&هنا.. في المحلة البغدادية القديمة التي تقع على شارع الرشيد من جهته الجنوبية واسمها (المربعة) يقع بيت الروائي العراقي الكبير غائب طعمة فرمان ،لكنه اصبح مجرد خربة وفي حال سيء جدا والغريب ان احدا من المؤسسات الثقافية لم تنتبه الى هذا البيت لتمنحه بعض الاهتمام مما يجعله علامة مميزة في تلك المحلة مثلما يمنح الكاتب الراحل قيمة اعتبارية .
&
& & حين ذهبت الى تلك المحلة لاستطلعها فوجئت بمن يدلني على بيت غائب طعمة فرمان ، شعرت بالذهول وانا اقف امام (خرابة) ونفايات في احد الازقة الضيقة المتهالكة الخالية من سكانها بسبب عدم صلاحية البيوت للسكن ،حتى انني لم اصدق ذلك لولا ان الرجل الذي دلني على المكان اخبرني انه ابن عم الكاتب غائب وان غائب ولد في هذا البيت كان يعيش هنا قبل سفره الى الخارج ،فوجدتني اسأله اذا ما كان احد من اية مؤسسة ثقافية ،حكومية او غير حكومية، يعرف المكان او زاره او استفسر عنه ،فنفى الرجل نفيا قاطعا، لكنه استدرك متسائلا :بربك لو كان هذا في احد بلدان العالم الاخرى هل تركوه هكذا؟ ألم يكن من الاجدى الاحتفاء بهذا الكاتب البغدادي الكبير الذي يعشق بغداد وكتب قصصه وروايته عنها وعن ناسها ،ويشهد له القريب والبعيد بذلك ، فلماذا عدم الاهتمام بتاريخه &كونه احد مبدعي بغداد؟
& & شعرت بالخيبة اولا والحزن ثانيا وانا استمع الى تساؤلات هذا الرجل البسيط الذي يعمل نجارا ، لان مثل هذا البيت لروائي عراقي كبير يهمل بهذه الطريقة وكان من الممكن ان يكون متحفا او مركزا ثقافيا يضفي على المحلة البغدادية زهوا وحضورا مثلما يمنح الحركة الثقافية حافرا مهما والاهم ان في ذلك تكريم للكاتب الراحل وما حقق من انجازات ابداعية لها اثر في المجتمع العراقي ،لكنني سرعان ما سخرت من نفسي وحرقة دمي وهززت يدي وهمست : على اساس المؤسسة الثقافية او الحكومة لم تهملا شيئا وما بقي الا الاهتمام بروائي ميت لا يعرفون عنه شيئا !!.
&كان المكان مزريا ، سواء داخله او ما حوله او الزقاق الذي هو فيه والروائح الكريهة تنبعث منه وكل شيء يدعو للتقزز ، فيما التساؤلات راحت تتطاير من رأسي مثل فقاعات لانني اعرف ان مثل الامور غير مستحبة في العراق الذي لم يسبق له ان فعل مثل هذا .
ولكنني طرت مع تخيلاتي وقلت: من الممكن جدا ان تتخيل احداث روايته الشهيرة (النخلة والجيران) التي استقاها من واقع هذه المحلة ، ان ترى بعد قليل شخوصها بكل ما يحملون من من نماذج انسانية ويتهادون داخل الزقاق، فجأة وجدتني مع هذه التخيلات اتمنى لو ان البيت تحول الى متحف فعلا يعنى بالكاتب غائب ويضم كل اعماله الروائية والقصصية التي ألفها او التي ترجمها وتحولت &شخوص (النخلة والجيران) الى شخصيات شمعية او مثل شخصيات المتحف البغدادي وتصاحبها اصوات حوارية تنبعث منهم ، ان نشاهد (سليمة الخبازة ) وهي تصنع الخبز العراقي في ( التنور ) الطيني، ونشاهد (حسين) الذي لا يعرف غير التسكع في الطرقات ، ومصطفى الدلال ، رجل التناقضات والمحتال ، وتماضر البنت المسلوبة والمقهورة والضائعة، وصاحب ( البايسكلجي ) مصلح الدراجات الهوائية ، المحبوب من الناس وصندوق اسرار اهالي المحلة .
& ومن الممكن الاستفادة من شخصيات رواياته الاخرى ، اعتقد ان المتحف سيكون علامة فارقة في بغداد وسيؤسس لحالة حضارية راقية ربما تكون تقليدا جميلا ، صفعت خدي احاول ان ايقظ نفسي من تخيلاتها فأنا احلم احلاما مستحيلة .
