يوسف يلدا سيدني: يقوم المخرج الإسباني بيدرو المودافار بتصوير فيلم سينمائي جديد، عبارة عن دراما نسائية كئيبة، تحتضن أدق خصوصياتها، من بطولة الممثلة إيما سواريز وأدريانا أوغارتي.
"إمرأة تطوف شوارع مدينة مدريد بصورة مضنية. تسير من دون هدف تقريباً، لكن خلال أماكن مألوفة ومعروفة لديها. تبحث عن شئ، وفي داخلها رغبة في أن يرونها هناك..". هكذا يبدأ بيدرو المودافار حديثه عن شريطه الفيلمي الجديد الذي سيبدأ تصويره في السادس من مايو المقبل.
وإبتداءاً من هذا التأريخ وعلى مدى 12 شهراً، سيمنح المودافار، وبمعية طاقمه الفني، الشكل النهائي لفيلمه الجديد هذا، والذي سينضم إلى سلسلة الأفلام الطويلة التي أنجزها، والتي تصل إلى أكثر من عشرين فيلماً.
&&& يتحدث المودافار عن فيلمه قائلاً "الفيلم عبارة عن دراما كئيبة عن عالم المرأة، ولكن بلمسات خاصة وإسلوب فيه من التضخيم الشئ الكثير، بأقل خيارات الميل الى الكوميديا.".
وتدور أجواء الفيلم في الثمانينات وحتى يومنا هذا. ووقع إختيار بيدرو المودافار على ممثلتين لم يكن يوماً ما من "فتيات المودافار"، وهما كل من الممثلة إيما سواريز وأدريانا أوغارت، حيث تؤدي سواريز مرحلة الشباب في حياة البطلة، بينما تجسد أوغارت مرحلة النضوج في حياتها. ويعلق المودافار على هذا التناوب لممثلتين على شخصية واحدة قائلاً "لا أحبذ الماكياج المفرط لرسم صورة شخصية طاعنة في السن، أو لإعطاء ملامح شابة لممثل ما، وأفضل على ذلك الإعتماد على ممثلين متفاوتين في العمر وترك البقية لخيال المتفرج".&
&وسوف يتعرّف المتفرج، على مدى ثلاثة عقود، على مستقبل وماضي إمرأة إتشحت حياتها بالألم، والهجر، وسلسلة من الرحلات المهمة جداً خلال مسيرة حياتها لأنها، كما يقول المخرج، في كل رحلة كانت تترك خلفها إنساناً ذو أهمية في حياتها، أو شيئاً مهماً يتعلق بحياتها. ومن بين هذه، تخليها عن شئ في غاية الأهمية: إبنتها المراهقة، التي تهجرها من دون سبب واضح. إذ، فجأة تتخلّى عن إنسانة كانت بالنسبة لها كل شئ. و"الصمت" الذي يمثل عنوان الفيلم، إشارة إلى الأم أولاً، ومن ثمّ إلى الإبنة.
ومن بين الممثلات المرشحات للمشاركة في تجسيد شخصيات فيلم المودافار، إلى جانب إيما سواريز وأدريانا أوغارت، هناك إنما كويستا وناتالي بوزا و ميشيل جينر وسوزي سانجيث وبيلار كاسترو وماريام باجير والممثلة الشابة بلانكا بارس، والممثلة المخضرمة الوحيدة روسي دي بالما، ويعلق المخرج الإسباني على ذلك قائلاً "البعض منهن من الوجوه التلفزيونية المعروفة، لكن أنا بالكاد أشاهد التلفزيون، لذا كل ما أستطيع قوله هو أنهن إستطعن إجتياز الإختبار. وأما فيما يخص البقية من الممثلات، كما هو الحال مع ناتالي بوزا، فقد كانت لدي الرغبة، منذ وقتٍ طويل، في العمل معها، وخصوصاً بعدما شاهدت عملها المسرحي (برلين)، ولم أتوان لحظة، بعد ذلك، في طلب إنضمامها إلى طاقم الفيلم. وأما الوجوه الأقل ثقلاً في الوسط الفني فتتحدد في دانييل غارووداريّو غراندينيتي وخواكين نوتاريو".&&
ولكن الجديد في فيلم "الصمت" أنه لا يترك أثره على وجوه الممثلين فقط، بل يمتد إلى الأجواء التي تقع فيه الأحداث. وبصرف النظر عن هوس السير في شوارع مدريد، فأن مخرج فيلم "كل شئ عن أمي" يغيّر جذرياً من طقوسه المعتادة والتي كان يسير عليها في عملية صنع أفلامه السابقة، حيث تسرق منه غاليسيا، وسييرا دي ويلبا، وبيرينيوس في الأراغون، إهتمامه بالأفق القشتالي.
يوضح المودافار قائلاً "هذه القصة كانت قابعة في الدرج منذ العام 2011. كنت تركتها في حينها، وها أنا أعود إليها الآن لإطلاقها. ولعل الوقت لم يحن بعد لصنع فيلم يتطلب تنقلات كثيرة، لكن هذه القصة كانت قد جذبتني إليها بقوة".
ويشير بيدرو المودافار، في حديثه عن سيناريوهاته المركونة جانباً في الدرج والذي يحاول إخراجها إلى النور، إلى السنة التي بدت طويلة جداً بالنسبة له، ولا تزال، حينما خضع خلالها لعملية جراحية معقدة في ظهره، والتي تطلبت إعادة تأهيل طويلة،& لم تنته حتى الآن. ويؤكد أنه في خضم حالته الصحية خطر بباله هجر السينما "كانت فكرة ترك السينما تلازمني دائماً على مدى تلك المرحلة، والتي تعد موضة هذه الأيام، وذلك من أجل إعادة تنظيم حياتي. فكرت في تكريس وقتي للكتابة لا غير، وحاولت أن أتخيّل نفسي في جلد مؤرخ لتجارب الحياة، بصفة صحفي يكتب عن الرحلات، أو كروائي. فعلياً، لم أكن قادراً على القيام بمهمة الإخراج. كانت العملية قد أثارت في داخلي الشعور بعدم الإستقرار الجسماني، مثلما أنا عليه الآن. ولكن، إن كان للأسوأ أو للأفضل، أدركت أن الأمر لا يتعلق بي فقط. إذ أنني أرغب في أن أستمر في الإخراج، لأنه يريحني، وفي ذات الوقت يدينني، إن كان يعجبني أم لا، هكذا هي الحياة".
هذا القرار الذي توصل إليه المودافار في تقرير مصيره يتجسّد اليوم في ستوديوهات تصوير فيلم "الصمت"، حيث طاقم الإنتاج، وقسم الأزياء، والإخراج الفني، والممثلين، يتحركون في أروقة الاستوديو كخلية نحل، ضمن أجواء مفعمة بالثقة العالية التي يمدها المودافار لكل شريط فيلمي ينوي إخراجه.&&&&&&&