عن دار فضاءات في عمّان صدر حديثاً كتاب "فلسفة الأخلاق عند نيتشه وأثرها في الفكر العربي الحديث والمعاصر: سلامة موسى أنموذجاً" للباحثة الأردنية نهلة الجمزاوي، يتضمن ثلاثة فصول، وقف الفصل على حياة نيتشه وفلسفته الأخلاقية، كوحدة واحدة انعكس كل منهما على الآخر، كما فصّل، إلى حدّ ما، مكونات فلسفته الأخلاقية المتمثلة في إرادة القوة، والإنسان الأعلى، والعود الأبدي. كذلك تضمن الفصل ذكراً لأبرز كتبه، ورصداً لمواقفه الاجتماعية، والسياسية، وانعكاس فلسفته على مجمل نظرته للكون والحياة. أما الفصل الثاني، فبحث في أثر فلسفة الأخلاق النيتشوية على عدد من المفكرين العرب، بين معارضين وأنصار، ضمن المنظومة الفكرية، والسياسية، والاجتماعية، التي أحاطت بهؤلاء المفكرين، منذ بداية عصر النهضة، أو ما سمي بعصر التنوير، وما بذلوه من جهود، وما واجهوه من عقبات في محاولاتهم لتسويغ فلسفته، بوصفها، أداة من أدوات التنوير.
وبحث الفصل الثالث في أثر فلسفة نيتشه الأخلاقية على فكر سلامة موسى، عارضاً لمحةً موجزة عن حياته، والظروف الاجتماعية والسياسية والفكرية التي أحاطت به، متتبعاً هذا الأثر عبر أبرز كتبه التي ظهر فيها نيتشه جلياً، وكذلك من خلال ما صرّح به موسى حول علاقته بنيتشه بشكل مباشر، وما شهد به الباحثون حول تلك العلاقة، إضافةً إلى رصد ومقاربة لأثر نيتشه في فلسفة موسى عبر نماذج تطبيقية من كتاباته، ومقارنتها بنماذج مشابهة لدى نيتشه.
السؤال الذي حاول الكتاب الإجابة عنه هو: كيف استطاعت هذه الفلسفة الغرائبية أن تتغلغل في الفكر العربي، وإلى أيّ مدى تركت آثاراً في هذا الفكر، الرازح تحت نير التخلف السياسي، والاجتماعي، والاقتصادي؟ كما عرض الكتاب مجموعة من أولئك الذين سنحت لهم الفرص، بالتعرف إلى فلسفة نيتشه، سواء أثناء الدراسة في أوروبا، أو ممن اطلعوا على الفكر الغربي في بلدانهم، ووجدوا في اللحاق بركب الحضارة الأوروبية، وتقمصها فكراً وسلوكاً، الوسيلة الفضلى للخلاص من أسر الجهل، والتخلف، والاستبداد التي كانت تطبق على الوطن العربي آنذاك.
من جانب آخر يبحث الكتاب، بإيجاز، في المناخ الفكري العربي، والأزمات التي حاصرته في تلك المرحلة، ومدى تأثيرها على مستوى تلقي فلسفة نيتشه، وكذلك أثر نيتشه في أولئك المفكرين، وكيف استطاعوا تسويغ تلك الفلسفة، لتتلاءم مع طبيعة المناخ الفكري العربي آنذاك، إلا أنّ سلامة موسى هو أنموذج هذه الدراسة، فرغم استقائه من ينابيع الفكر الغربي بمذاهبه المتناقضة أحياناً، جمع بين تلك المذاهب الفكرية والفلسفية، كالنيتشوية، والماركسية، والداروينية، دون أن يتشظى فكره أو نتاجه الذهني، بل ظلت أطروحاته التنويرية، متماسكةً واضحة الهدف، واستطاعت أن توجه جيلا كاملا، صوب فكر تنويري عملي، في محاولة لتخليص مصر خاصةً، والشرق عامةً، من ظلمتي الجهل، والتخلف اللتين كانتا تطبقان على الوطن العربي، بفعل الاستعمار الأجنبي من جهة، وسيطرة أرباب الفكر الأصولي، من جهة أخرى.
ورغم أنّ موضوع البحث واسع ومتشعب الأطراف، فقد استطاعت نهلة الجمزاوي الخروج بنتائج تدل على ذلك الأثر، إذ وجدت أن نيتشه كان له حظ يسير في الثقافة العربية، المتعطشة لاستقبال كل جديد ترى فيه أداةً للتنوير، لكنه لم ياخذ حقه، عربياً، من الدراسة والبحث.
&