&
&
عن دار"فايار" الباريسية، صدرت ترجمة لرسائل الكاتب الروسي الكبير فلاديمير نابكوف إلى زجته فيرا التي لم يحب إمرأة غيرها .بها ظل مرتبطا حتى اللحظة الأخيرة من حياته. وكان صاحب"لوليتا" قد إلتقى بفيرا في برلين عام 1923.وكان هو في الرابعة والعشرين من عمره.أما هي فكانت في سنّ الواحدة والعشرين.ومنذ البداية وقع كلّ واحد منهما في حبّ آاآخر.وفي عام 1925 تزوّجا.وعند صعود النازيين الى الحكم مطلع الثلاثينات،تركا ألمانيا وتوجها الى جنوب فرنسا حيث أقاما هناك ثلاثة أعوام.وقبل إندلاع الحرب الكونية الثانية إنتقلا الى الولايات المتحدة الأمريكية.ويقال إنهما وصلا الى هناك وليس معهما غير 100 دولار!وعلى مدى ثمانية أعوام ،وقبل أن يحصلا على الجنسية الامريكية،ويتمكّن نابوكوف من أن يصبح أستاذا في جامعة "كورنايل"،عاش الزوجان حياة صعبة للغاية.وكانا يَسْكنان شقّة ضيّقة .وكانت فيرا تصحّح ما يكتبه زوجها ،وترسله الى الناشرين .كما أنها كانت تكتب رسائله.ويقول العارفون بحياة نابوكوف بإن زوجته فيرا كانت وراء النجاحات التي حقّقها على المستوى الادبي.فقد تمكّنت من ان تفرض "لوليتا"،تلك الرواية الجريئة التي تصف علاقة حبّ عاصفة بين رجل في الخمسين من عمره،وفتاة دون سنّ الخامسة عشرة،على كبار الناشرين.وعند صدورها حققّت هذه الرواية شهرة عالمية لكاتبها.ولعلّ فيرا تشبه تلك المرأة في قصّة"باكمان" التي كتبها نابوكوف عام 1924،والتي كانت تجلس دائما خلف حبيبها ،عازف البيانو،في الحفلات التي كان يقيمها .وبسبب ذلك حصل على شهرة كبيرة.فلمّا آختفت تلك المرأة ،ماتت موهبته،وهجره محبّوه وعشاقه!
ويقول بريان بويد الذي كتب سيرة نابوكوف ،وعرف فيرا عن قرب:”لقد عرفت جيّدا فيرا خصوصا خلال الإثني عشرة سنة الاخيرة من حياتها.وتمكنت من أن أحصل على ثقتها.وهو أمر لم يكن سهلا.وفي البداية كانت تثمّن حماسي غير أنها كانت تراقب جهودي من فوق.ولم تكن تبادر أبدا بتقديم معلومات غير مطلوبة من جانبي.وفي الحقيقة أقول بإنها كانت محتالة جدّا بحيث أنها كانت قادرة على تفادي أيّ سؤال يتعلّق بها ،ولا يتعلق بزوجها.مع ذلك كانت تدقّق في كلّ ما أكتب بانتباه شديد.وشيئا فشيئا أخذت تجد متعة في قراءة ،وإعادة قراءة السيرة التي كنت بصدد كتابتها".
وكانت فيرا أول من أقنعت زوجها بضرورة ترجمة عمل بوشكين "أوجين " الى اللغة االإنجيلزية .وكان هذا العمل قد ترجم عدة مرت الى لغة شكسبير غير أن صاحب"لوليتا" لم يكن راضيا عن تلك الترجمات.وقد تطلبت الترجمة خمسة اعوام من العمل الدؤوب. وقامت فيرا بكتابة كل صفحات المخطوط تماما مثلما فعلت زوجة تولستوي مع "الحرب والسلام".
وعندما حصل نابوكوف على الشهرة والثروة ،إستقرّ مع زوجته فيرا في أحد الفنادق الفخمة بمدينة"مونترو" السويسرية .وحتى وفاته في شهر يوليو-تموز 1977 ،ظلّ يمارس هوايته المفضّلة المتمثلة في صيد الفراشات.وكانت فيرا الى جانبه دائما وأبدا.لذلك يبدو أنهم على حق أولئك الذين يقولون بإن نابوكوف وزوجته فيرا نجحا في أن يجعلا من زواجهما عملا فنيا بديعا!
