم تدمير نظامنا التربوي ببساطة، وإعادة ترقيته تقتضي تعبئة وطنية. أما فيما يخص ما أراه بخصوص السنوات العشر للملك ونشاطه، فهذا يتطلب قدرا كبيرا من التفكير والعمل. ولعل مجتمعنا يحظى، على الأقل، بالامتياز بأنه يتحدث أفراده فيه بحرية، لكن ينبغي أن يفعلوا ذلك عن وعي. يجب العمل والعمل، إنه حاجة ملحة.
أتعتقد أن المهرجانات والأنشطة الفنية كما هي منظمة في المغرب يمكن أن تحارب أشكال التطرف وتنشر فكر الاعتدال؟
أعتقد بكل جدية أن هذا الاعتقاد لا أساس له. فالسعي نحو التطرف لا يأتي من فراغ، وإنما لديه جذوره الاجتماعية والاقتصادية، وقد تحدثتُ قبل ذلك عن التربية. إن الحل يكمن في إنجاز مشروع مجتمعي واضح ومتماسك وشجاع. ولنشبه الأمر بأنه النملة في داخلنا التي ستتحرك لمواجهة الحركات المتطرفة والظلامية، وليس اللقلاق.
يلاحظ أن الدولة هي المشرف على هذه المهرجانات من خلال رجالاتها، بل بدأنا نلاحظ منافسة شرسة بين هؤلاء الرجالات لتنظيم المهرجانات فالدولة تراقب والمجتمع يتقبل دون أن يكون فاعلا في هذه المهرجانات، ألا يشكل هذا نوعا من الخطر على المجتمع؟
لقد كتبت كثيرا من النصوص حول هذه المسألة. صحيح أنه لا يمكن فعل شيء دون سند، ودون تدخل لتناوب السلطة، غير أنه في الوقت نفسه لا يمكن لتناوب السلطة أن يفعل شيئا من دون مبدعين. يجب على الأقل أن نهنئ أنفسنا على أن هناك سلطات تضع اسمها ومهاراتها في خدمة الثقافة.
[email protected]