لم تكتسب السعودية مكانتها العربية والإقليمية والإسلامية بالثراء النفطى أو القوة المسلحة أو تأجير ميلشيات تشن حروبا بالوكالة عنها.. لكنها عبر قرن كامل من التحولات والحروب العالمية والفكرية احتفظت المملكة بسياسة رصينة كقلعة شامخة، لا تنحنى للعواصف سواء أصاب العالم من حولها هوى لينبن أم عشق الخمينى.. ظلت الرياض ثابته الجنان سواء تحولت الدول الى قومية أو ناصرية أو إخوانية.. تقلبات العالم لم تؤثر فى الطقس السعودى المعتدل المتصالح مع نفسه..

انا هنا اقارن بين دولة قوية تثق فى نفسها ودولة مثل إيران تجند عملاء وميلشيات لتصدير التشيع فى المنطقة تحت ستار ما يسمونه الثورة الإسلامية.

الحقيقة أن الإرهاب لا دين له.. وحتى وأن تدثر فى بعض الأحيان بدين يعادى دينا اّخر أو مذهب يتغلب على مذهب اّخر..

عظمة السعودية انها تحترم قانونها وتطلب من الجميع مواطنين ومقيمين احترامه.. لا تستثنى أحداً.. الإرهاب قد يتستر تحت ستار الكفاح المسلح أو الجهاد فى سبيل الله وكلها أسماء حلت محل الشيوعية التى راحت فى الستينات والسبعينات والخمينية فى الثمانينات والتسعينات..

السعودية لاتنتقم من الشيعة كمذهب، ولكنها تعاقب من يدمر ويخرب ايا كانت مذهبيته.. فرغم كل الجرائم التى حدثت للسنة فى العراق وسوريا على يد شيعة مثلا، لم تفرض السلطات السعودية على الشيعة السعوديين مراجعة عقائدهم وشعائرهم ونصوصهم بعد أن ذبح زملائهم الاف السنة وعذبوهم فى السجون وحرقوهم احياء..

من ثم قام رجال الأمن فى السعودية بالقبض على مرتكبى جريمة الإحساء فى حسينية المصطفى خلال ساعات وصرح المسئولون انه ستنزل بهم أقسى العقوبات..&

السعودية وطن نهائى لجميع مواطنيها.. لذا عندما قام شاب سعودى مختل عقليا بمهاجمة حسينية وقتل خمسة أشخاص، فان السلطات لا تتجاهل الجريمة ولا تبرر الأقدام عليها ايا كانت ظروف المجرم النفسية والعقلية..&

السعودية تبعث برسالة واضحة لإيران.. انها لا تنتقم مذهبيا كما يفعل عملاء طهران فى العراق الذين قتلوا مثلا 73 شخصا فى هجوم على مسجد مصعب بن عمير فى 24 أكتوبر الماضى خلال صلاة الجمعة.. العام الماضى فتح الجيش الصفوى النيران على المصلين فى جامع سارية حيث تكدست جثث سبعين مصل وفى الحالتين لم يتم القبض على الجناة.. ومثل الجريمتين السابقتين ما حدث عند إقتحام جامع مهيجران الكبير فى البصرة ومهاجمة جامع الهارثه حيث لقى سته مصلين مصرعهم فى الحادثين.. مساجد بغداد السنية التى اخرجت أحمد بن حنبل تحولت الى حسينيات مثل السامرائى والأقطاب الأربعة والعشرة المبشرين وغيرها.. لا شيعى واحدا يعاقب فى العراق لأنه يتمتع بحماية مقدسة من الدولة وإيران.. السعودية تختلف فغالبية شيعة الإحساء والقطيف مسالمون وليسوا فى حالة " تمكين " والجريمة بحقهم جريمة بحق القانون السعودى واختبار لأمن البلاد.. المملكة القوية لا تنحاز لمذهب وليست فى حاجة لتحرض شابا طائشا على إرتكاب جريمة يحاسب عليها القانون الجنائى السعودى.. الجريمة تضر السعودية ولا تنفعها.. بعكس إيران التى تتستر وراء عملائها..المذهب الشيعي بالنسبة لإيران يغفر الذنوب ويمحو الخطايا.. والسنة بالنسبة للسعودية إلتزام واحترام.. هذا أول قلم!

(نمر النمر)

القلم الثانى كان عن قضية نمر النمر الذي سخرت وسائل الإعلام العراقية والإيرانية ماكينتها العمياء للنيل من السعودية ولم تبصر ما تفعله إيران أو حلفاؤها فى العراق!

