حفلت حياة فؤاد عجمي بالعديد من الإنجازات والانتقادات، فقد ذاع صيته ناشطا سياسيا يرفع لواء القضية الفلسطينية. لكنه في الوقت ذاته وصف من قبل البعض باللبناني صهيوني الهوى.


غادر الأكاديمي الأميركي اللبناني الأصل فؤاد عجمي هذه الحياة، التي قضاها مصارعًا أمراضًا عقلية ثقافية عربية، قبل أن يصارع السرطان الذي نال منه عن عمر يناهز 69 عامًا.
&
ففي مسيرته الأكاديمية السياسية الطويلة، ذاع صيته كناشط سياسي، يرفع لواء القضية الفلسطينية العادلة، من دون "بهورات" عربية تستفز الإعلام الاسرائيلي المسيطر على الرأي العام العالمي، ولا تقدم شيئًا لفلسطين.
&
عواصف الممانعة
&
أثارت آراء عجمي عواصف في صفوف الممانعة التاريخة، وفي المتمسكين بالصخرة التي لا تنال منها عوامل التعرية الفاسدة، وكأن هذه العوامل غير موجودة، فتبقى صخرة تتكسر عليها المآرب الرجعية والامبريالية.
&
في كتابه الأول "المحنة العربيّة"، الصادر في العام 1981، دعا العرب إلى القيام بنقد ذاتي، وإلى الخلاص من عقلية المؤامرة الغربية، التي تحولت مشجبًا مهلهلًا، يعلقون عليه فشلهم جراء صراعاتهم التي لا يعرفون كيف يحلونها بأنفسهم. وأتبعه بكتاب ثانٍ هو "قصر أحلام العرب".
&
إلا أن دعوة عجمي هذه وجدت صدى سيئًا لدى أنصار شعار "يا قدس قادمون"، الذي أفرغوه من معناه الحقيقي. يقول الكاتب الممانع أسعد أبو خليل إن فؤاد عجمي درّج في كتابه أسلوب التحرّر الكلّي من اللغة والمنهج الأكاديمي في علوم الاجتماع الغربيّة عند الحديث عن العالم العربي.
&
مجد عجمي
&
فبالنسبة إلى أبو خليل، لم يكن كتاب عجمي إلا مجموعة من الخواطر والتعميمات المكتوبة بأسلوب إنشائي أخّاذ، "ما ساهم في انتشارها خصوصًا أن عجمي في كتابه ترجم للقارئ الغربي نقاشات أجريت في العربيّة عن أسباب ومضاعفات هزيمة 1967، ولا يمكن أن يُكتب كتاب كهذا، مثلاً، عن الشعب المكسيكي أو الأفريقي".
&
يقول: "تضيق كليّات علم الاجتماع هنا بما يُنظر له على أنه اعوجاج أو حيْد عن لغة وأسلوب ومنهج مُتعارف عليه أكاديميًا".
&
ويأتي هذا الكلام في صحيفة الأخبار اللبنانية، في إطار مقارنة الكاتب بين عجمي والصحافي اللبناني سمير قصير، الذي تم اغتياله في بيروت ضمن سلسلة الاغتيالات التي بدأت في أواخر العام 2004. ومجد عجمي أن يجد أبو خليل كتب قصير أسوأ "ممانعتيًا" من كتب عجمي.
&
تهم تُلقى
&
والمناخ المعادي لأي رأي لا يصاقب (يقارب) رأي "المقاومين الأشاوس" استمر في وصف عجمي "باللحدي"، انتماءً إلى العميل اللبناني لإسرائيل أنطوان لحد، حتى إذا وضع عجمي مقدمة كتاب "السعودية والمشهد الاستراتيجي الجديد" للمؤلف الإسرائيلي جوشوا تيتلبوم، الذي أصدرته دار مدارك السعودية أخيرًا، حتى وصفته "الأخبار" نفسها باللبناني الصهيوني الهوى فؤاد عجمي، "الذي رأى أنّ هذا الإصدار تصحيح للرؤية السابقة المتصوّرة للسياسة الخارجية السعودية، التي كانت تؤكد تقليديًا أن الهم السعودي الأوّل هو الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني".
&
لا يبدو أن عجمي اهتم لكل هذا الكلام. وهو متى سئل أخيرًا عن السعي الأميركي لصفقة مع إيران، قال إن مكمن السخرية هو أن الأميركيين هم من يبحث عن اتفاق، ومشكلة الأميركي هو أنه خلال التفاوض يجب أن يكون المرء دائمًا على استعداد لصرف النظر عن المفاوضات، "لكن الإدارة الأميركية غير مستعدة، لذلك تبحث عن صفقة". وهو بذلك يقدم وجهة نظر الباحث الأكاديمي، شأنه في كل شيء، من دون أن يشفع ذلك لمن لا يسمع إلا التهويل.
&
الحرب النبيلة
&
من جانب آخر، يصعّب عجمي مهمة الدفاع عن أكاديميته. فهو جاهر يومًا بأنه أحد أكثر الأكاديميين قربًا من إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، وأبرز المنظرين الأميركيين لفكر المحافظين الجدد، وهو من وصف الحرب الأميركية على العراق بـ "الحرب النبيلة"، وهو تعبير لم يسبقه إليه أحد في وصف الحروب.
&
وفي مقابلة معه عن العراق، قال عجمي لـ"إيلاف" إن الزعماء العرب استغلوا كل مناسبة سانحة لإحباط مساعي قيام عراق جديد، "لكن عليهم أن يدركوا أن الشعب العراقي لن يستسلم، وهذا النظام الجديد سيكسب المعركة، ويكرّس استمراريته، تماماً كما حصل مع حافظ الأسد، الذي واجهه الزعماء العرب برفض تام في البداية، وتقبّل تام لاحقًا".
&
وبالرغم من استمرار عجمي في المناداة بالخروج على التطيّف في السياسة، لا يبتعد كثيرًا عن شيعيته، فيصف رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بأنه ثورة بحد ذاتها، "إذ لم يسبق لشخصية شيعية أن تسلمت مقاليد الحكم في العالم العربي"، مصورًا الانقسام السني الشيعي رواية تتمحور حول دمشق وبيروت وبغداد، فدمشق ساقطة بيد العلويين، والشيعة اجتاحوا بيروت، والمالكي رئيس للوزراء في بغداد. يقول "لم يدرك أصحاب القرار في الولايات المتحدة بأننا سنحارب ونسقط نظام صدام لنسلم شيعة العراق مقاليد الحكم".&