&

"كرسي مع الشحم" هو عنوان إحدى أعمال الفنان الالماني (Joseph Beuys جوزيف بويز)* التي تنتمي إلى مجموعة أطلق عليها "زوايا الشحم" وحسب تفسيره الخاص، يعمد في هذا العمل إلى توحيد طاقة الشحم مع استمرارية ونسقية الزاوية القائمة.
ليس غريبا ان يعمد بويز الى استغلال شحنة الطاقة والتعبير القويين لهذه المادة فهو احد مبدعي حركة (فلكسسfluxus ) والتي مارست مجموعة من أعضائها تجربة إدخال المواد العضوية في عملها الفني مثل: اللحم، الأطعمة، الكعك والخبز و الشكولاته وهم ورثة (مارسيل دوشامب) الذي سبق وان استخدم الخضراوات كمادة لأحد أعماله.
واليوم نجد أن التجربة تتخذ مسارا متشعبا ومليئاًُ بالاختبارات حيث يلجأ المبدع إلى استخدام المواد الأكثر قابلية على الزوال أو الخراب أو التعفن أو العكس حيث يستخدم المواد الحافظة مثل الملح أو مادة ( الفورمالين ) الحافظة للأجسام الميتة من التفسخ. وهكذا يوسع فنان اليوم معنى مادة النحت من (وسيط لترجمة ماهية مادة الشيء المنحوت) الى (مادة الشيء عينها وليس ما يترجمها) إذن فأن فنان اليوم لن يتحرز مثلا من أن ينحت بالجلد الحقيقي او حتى اللحم الحقيقي بدلا من الإيهام به عن طريق الطين او الحجر أو المرمر! وهكذا استعيد القول الذي يمس صلب فلسفة العمل الإبداعي ليومنا هذا: الشيء عينه وليس الفكرة عن الشيء، الشيء عينه وليس وصف الشيء.

من هو جوزيف بويز Joseph Beuys
&جوزيف بويز، هو علم مهم وضروري لفهم فن ما بعد الحداثة فقد كان ولا يزال واحدا من أهم رموزه في أواخر القرن الماضي بعد الفنان الفرنسي الأصل (مارسيل دوشامب). وإذ تسنى لنا التعرف على أعماله وأفكاره فلسوف نتمكن بذلك من الوقوف على الكثير مما يقترحه فن اليوم من اتجاهات ووعود للمستقبل.
بويز، حاضر في أكثر تجارب فن اليوم، وبصماته على أعمال الكثير من الفنانين الشباب لا يخطئها الناقد أو المشاهد الحذق ولسوف يلاحظ المتلقي الذكي وبسرعة، أن بويز استند بدوره على تجارب سلفه الفرنسي دوشامب، وخصوصاً فكرة استخدام الشيء الجاهز كعامل من عوامل إنتاج العمل الفني. وان الكثير من إيحاءات فن(الفلوكسسfluxus ) تغذي أعماله الإبداعية وبالأخص استخدامه للمواد العضوية او ما اصطلح على تسميته بالمواد الرديئة أو الفقيرة.
لقد خبر هذا الفنان تجارب حياتية وفنية وروحية مختلفة قلما تعرض لمثلها فناناً آخرا، فحادث سقوط طائرته على الجليد أثناء الحرب العالمية الثانية، حين كان مجنداً في سلاح الطيران الألماني، وتفاصيل إنقاذه من الموت، وأهمية وانعكاس هذه التجارب على حياته وفنه فيما بعد، نزاعه مع زملائه المدرسين في الأكاديمية، حيث كان يشغل منصب مدرس للنحت مابين الأعوام 1961- 1972 والذي أفضى إلى طرده منها ! ومن الجدير بالذكر أن نسجل هنا أسباب هذا الطرد لان لها علاقة جوهرية بصلب مفاهيمية بويز الإبداعية والفلسفية فقد أكد مرارا في الكثير من المحافل والمقابلات ان كل فرد ممكن ان يكون فنانا وان العملية الإبداعية من نصيب الجميع وقد أدى هذا الموقف إلى أن يترك بويز أبواب مشغله الفني في الأكاديمية مفتوحة لجميع الراغبين في الدراسة لديه دون أي تصنيف أو انتقاء للأفضل! وللمرء هنا أن يتخيل كم كان عدد الراغبين في الدراسة لديه فعدا قاعة المشغل التي غصت بالطلبة لم تسلم الحديقة منهم وكان على بويز أن يتصرف كالسيد المسيح!! يدور بين مريديه! أدى هذا طبعا إلى تحول هذه الفعالية إلى فوضى حقيقية مما أدى إلى طرده من الأكاديمية والتخلي عن خدماته كمعلم! ومن الجدير بالذكر ان بويز ذاته كان تلميذا لمادة النحت في هذه الأكاديمية فيما بين العامين 1947- 1952.
لن اغفل هنا دراسته لعلوم النبات والفلسفة ونشاطه من اجل بيئةٍ أفضل للإنسانية وهي النشاطات التي تواشجت مع طبيعة عمله كفنان وتركت بصماتها على نوعية المضامين الفكرية التي اعتمدها فيه.
كان من مؤسسي حزب الخضر الألماني وقدم عروضا ممسرحة في أوقات مختلفة من حياته وناقش بشكل مستمر معنى ووظيفة فن اليوم.
أما أعماله التنصيبيّة والتي تعاملت مع مفردات تتكرر في أعماله مثل اللباد بصفته حافظ للطاقة الحرارية، الشحم بصفته مصدرا للطاقة الحرارية، العسل بصفته رمزا للحيوية، والمحركات الكهربائية، البطاريات، الطين، النحاس، الشمع، الصخر، ولعل من الجدير بالذكر ان نؤكد مدى هشاشة بعض هذه المواد وقصر عمرها مثل العسل والشحم أو الطين غير المفخور وهو الأمر الذي لم يخف على بويز وكان جزءا من صلب مفهومه العام لعمله الإبداعي والذي يؤكد ارتباط مواده بفكرة الزوال والموت. أما منحوتاته ورسومه التي تميزت - بالتلقائية والارتجال كما يبدو من الوهلة الأولى- فقد عالجت مفردة المرأة وبصيغة تذكر بالمرأة آلهة الخصب، والحيوان: الأرنب رمزا للروح في الأساطير الجرمانية وهو يتكرر بشكل ملحوظ في اعماله وأخيرا الأيل والطير.

ولد بويز عام 1921 وتوفي في 1986
عمار سلمان داود كاتب وصانع صور عراقي، يقيم في السويد
&