هنا 3 رسائل من نابوكوف إلى زوجته:

26 يوليو تموز 1923
سولياس-بون- -فار(فرنسا)
نعم، أنا بحاجة إليك يا حكايتي البديعة العجيبة. فأنت الإنسان الوحيد الذي بإمكاني أن أتبادل الحديث معه-حول التلوينات الدقيقة لسحابة، ونشيد لفكرة، الوحيد الذي يمكنني أن أقول له اليوم،وأنا أنطلق إلى العمل، بإنني نظرت في وجه زهرة عباد الشمس فابتسمت لي بكل حبّاتها. هناك مطعم روسي صغير جدا في أكثر الأحياء قذارة في مرسيليا. فيه أتناول طعامي مع بحارة روسيين، ولا أحد يعرف هويتي، ولا من أين أتيت، وأنا نفسي أندهش من نفسي لأنني كنت قد وضعت ذات يوم ربطة عنق، وانتعلت حذاء أنيقا. الذباب يحوم حول بقع "البورشش" والنبيذ، ومن الشارع تتعالى طراوة اللهجات الخشنة، وصخب الميناء الليلي. ومتنصّتا، وناظرا إلى كل ما حولي، فكرت في أنني أحفظ قصائد رونسار عن ظهر قلب، وأعرف أسماء عظام الدماغ، ونسغ النباتات، والجراثيم... الى القاء في فرصة قرييبة ، يا سعادتي الغريبة، ويا ليلي الطريّ.
&

24 جانفي-يناير 1924
براغ
&
عندما كنت في سن السابعة عشرة، كنت أكتب بمعدل قصيدتين في اليوم الواحد. وكل قصيدة تستغرق كتابتها عشرين دقيقة. وكان مستواها مُسترابا، إلاّ أنني لم أكن أسعى إلى أن أكتب أفضل منها، معتقدا أنني كتبت أشياء رائعة وهو أمر يمنعني من التفكير. الآن أعرف أنه عندما نكتب، فإن التفكير يكون عنصرا سلبيا، والإلهام أمر إيجانبي، لكن التحامهما هو الوحيد الذي يولّدُ اللمعة البيضاء، والرجة الكهربائية لابتكار متكامل المواصفات. والآن وأنا أعمل على مدى 17 ساعة في اليوم، ليس باستطاعتي أن أكتب أزيد من بيتين شعريين (يمكنني أن أتلفهما بعد ذلك) وهذه خطوة إلى الأمام. أتذكر كيف أني ضحية نشوة ضبابية-كنت أختار الكلمات الطارئة والعرضية لكي أعبر عن فكرة طارئة وعرضية. في ما بعد- وهذا لايزال يحدث لي إلى حد هذه الساعة- عرفت روايات حب حقيقية ولغوية فيها أداعب وألاطف على مدى شهر، كلمة تولّهْتُ بها .وهكذا كتبت قبل وقت قريب قصة بكلمة"إعصار". ولعلك لاحظت ذلك..كل هذا لا يمكنني أن أرويه إلاّ لك. وأنا إزداد إقتناعا يوما بعد آخر بأن الشيء الوحيد الذي يليق بالحياة هو الفن.
&
12يوليو-تموز 1926
برلين
أود ألاّ يكون هناك شيء آخر في هذه الرسالة سوى حبي لك. ،لك أنت يا سعادتي في الحياة. وحين أفكر أنني سأراك قريبا،وأنني سأحتضنك، يستبد بي شعور رائع حتى أنني أتوقف عن الحياة لمدة للحظات. وخلال كل هذا الوقت لم أفكر إلاّ فيك ولم أحلم إلاّ بك ولازلت أحلم بك بومضات خاطفة.وعندما استيقظت، لم أتمكن من أن أتذكر الحلم كله، لكني شعرت أنه يحتوي على شيء بديع مثلما نحس قبل أن نفتح أعيننا بأن الشمس مشرقة في الخارج-وفي ما بعد، بغتة مع إقتراب المساء، أعيد التفكير في الحلم، وها أنا أدرك أن شيئا رائعا ،ولذيذا كان مخفيا في الداخل، ولم يكن سوى وجهك،وحركة منك،كانا قد تسلّلا إلى حلمي وجعلا منه شيئا ممتازا وثمينا للغاية وأبديا. وأود أن أقول بإن كل لحظة من لحظات يومي هي بمثابة قطعة نقدية حفر على قفاها وجهك ،وإذا ما أنا لم أتذكرك في كل لحظة، فإن ملامحي نفسها تتغير -أنف آخر، شعر آخر، أنا أخرى، حتى أنه يصبح من العسير على أيّ شخص التعرف عليّ. يا حياتي، يا سعادتي، يا مخلوقتي الرائعة، هناك شيء أطلبه منك دائما. افعلي كل شيء لكي أكون الوحيد الذي ينتظرك في محطة القطار. بالإضافة إلى ذلك، عليّ أن أكون أنا الوحيد البذي يعلم بقدومك،وإلاّ سيفسد كل شيء. وأود أن تعودي في صحة جيدة ،وغير منشغلة بالمشاكل العملية التافهة . كل شيء سيكون على ما يرام. يا حياتي، لقد تقدم الليل، وأنا متعب قليلا. السماء مرصعة بالنجوم. وأنا أحبك،أحبك، أحبك. وهذا ما يمكن أن يجعل عالمنا الهائل مشرقا بأحرف إسمك.
&