&
كانت اوبرا بيلياس وميليساند تُسكر الجمهور والفنانين الذين يؤدونها على السواء منذ عرضها الأول في عام 1902. ورغم ما تزخر به اوبرا كلود دوبوسي من موسيقى سوداوية تبعث على التوجس فانها تفلح في ان تكون غاوية بقدر ما هي مقلقة. &وكانت رؤية دوبوسي للاوبرا في مطلع القرن العشرين تختلف اختلافا جذريا عن اعمال فاغنر الموسيقية الدرامية التي تتسم بصناعة الأساطير الدينونية. &فان موسيقى الفرنسي كانت بدلا من ذلك تتجه نحو الداخل ، وفي الأداء المتميز لها يشعر المرء بأن كل نوتة وكل مقطع يميط اللثام عن الحياة الداخلية ليس لشخصيات الاوبرا فحسب بل لكل واحد من جمهور الحاضرين. والتقى المايسترو سايمون راتل والمخرج المسرحي بيتر سيلرز لتقديم نسختهما الخاصة من الاوبرا في لندن ضمن مشاريعهما التي شملت مؤلفات باخ مثل آلام القديس ماثيو.&
ولكن اوبرا دوبوسي التي لا تحب الأماكن المغلقة تختلف تماما عن دراما الآلام ذات الطابع الطقوسي عند باخ. &فالقصة تروي علاقة حب ثلاثية مأساوية عن غولو الذي يعثر على ميليساند شابة غامضة مصدومة نفسيا في الغابة ويتزوجها. &ولكن علاقة تنشأ بين ميليساند واخ غولو غير الشقيق الأصغر منه بيلياس. &وفي الجو العطن للقلعة التي يملكها جد غولو الرهيب اركيل لا تكون نهاية العشاق الثلاثة سعيدة. فان غولو يقتل بيلياس وميليساند تموت بعده بفترة قصيرة على انغام موسيقى دوبوسي الرائعة والمخدرة بصورة خطيرة. ونقلت صحيفة الغارديان عن المايسترو راتل ان اوبرا بيلياس وميليساند من أكثر ما كُتب من اعمال اوبرالية حزنا وهي اول اوبرا قدمها بالتعاون مع المخرج المسرحي سيلرز في عام 1993 وإذا لم يقدمها كل 5 الى 10 سنوات يشعر بالتعاسة. &واضاف ان من ينظر ابعد من جمال الموسيقى سيجد اشخاصا معطوبين نفسيا على نحو لا يُصدق وان انتاجهما الجديد للاوبرا يضم المغنين المناسبين لكل واحد منهم. &وحين نجح المايسترو راتل في اقناع المغني كريستيان غيرهارير بالغناء في دور بيلياس ابلغه المغني انه لم يتمكن من النوم بسبب الاثارة التي شعر بها. واشار المايسترو راتل الى ان طريقته وسيلرز في التعامل مع الاوبرا اتاحت لهما عمل ما كان دوبوسي يطلبه ولا يمكن القيام به في دار اوبرا تقليدية. &وعلى سبيل المثال ان دوبوسي تخيل الاوكسترا غابة تجري فيها احداث الاوبرا. &وأراد ان يجلس عازفو الآلات الهوائية حول الاوركسترا لا ان يتجمعوا في كتلة داخلها كما هو معتاد. &ورغم المصاعب التي يخلقها ذلك في التنسيق فانه يعني الايحاء بصدور اصوات الغابة من مكان آخر. &
وقال المايسترو راتل ن الموسيقيين يقلقون احيانا بشأن جمال عزفهم ولكن ما أن يحضر المخرج بيتر سيلزر في القاعة حتى تكون المسألة مسألة معنى ولا يعود السؤال "هل هذا عزف جميل؟" بل يسأل المرء "ماذا تعني هذه الموسيقى دراميا وعاطفيا؟". &وتابع المايسترو راتل قائلا ان دوبوسي اراد ميليساند ان تموت على انغام الكمان. &"وبهذه الطريقة حققنا له امنيته". &
المخرج سيلرز قال ان موسيقى دوبوسي حية ، ملموسة ، مباشرة وصادمة ، تقول ما لا يُقال وتتنقل بين ما يسمو بك الى الوجد وما يبث في نفسك الرعب. &انها اشبه بمستوى الفكر والتوتر المخيف الذي تشعر به لدى مشاهدة فيلم من افلام هتشكوك العظيمة حيث تتقلب العواطف من اتجاه الى آخر ويستمر الواقع في الدوران. واضاف سيلرز ان الصوت يأتي حين يُقدم العمل في دار اوبرا من مكان جلوس الموسيقيين وقد مُزج سلفا كالعكة المصنوعة في علبة تُشترى من أي دكان. &ولكن المثير في انتاج اوبرا بيلياس وميليساند الجديد بالتعاون بينه وبين المايسترو راتل هو انفتاح الصوت في الفضاء وانطلاق الحوار عبر الاوركسترا ومن خلالها. &وهذا يضفي على الدراما حدة موسيقى الحجرات. ولاحظ المخرج المسرحي سيلرز ان اوبرا دوبوسي تعبر عن قوة الرموز التي تُستخدم وسيلة لقول اشياء لا يجوز قولها في العالم الحقيقي.&
الشخصية المحورية في هذا العالم هي ميليساند اللاجئة الهاربة من مكان موبوء بالعنف ولا خيار امامها سوى الرجال الذين يأخذونها معهم. &ولكنها في الانتاج الجديد لم تعد زهرة ذابلة بسبب الظلم والاضطهاد بل امرأة شجاعة حقا. &وان دوبوسي التقط في موسيقاه صوت امرأة وقعت ضحية العنف. &وبهذا المعنى تحتفظ الاوبرا براهنيتها وحيويتها اليوم كما كانت في السابق.&
&