&

لمفهوم الاستلاب أو الاغتراب تاريخ يعود الى اللاهوت البروتستانتي أو بدايات القرن السادس عشر ، من لوثر الى كالفن.& ولكن المفهوم فرض موقعه الراسخ في الفكر منذ اواخر القرن الثامن عشر وهو ما زال حتى هذا اليوم من المفاهيم الفكرية البارزة في الفلسفات الحديثة كما في علم الاجتماع وعلم النفس.& وتعددت استخداماته على مدى قرنين من تطور الفكر الفلسفي والاجتماعي في اوروبا ، لا سيما عند هيغل الذي يتبوأ الاستلاب أو الاغتراب موقعاً مركزياً في فلسفته.&&
&
وفي حين ان هذا المفهوم تبلور بروح احتجاج ونقد للانسان في اطار الدين دفاعاً عن الايمان فانه خرج من عباءة اللاهوت ليعود بروح نقد للدين واللاهوت في اطار الفلسفة دفاعاً عن الجوهر الانساني المستَلب.& ويسجل الباحث السوسيولوجي الدكتور فالح عبد الجبار هذه الرحلة مركّزاً على الفلسفة الالمانية بوصفها الأغزر انتاجاً والأكثر "انهماماً" بالاستلاب الديني.&
&
أهم مَنْ درس الاستلاب الديني بعد هيغل وعرضه بمحتوى جديد هو لودفيغ فويرباخ الذي رأى في عمله "جوهر المسيحية" (1841) ان استلاب البشر يحدث باضفاء صفاتهم على إله ثم يبدأون بعبادته لهذه الصفات ذاتها.& ماركس من جهة اخرى تناول استلاب الانسان أو اغترابه عن نشاطه وعن ثمار هذا النشاط واغتراب الانسان عن الانسان واستلاب ماهيته كجنس بشري على السواء ناقلا نموذج فويرباخ من المجال اللاهوتي الى السوسيولوجي.&&
واستمرت رحلة المفهوم الفكرية خلال القرن العشرين على يد مفكري مدرسة فرانكفورت الأوائل مثل تيودور ادورنو وماكس هوركهايمر وأريك فروم وهربرت ماركوزه ، أو جورج لوكاش ومارتن هايدغر وجان بول سارتر.& ولكن دراسة الدكتور عبد الجبار تركز على المرحلة التأسيسية ، أو الفلسفة الكلاسيكية.& ويخلص الى ان النقد الالماني للاهوت فتح باب إخضاع النص "المقدس" لمتطلبات العقل وحقق مراميه أكثر من أي ثورة فكرية أخرى في اوروبا الغربية.& ويكون بذلك استكمالا لعمل الماديين من القرنين السابع عشر والثامن عشر الذي حاصر اللاهوت المسيحي فتوارى هذا في زوايا صغيرة بينما الرأسمالية الصناعية لا تزال في عنفوانها.& وها هي مباني الكنائس تُباع اليوم في العديد من بلدان اوروبا أو تُحول الى مجمعات سكنية أو قاعات ثقافية للرسم والموسيقى ، الخ.& وتعترف تقارير سكرتارية البابا لشؤون الإلحاد والملحدين بأن نسبة مرتادي الكنائس في اوروبا أيام الآحاد تقل عن 4 في المئة علماً بأن كثيرين منهم يقصدون الكنيسة يوم الأحد كمناسبة للقاء الاجتماعي بالأصدقاء.&&
&
من جهة أخرى يزخر العالم الحديث بظاهرات معاكسة فنجد في قلب العصر الصناعي ـ العقلاني الحديث مؤسسات وكيانات دينية تقوم بدور واسع النفوذ في الولايات المتحدة ، التي تشكل حالة استثنائية في العالم الغربي ، وفي اليابان رمز القسم الحداثي من العالم الشرقي.& فهنا تكيف اللاهوت فكراً ومؤسسات مع متطلبات العصر الحديث واكتسب الحق في الوجود والاستمرار ولكن بصيغ جديدة لا تمت بصلة الى هيمنته شبه الكاملة في الماضي.&&
إذاً بدأ الاستلاب من اللاهوت فكرة موجهة ضد الانسان لحمله على الامتثال وانتهى الى الفلسفة فكرة موجهة ضد اللاهوت دفاعاً عن انسانية الانسان وحريته وعقله.&&
الاستلاب ، هوبز ، لوك ، روسو ، هيغل ، فويرباخ ، ماركس
فالح عبد الجبار ، دار الفارابي ، 180 صفحة
&