قريتنا بيضاء البيوت في مرعى الحلم تحلب أبقارها للقفار البعيدة.. وتحفر في صدرها العليل أبارا للسعال..
تمد أنابيب الرخاء لتتنفس مناخير تعساء الأرض ولتعلو مداخن سماسرة القار بحرقتها.. قريتنا الهرمة الأحجار
تنسدل من نوافذها جدائل العذارى تحت سور العنكبوت تغزل من الليل شبكة غرام بنهارات مخبلة لا تصل
طوابير العشاق وراء مأذون لا يلتفت..

,, قريتنا العامرة بالولائم للصيارفة ومحامي ضحايا النطاح القديم وتجار النواح الأجنبي ,, تعاف قباب أعلافها
الدسمة كتلال الأرز القديم مجهول النسب.. تصحو على قرقرة الديوك الغافية وشخير الدجاج فوق مصارف
الجوع المحلى عند مكبات الصكوك السانحة الدفع.. تضارع العالم بماضيها كمقدس أضاحي ونذور واجبة
السداد للآلهة البعيدة ,, وهي تعتاش بفتات السرايا وتعيش كأهراء كوزمية الجود آفاقية النقود ,,
قريتنا المنفرجة البيكار سطرتها الحصص ,تتبضع أحشائها حقائب سياحة القطران وحضارة الحفارات...
قريتنا طوحها السعد الخاطف عربة بسكة قطار منهوب وامتطاها جباة الريح.. تغسل وجومها بنكد
خشن ,, و تنكش بين كروشها الخاوية عن صرة عدم لم ينفجر...

عند بوابة قريتنا المتخمة بالقادمين ينتظر المرابين والدَيانة ,, حصصهم من تعويضات تهمة حجز مرضعات البلغار
ورعاية كباش شعب مجاعة البطاطس وراء بحر السكسون من عبيد وليم الفاتح المتهمون بجلب تقنيات عيدان
الثقاب من مواقدنا... قريتنا تتنهد بضرعها ليشرب العالم صباحه الطازج من براميل حليبنا السوداء..
ولازال سر المناعة في حقنة مجهولة مغروزة بشبح مغلول....

قريتنا تبلسم الاغارقة بملايين الدراخمات المستعادة من دين قورينا لأخيل هادم طروادة.. ليدبج هومر
المبعوث بألواح الأكروبولس لأثيكا وكل هيلادا المجيدة أوديسة المشواشي بخط البازوكا بطلها بابانديرو
الابن ولص بغداد ,, بعد أن انفرطت عقود الصحراء على رهانات الوقود وسندات القطران بنادي بروكسل
لجدولة الديون منذ ليلة سقوط غرناطة وحتى صباحات مراسي الفرنجة الكئيبة بوصول أحفاد على أشرعة
الهجرة quot; كونتا كينتا quot; إلى شمالهم عبر شواطئنا المثقوبة.....

قريتنا المعصوبة الكفين , الملطومة الخدين مطفأة الدموع ,, تنتظر جباة الكراكون لذرية المختار عند مهد
الغبار الأخير ناحية الضريح بفاتورة الشهر من ضرائب القمامة وكيلوات الكهرباء ورويشتات العلاج..
فلا تجد بجيوب الأحداق وصرر الذقون غير انكشاف أرصدتها عن غلة البكاء القديم وحفنة مناديل للبكاة
الجدد وورثة العيون...

قريتنا تنفطها الأغيار وخردها مجلس الأمناء الرباعي المعاول عشريات إقطاع وأرض مشاع لحفر الأبار عن بعد...
يشفط فيها لحم القرويين عن عظمهم بمكشط أكلة القوت المسلوب ,, فالبقاء للأشرس كما توحش المعنى بحكمة
دروا ين المعدلة سياسيا,, فماذا بقي في الأنف غير عطسة الروح لتنفض القرية جسدها على درب بائدة ,,
لتذرع عقرها ريح الفناء محمية عاديات وخرائب ! ؟...

قريتنا الظنينة الأحضان ,, أرخبيلية الانشطار تقطع شرايينها عقارب الزمن المقلوبة اللسع ,,,
تضارع العالم بماضيها كمقدس أضاحي ونذور واجبة السداد للآلهة البعيدة,,, وتعيش كأطلال
كوزمية الجود آفاقية النقود ,, تتبضع أحشائها حقائب سياحة القطران وحضارة الحفارات ,,...
قريتنا طوحها السعد عربة بسكة قطار مخطوف وامتطاها جباة الريح......ولا تطوق بأصابعها
أكفها الممدودة بدلا على كل ابتزاز من ظهر إثم رخيص ...

أهل قريتنا غادروا إلى بحر الحليب رهط ثغاء,, رضعوا بأرض النحل شمع الأساطير.. ومضوا ثم مضوا تتلوهم تعاويذ الملح للموج أبجدية نجاة وأنشودة كشافة فراديس بشراع مثقوب وشعار قرصان يرف بعين الأفق.. وصاروا زرقة تغلي ثم صاروا زبد يفور بيم الريح.. حتى استحالوا أفواه مواء بذيول أعاصير سليطة .. لا ضروع وجدوا ولا شط البقر ,, لا زبدة الليل أشعلت فنارات الخبز ولا انتفض للنهار طحين الشبع .. البعض انتحر والبعض ينتظر.. وما كذبوا للغرق خبر.. لا تستعجل ,, انتظر ,, انظر ثمة خرق ببطن السفين !! ثمة مسمار وبقع نبيذ الربان !!...

.... يا دودة القز وطني المرقع بالتوت أحق بحريرك...


شاعر وكاتب ليبي