مواطن بغدادي استثنائي
&يقول الناقد العراقي علي حسن الفواز : لا &أعرف لماذا اتذكر غائب طعمة فرمان كلما جرى الحديث عن بغداد ، المدينة &الموغلة في حميميتها ،المدينة الحزينة وبغداد الذكريات وبغداد الشاطىء &والليالي الملاح ،اذ تبدو هذه المدينة وكأنها اصبحت جزءا من تاريخ حكواتي حافل بالاسرار .&
&واضاف: غائب طعمة فرمان مواطن بغداد الاستثنائي ،تسكنه بالوجع والتذكر ، و رغم انه غادرها مبكرا لكنها ظلت عالقة به مثل رقية يحملها انّى استجار بالامكنة او هبط اليها مثل مسافر زاده القلق والحنين والتذكر ،،مدوّن سري وعميق ليومياتها المدثرة &بالسحر ابدا ، حيث الامكنة المباحة والمغلولة ،وحيث حيوات الناس الذين انخرطوا &في تشكيل نسيج اجتماعي /شعبي يختزن مرارات الامكنة ذاتها &وذاكرتها المرة &واسرارها الغافية تحت جلده وبلاطاتها في آن معا ،لكنه ايضا يحمل لها مذاقات وتوهجات ولذات هاربة & توحي &اليه &بنوع من الانشداد الى &هوس الروح الصاخبة بالحياة والاحلام!!!
وتابع : لقد اطلق غائب طعمة فرمان روحه لتكون نثارا في اثير هذه المدينة الطاعنة فيه ، لا يمكن ان تتلمس رعشات جلدها الطيني &الاّ من خلال الكشف والغوص في ازقتها المتلاصقة بحميمية وكأنها تمنح شبابيكها وشناشيلها المتقابلة احساسا ايروسيا غامضا عبر تبادل النظرات المختلسة او المناديل البيض او القبلات العجولة &!! او ربما تتكشف عبر حواريها او حاناتها ومقاهيها عن ظلال عالقة مثل ايقونات (الادعية )، تحاول ان تمسك الزمن وتعلقه على تخوتها او مزاغلها النابضة بنداء الارواح الحية &واعترافات العشاق القلقة واللجوجة &عند زوايا العتمة المكسورة لحظة هروب اضواء الشبابيك .
مؤلفاته وترجماته&
ولد في محلة المربعة ببغداد عام 1927 وأنهى دراسته الابتدائية والثانوية فيها&
* أصيب بالتدرن في وقت مبكر .&
* سافر إلى مصر للعلاج ليكمل دراسته في كلية الآداب .&
* أتاح له وجوده في مصر الاحتكاك المباشر في الواقع الثقافي القاهري فكان يحضر مجالس أشهر الأدباء المصريين ، مجلس الزيات ومجلس سلامة موسى ومجلس نجيب محفوظ ظهيرة كل جمعة في مقهى الأوبرا.&
* مارس كتابة الشعر أولا ...لكنه أخفق فيه .&
* عمل منذ منتصف خمسينيات القرن العشرين في الصحافة الأدبية .&
يلخص غائب طعمة فرمان مراحل حياته الأدبية كالأتي :&
1 – مرحلة التراث العربي : الشعر، النثر، الكتب والدواوين الأربعة التي كان ابن خلدون يعدها أصولا وما سواها توابع وفروع&
: أدب الكاتب ، الكامل ، البيان والتبيين ، وكتاب النوادر .&
2 – حركة الترجمة التي بدأت أثناء الحرب العالمية الثانية الوافدة من مصر أو سوريا تعزف على نغمات من الأدب الفرنسي والإنكليزي والروسي .&
3 – ذهابي إلى مصر في فترة أعدها من أنشط ألازمان للحركة الأدبية في هذا البلد الشقيق .&
* منذ منتصف الخمسينيات تغرب غائب طعمة فرمان عن وطنه ، لكن ( غائب ) لم يكن غائبا عن وطنه من خلال حضوره في عطائه الروائي الثر ... كما لم يغب الوطن عن غائب طعمة فرمان وهو في غربته التي يقول عنها ( الغربة بالنسبة لي كانت حبا وشوقا إلى وطني ، وكانت امتحانا قاسيا للوطنية عندي ) .
* توفي في موسكو في العام 1990
& الأعمال الروائية والقصصية &
- حصاد الرحى ( مجموعة قصص ) 1954
- مولود آخر ( مجموعة قصص ) 1959
- النخلة والجيران (رواية) 1966
- خمسة أصوات ( رواية ) 1967
- المخاض ( رواية ) 1973
- القربان ( رواية ) 1975
- ظلال على النافذة ( رواية ) 1979
- آلام السيد معروف ( رواية ) 1980
- المرتجى والمؤجل ( رواية ) 1986
- المركب ( رواية ) 1989
ترجماته&
ترجم نحو ثلاثين كتابا ونال جائزة رفيعة على جهده في هذا الجانب ومن ترجماته
أعمال تورجنيف في خمسة مجلدات
القوزاق لتوليستوي
مجموعة قصص لدستويفسكي
مجموعة قصص لغوركي
المعلم الأول لايتماتوف
مجموعة أعمال بوشكين
لاشين عملاق الثقافة الصينية
&
&
&
التعليقات