كان خطيب الجمعة فى طهران محمد على موحدى كرمانى، حذر السعودية من تنفيذ حكم الإعدام برجل الدين الشيعى نمر النمر... قال " نحذر السعودية من أن تنفيذ هذا الحكم سيكلفها ثمنا باهظا، خاصة وأن ثلث سكانها من الشيعة ".. وقد سبق لأية الله جعفر سبحانى أحد مراجع قم أن حذر السعودية ايضا، وتوعد بردود قاسية فى حال تنفيذ حكم الإعدام قائلا بأنه لم يفعل شيئا أكثر من إعطاء النصيحة للحكام والامراء.. حتى نائب وزير الخارجية الإيرانى صرح بأن إعدام النمر سيهين مشاعر المسلمين بكل تأكيد، ويثير ردود أفعال دولية..

بعث هاشمى رفسنجانى رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام، وهو رجل معروف بأنه الأكثر تواصلا مع المسؤولين السعوديين، رسالة دعا فيها العاهل السعودى الى " وقف تنفيذ حكم إعدام اّية الله الشيخ نمر باقر النمر الذى أصدرته المحاكم السعودية "..&

محاكمة الشيخ النمر بدأت فى مارس 2013 وعقدت المحكمة 13 جلسة فى قضيته، كما وجهت المحكمة الى نمر المعروف بتأييده للإحتجاجات فى البحرين، وقيادة احتجاجات مشابهة فى المنطقة الشرقية بالسعودية تهما تتعلق ايضا بـ" حمل السلاح فى وجه رجال الأمن "، و " جلب التدخل الخارجى " و " دعم حالة التمرد فى البحرين "..

الشيخ النمر يؤمن بالكفاح المسلح، وهو ضد الحكومة السعودية اسما، وعنوانا، وتاريخا.. المشكلة هو انه ليس الكادر الوحيد الذى دربته إيران وأعدته فى فترة تصدير الثورة الخمينية ثمانينات القرن الماضى.. علينا أن نفكر بأن هناك العشرات من أمثال النمر، عادوا ليكافحوا ضد بلادهم،وليس لينعموا بالسلام والتحول الى حركة إصلاحية سلمية، كما أعلن الشيخ حسن الصفار حينها..

لا يوجد إعلام سنى عراقى يفضح التوجهات الصفوية اليوم، لأنه لم تظهر مؤسسات سنية معارضة للنظام السابق.. فلم يكن فى معارضة صدام حسين شخصيات سنية بمستوى الجلبى وعلاوى والحكيم.. كل الكوادر السنية المهمة هى فى الحقيقة من رجال النظام السابق، لهذا تمت تصفيتها بالكواتم والسجون، وتهجيرها بقوانين اجتثاث البعث، وكذلك بقرار حل الجيش العراقى السابق.. لهذا لا توجد معاضه قوية للحملة الصفوية اليوم ضد السعودية والبحرين مثلا..

من المحزن أن نعرف أنه فى الوقت الذى كان الشيعة ينفقون الملايين بدمشق، لفتح حوزات ومدارس لتعليم وإعداد مئات الكوادر الخطرة أمثال نمر النمر، كان السنة عندهم أمثال مشعان الجبورى، الذى فتح حزبا يكاد يكون لا وجود له بعنوان "حزب الوطن ".

وهذه هى النتيجة بدلا من أن تتصاعد الأصوات للمطالبة بحقوق الاف المغيبين فى السجون العراقية السرية، ومئات الالاف من النازحين فى العراق، لا نسمع شيئا سوى الحرب على داعش، وقضية إعدام السعودى نمر النمر، والمظلومية المزعزمة لشيعة البحرين.. يقول وزير الخارجية العراقى إبراهيم الجعفرى، المتورط الأول بالطائفية والحرب الأهلية فى بغداد " بدأنا التحرك لإقناع السعودية بالعدول عن إعدام الشيخ نمر النمر " فى تلميح واضح بإعدام معتقلين سعوديين فى العراق، وقد صرح إعلاميون صفويون بذلك، وكأن السعودية لا تطالب بهؤلاء لمحاكمتهم أيضا، وكأن الأمن القومى السعودى والقانون مجرد موضوع للمساومة السياسية..

وطبعا السعودية لا تخضع لضغوط وهذا هو القلم الثانى لإيران!

&