&

ترجمة: عبدالهادي سعـدون

فائق حسين (فائق السيد حسين) فنان تشكيلي وغرافيكي (طباع) عراقي ولد عام 1944 في مدينة الناصرية وتوفي في مشيغان الأمريكية عام 2003. عضو جماعة المجددين في الفن العراقي بدايات الستينيات. درس في معهد الفنون الجميلة، وحال تخرجه عمل لفترة في الصحافة العراقية قبل أن يهجر البلاد ليصل إلى إسبانيا نهاية عام 1968 مع بدايات 1969. يدرس الفنون في جامعة مدريد كومبلينتسة. في مدريد مدينة إقامته الأولى يتواصل مع المثقفين والفنانين الإسبان، وبالأخص مع الاستعراب الإسباني، ويعمل معهم لفترة في تصميم الكتب الأدبية العربية باللغة الإسبانية، وكذلك مشاركاته في تصميم مجلة المنارة الأدبية. شارك في ورشات طباعية معروفة في مدريد ومدن أخرى، وترك أعمالاً عديدة في متاحف وأكاديميات ومجاميع خاصة. لم يستقر في مدريد وعاش في مدن اسبانية مختلفة. كما أنه غادر إسبانيا نهاية الثمانينيات من القرن العشرين ليعيش في عدة دول أوربية وأسيوية ,افريقية، وبالأخص فقي دول أميركا اللاتينية مثل تشيلي والإكوادور وغيرها، قبل أن يستقر أخيراً في ولاية مشيغان الأمريكية. ترك لنا ديوان شعر باللغة الإسبانية بعنوان (حراشف القلب) وهو الديوان الحائز على جائزة مدينة ليون الإسبانية عام 1972، وهو الذي نترجمه من الإسبانية إلى العربية كاملاً وسيصدر قريباً في طبعة ورقية، وهنا نماذج منتخبة من هذا الديوان.
أخبار ديوان فائق حسين باللغة الإسبانية (حراشف القلب) قرأت عنه تعليقات ومقالات قصيرة في مجلات أكاديمية تعود لتلك الفترة، وفيها إشارات إلى أن الديوان قد حاز على جائزة مدينة ليون عام 1972. الكتاب منشور ضمن سلسلة شعرية كانت تنشر من قبل بلدية المدينة لتشجيع التجارب الشعرية المحلية أو المقيمة في المدينة. كما أن الكتاب المنشور لفائق حسين لا يشير أن كان فائق حسين قد كتبه بالعربية وترجمه له آخر أو آخرون إلى الإسبانية، ولكن بعض من يعرفه ثل الشاعر الإسباني أنطونيو غامونيدا قد ذكر لي بأن فائق كان يعرض عليه القصائد ويطلب منه التقويم والإصلاح بالأبيات الشعرية لتخرج سليمة باللغة الإسبانية (يذكر غامونيدا أن فائق حسين آنذاك لم يكن يتقن اللغة الإسبانية بشكل يؤهله لكتابة نص أدبي).&
في مقدمة الديوان، يوجه فائق حسين شكره وتقديره لمجموعة من المستعربين لتفضلهم بالتصحيح اللغوي وتقويم الديوان، ومن بين هذه الأسماء هناك: بيدرو مونتابيث، كارمن رويث، سرافين فاخول، ماريا فيغيروا وغيرهم، مما يعني أن إشارة غامونيدا صحيحة تقريباً. ولكن ما ليس لي به علم هل أن للديوان أصل باللغة العربية، وهل سبق نشر أجزاء منه في مجلات أدبية عربية، وهل يحتفظ به فائق حسين وأصدقاء له؟ لطالما أن فائق حسين في المعلومات الشخصية التي نشرت عنه في الصحف الإسبانية وكتب أخرى يشير إلى أنه قد نشر العديد من القصائد في مجلتي شعر البيروتية ومجلة الأقلام العراقية، وهذه المعلومة لم اتأكد منها حتى اليوم.
& هذه التساؤلات وإن جاءت مطابقة أو معاكسة لا تمنعني من أن أقدم (مترجمة للعربية وللمرة الأولى) قصائد من ديوانه المعنون (حراشف القلب Escamas del corazón )، وهي ترجمة حاولت فيها الاقتراب من تلمس مقاصده الشعرية. قصائد فائق حسين تنوع فعلي كبير ما بين المناخ العراقي والوجود الإسباني، الغربة والحضور، الوجود المؤقت والعودة المتخيلة. هذه القصائد عودة لمناخ شخص متفرد سواء في الرسم أو في الشعر كما هنا، ولعلها التفاتة لاسترجاع فائق حسين بيننا، مرة أخرى دون الحديث عن رحيل ومغادرة، لأن رحلة فائق حسين الوحيدة عبر الحرف واللون، فالمدن لم تغره أبداً لذا لم يستقر في واحدة منها مخافة أن تدركه عربة العالم الآخر الصاخبة وتجره من ياقة قميصه الرقيقة إلى الأبد.
أخيراً وقبل الدخول في عوالم فائق حسين الشعرية، أذكر هنا ما كتبه ناشر الديوان على الغلاف الأخير من كتاب فائق حسين الشعري، ولا بد أنه رأي لجنة الجائزة نفسها، وفيه يقول:
&" حراشف القلب، كتاب فائق حسين الأول، ديوان متفرد ضمن ميزة ثقافية تعني ما تعنيه محاولة لتشكيل السلطة الإبداعية للكلمة الشعرية: الكلمة الموحدة، في هذه الحالة، إلى دوار وجودي لا حد له. التنوع الموضوعي في القصائد ظاهر للعيان بشكل واضح: تنوع مجازف، مهدد وضائع، إذ يزين فائق حسين جحيمه بتأكيدات سحرية جامعة لكل التناقضات: الرعب والجمال، الاستحالة والحب، الوطن كشعاع أمومي، الحنو مع الموت. على الرغم من قصره، فديوان (حراشف القلب) يعلن عن نفسه ككتاب فريد داخل بانوراما النتاج الشعري المعاصر".

