في روايته "الدجال"، التي يصفها بأنها بلا خيال، يكشف خافييه سيركاس بقايا الذاكرة المغلوطة التي صاغها دجال اسمه إريك ماركو عن التاريخ الإسباني في أيام الحرب الأهلية والعلاقة مع ألمانيا النازية.

إيلاف من بيروت: فيما يتبادل الوزراء في مدريد والقوميون في كاتالونيا روايات متناقضة، تؤكد الحوادث في إسبانيا ما يقوله خافييه سيركاس في كتابه "الدجال" (The Impostor المكون من 432 صفحة، ترجمة فرانك وين، منشورات ماكلهوس برس، 20 جنيهًا إسترلينيًا): "ليس الماضي إلا بعدًا من أبعاد الحاضر".

خداع الذاكرة الإسبانية

لم يقم أي كاتب إسباني بدراسة الجروح الدنيئة لتاريخ البلاد بدقة أكبر ممّا فعل سيركاس. فبعد كتابه "جنود سالاميس" (2001) الحائز جائزة، وكتاب "تشريح لحظة" (2009)، عاد إلى الحرب الأهلية الإسبانية وتبعاتها المتنازع عليها في رواية غريبة بلا خيال كما يسميها، أو في قصة حقيقية يعجز حتى أجزل الرواة خيالًا عن ابتكار مثلها.

كذب نبيل
موضوع الكتاب إنريك ماركو، وهو شخص حقيقي، يكاد يبلغ المئة من عمره. في ثمانينيات القرن الماضي، عندما بدأت إسبانيا الديمقراطية الحديثة تستعيد ذاكرتها العامة للحرب الأهلية والدكتاتورية، ظهر هذا الاتحادي الكتالوني بوصفه متحدثًا جذابًا بلسان الناجين الإسبان من الترحيل إلى معسكرات الاعتقال الألمانية.

في محادثات لا تعدّ، قام ماركو بإحياء تاريخ مأساوي يشهد على البربرية النازية. ثم، في عام 2005، اكشتف أحد المؤرخين أنه دجّال وكاذب ووقح يتعذّر ضبطه. وكان ماركو قد ذهب إلى ألمانيا عاملًا متطوعًا، وليس سجينًا كما ادّعى. لفّق هذا المؤرخ مآثره المضادة لمزاعم فرانكو، ومع ذلك، وبعد فضحه، برّر "الدجال الصفيق" ادّعاءه بأنه "كذبة نبيلة غير أنانية"، فتحت أعين الشباب على شرور المحرقة.

بقلّة حياء، استمرّ هذا الروائي نفسه في تزيين سيرته الذاتية ببريق ملحمي.

خداع الذاكرة
من خلال مزج البحوث المكينة والنّزقة، والمقابلات السجالية مع الزاعم الساحر، يتابع سيركاس بدقة كذبة ماركو الكبيرة. وبصفته مؤلفًا يجول قلمه بين الواقع والخيال، فإنه يستجوب جاذبيته الخاصة في ملحمة الخداع هذه: "ربما لا يمكن إلا لدجّال أن يخبر قصة دجّال".

وبينما يزيل "قشرة البصل" عن هذا المحتال، الذي لا نظير له، هل يخلق الراوي بدوره خيالًا طاهرًا لنفسه، باعتباره قاتلًا للأكاذيب لا يعرف الخوف؟.

يربط سيركاس خداع ماركو بـ "صناعة الذاكرة"، حيث كانت البلاد كلها تعيد اختراع نفسها. ويبيّن هذا الماضي المتنازع عليه، وتفسيراته له، كمسرحية من الأقنعة والأساطير بنيت حول "كذبة جماعية هائلة".

فلا وجود لمتمرد بطولي، وماركو الملتزم يقف مع الغالبية دائمًا. والواقع أن خدعه "النرجسية والهابطة" لا تكشف عن "التاريخ الحقيقي لإسبانيا". 


أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن "إيكونوميست". الأصل منشور على الرابط:
https://www.economist.com/news/books-and-arts/21730853-unmasking-eric-marco-catalan-impostor-javier-cercas-probes-spains-convoluted