قرطبة مدينة قديمة يعود تأسيسها العصر الروماني، غير أن المسلمين طوروها وبنوا فيها روائع من العمران لا يزال الكثير منها قائما يشهد على ما بلغه المسلمون من التطور في فن العمارة، حول هذه المدينة وعلاقتها بالشارقة كانت المحاضرة التي نظمتها& إدارة الشؤون الثقافية في دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة للدكتور نور الدين الصغير أستاذ التاريخ المعاصر في جامعة الشارقة، وذلك في إطار فعاليات& رمضان الشارقة 2014 باكسبو الشارقة.
قال الصغير إن ما يجمع بين قرطبة والشارقة رغم اختلاف الزمن بينهما، هو ما بينهما من ملامح تشابه هو ما قدمته كل منهما للمعرفة البشرية وللأمة الإسلامية من عطاء معرفي واحتضان لأهل العلم والثقافة، ما يجعل مسيرة الإبداع بينهما والنماء متصلة بينهما، ومرتبطة بعدد من أوجه التشابه.
وأضاف إن ازدهار قرطبة كمنارة علم ومنشإ معرفة يعود إلى ما بين عامي 316 هـ و 350 هـ& وهي الفترة التي حكم فيها عبد الرحمن الناصر الخليفة الثالث من خلفاء دولة بني أمية في الأندلس، فقد كان عبد الرحمن الناصر محبا للعلم له فيه باع طويل، مقربا للعلماء، وهو الذي بنى جامع قرطبة الشهير، وجعله جامعة يؤمها طلاب العلم ولا تقتصر على علوم الدين واللغة بل صارت تدرس أيضا علوم الطب والرياضيات وغيرها، وكان عبد الرحمن ينفق على ذلك بسخاء، ويبذل ماله في كل ما من يرفع شأن المعرفة لدى العامة والخاصة، ولاحظ الصغير أن هذه الصفات العلمية التي تحلى بها& هذا الخليفة الأموي تشبه تلك الصفات العلمية التي يتحلى به الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، الذي أحب العلم وتبحر فيه، والزم نفسه بدعمه بكل ما أوتي من قوة، وأن يجعل من الشارقة عاصمة الثقافة والمعرفة في العالمين العربي والإسلامي، واحتضن العلماء والمثقفين من كل العالم العربي والإسلامي، وأقام مشاريع ثقافية كبرى أصبح لها صدى واسع في العالم.
وتحدث الصغير عن جوانب التطور الثقافي والحضاري في قرطبة مركزا على الدور الذي لعبه جامع قرطبة كمنارة إشعاع علمي يقبل عليها الطلاب من كل حدب وصوب، ويقدم كافة التخصصات العلمية، إلى جانب دوره الديني الراسخ كمسجد ومدرسة للعلوم الإسلامية، مما أثمر وجود طبقة من العلماء والمثقفين وجمهورا يعشق العلم ويقبل عليه، ورفع شأن العلم بين الناس، كما شاع السلام والتعايش السلمي بين مختلف أهل المذاهب والديانات التي كانت تؤويها المدينة، حيث كان يقطنها إلى جانب المسلمين يهود ومسيحيون يمارس شعائرهم الدينية دون مضايقة من أحد، وتفتح لهم أبواب المعرفة والتعلم.
وأضاف الصغير أن هذه الأولوية التي أعطيت للعلم هي سر بروز علماء الأندلس، وتبحرهم في شتى العلوم الدينية والدنيوية، وخاصة علوم الطب والفيزياء والفلسفة، فقد برعوا فيها، وتلفقتها منهم أوروبا لتبني بها نهضتها في ما بعد.
واستعرص المحاضر أسماء علماء اشتهروا وكان لهم تأثير يتجاوز العالم الإسلامي إلى أوربا التي خلدتهم في كتبها وآثارها، مثل الطبيب أبو القاسم الزهراوي الذي يلقب بأبي الجراحة، وكذلك العباس بن فرناس صاحب فكرة الطيران التي ألهمت الأوروبيين البحث في مجال الفضاء وإمكان الطيران، وابن رشد الذي لا يزال الأوروبيون يحتفون به ويعتبرونه أهم فيلسوف في القرون الوسطة، كما استعرض المحاضر مظاهر العمارة الإسلامية في قرطبة والرقي الذي وصلت إليه، وكذلك الأندلسيين بالزهور وبراعتهم في مجال العطور التي نفقلوها إلى أوربا.
وختم الصغير بأن تلك المهمات الكبرى التي اضطلعت بها قرطبة قديما ها هي تستعاد اليوم بشكل بارز ومتطور في الشارقة، التي أضحت بسبب تلك المظاهر وبسبب المشاريع الثقافية الكبيرة، ووجود صروح علمية متميزة فيها، أضحت منارة علم وإشعاع معرفي تفخر به الإمارات والأمة العربية والإسلامية.
&
&