تعويذة الحنين

عندما أنضجُ في موتي
سأقطف عصير سمومكِ، يا محبوبتي.

إيه، لو كانت لي يدان، لكنت عصرتُ الزمن وسافرت.
إيه لو كانت لي سكين شوق، لقتلت المحبوبة ورحلت.
إيه لو كان لي صوت، لعويت وأخرست أفراسَ الابتهالات.
إيه لو كان لي عينان، لبكيت وملأت هُوة البحر بسمومك، يا محبوبتي.

أنت حبة شعير في مصيدة الخراب
لكن بتذكر حجم المجازر،
حينئذ،
يختلق الأملَ غراماً ساذجاً.


الرقى القوقازية

السلاء تفتحُ رغبتها في داخلي
ما بين مائة ومائة قناع،
على أرضيتها حيث يضطرمُ البخور
ما بين مائة ومائة فخ.

تحدثي، أنت غلتي الرئيسية،
أنت، جيادك الزرق ترعى في كشمير:
قولي، ما على ان أصنع بالعار؟
حدثيني، حطميني؛
حدثيني.

لأنك انتِ العار والسكين،
العار
والسكين
التي بين الأقنعة، بين الفخاخ وفي طقطقة البخور.
احمليني أسيراً في أرزقك؛
حدثيني وشيدي لي سكناً في كشمير.
تحت المعابر وشواهد الماضي
تحت مفاتيح الماضي،
دعيها تطير غيمتي الحجرية
دعي صوتي يغني.
احمليني، احمليني.


طلسم

من بوابات الحلم الجديد
يصلنا الألم الجاف لهذا الضوء.
لك، لي، وللأحفاد
مولدات، فاكهة، وطلاسم.

ربما ننسى.
ربما نهجرُ ابتساماتنا بفكوكها المستهلكة.

من صحراء الحلم الجديد
تمد لنا الأسطورة بيدها الشذرية
مشتتة دخان القلب
جارة الرماد
حتى هناك،
هناك حيث السحر لا يُهزم
بل تدور النصاعة من يد إلى يد:
شعائر، فصول، وعطايا...
هناك الجمرُ حلوٌ
والتنهدات علامات مفرحة.

لك، لي، وللأحفاد
هذا السفرْ.
ما نحتله هنا،
في محطتنا
انتظار طويل
في زمن مقتضبْ.


اعتراف في أيلول


" رأيناكِ مع النجوم التي تستريح من عشقها الليلي،
نقية مثل النسيم قبل هطول المطر
بسيوفك المُنتهكة ببريقها فحسب.
بطعمكِ البحري، أفقٌ وقارب يتقدم،
وفي محياكِ يتجلى نقاء الفاكهة التي هناك أبعد من البحر.
مسافروا آسيا يجلبونك معهم كالعنبر والتوابل
مثل المراهم المجبولة من التراب.
إيه، ليس لك لون ولا مذاق
أنتٍ مثل قماش دمشقي يزين السيوف".

هكذا تعترفُ الآلهة وهي تتشممكِ، وتعض في جسدك.

أما أنا فقد عثرت عليك مطبوعة في قطعة نقدية قديمة.
عثرتُ عليك محلولة في النار الخضراء العظمى.
كنتِ ممسوسة برِقةِ النار
ولم تهدئي إلا مع موتي.


بلا مركز

في البدء
عندما نُزع الكفن عن جسده،
دعونا النعاس كي يتجذرَ فينا.

ها نحن بلا بداية، بلا نهاية ولا وسط:
متعبون، متعبون.
تركنا خلفنا ذلك الصباح
المعشش في حواشي الخطر.

يا مرحباً!
النايات تثقلُ بين أصابعنا المتعبة
والنعاس يمضي بين العين والمرايا.

تسقطُ أسلحة الصوت
خارجك وخارجي ومن كل اخضرار،
والكفن الذي تعثر عليه فجأة
سيكون على الأقل بمثابة إرث.

بلا شك، قلت:
العين شاخت وتحولت إلى بذرة،
لكن اين صورها؟
وأين يُسمع صراخها؟

أسئلة وأسئلة،
والصباح الضائع يتقوسُ في المسافة
إذ تعثر في الختام على ذراعيك الرصاصيتين
وتسلمهما بكل وفاء إلى كفنك.


مجرةٌ مطموسة

توجهْ إلى المدن وحديدها.
توجهْ إلى الطرقات والمقابر والمساكن.
لتخدمك نسورها
وتخرج لملاقاتك الريح.

لقد خلقتَ الارتباك في الأرض الجرداء
ونزفت دماً في المجاري وعند الأبواب
واستقر حالك في مساءات الأنهر.

عندما تهمُ بصعود القلاع،
ولا أثر لأصبع يتحدث ولا مجرات ترشدك
حينئذ
لا طاقة تبقى للتذكر
ولا شيء حي يظل في الرأس.