&
& & في معرض بغداد الدولي للكتاب .. كان اكثر ما يثير الانتباه هو ذلك العمل التشكيلي التركيبي الذي قام في فضاء وسط باحة واسعة بين اجنحة الكتب ،بل انه الأكثر اثارة في المعرض ،وترى زوار المعرض يحلقون حوله ولا ينفكون من التقاط الصور الفوتوغرافية معه ويضعون وجوههم في المرايا التي في رؤوس الدمى الورقية ،ويجلسون على الارض تحت اضوائه كأنهم يستمدون منه شيئا للشغف بالكتاب ،و احسب ان كل من دخل المعرض التقط صورة معه !!.
تقف الاجساد الشامخة المليئة بالكتب وتصعد على مجاميع من الكتب بلغات مختلفة،لا تمثل شكلا هندسيا معينا بل انها تقف بشكل عشوائي ،دمى من ورق ويشرئب منها الورق المكتوب فيه وتتوسط وجه كلاً منها (مرآة) يمكن للمشاهد ان يرى نفسه فيها ، هذا العمل التركيبي يعلن ان الكتاب يرتقي بالانسان ، فكان متناغما مع قيمة المعرض ،وكانت ردود الافعال عنه جيدة ووصف بأنه (بصمة جميلة وأيقونة مميزة وبفكرة بسيطة جدا) ، عنوان العمل (جوهر النور) الذي يقصد به الكتاب ، وهو للفنان التشكيلي العراقي (المغترب في بلجيكا) ستار نعمة ،الذي جاء الى بغداد من اجله ان يسجل حضورا مع الكتاب والمؤلفين وعشاق القراءة ، وقال : بغداد تستحق ان تنفتح على اعمال جديدة وحديثة في الفن التشكيلي بعيدا عن النمطية، والجمهور ذواق وتواق بدليل ان الناس تفاعلت بشكل كبير مع العمل داخل المعرض.

الفن يصنع الفوارق&
فقد اعرب الفنان التشكيلي ناصر الربيعي رئيس تحرير مجلة باليت ، عن اعجابه بالعمل ، وقال الفن يصنع الفوارق ويحيل الأجواء الى محركات المخيلة ...عمل الفنان ستار نعمة وسط قاعة معرض بغداد الدولي للكتاب محاولة مبتكرة لتفعيل مفردات العرض.
واضاف: انه تعبير عن ان الكتاب يراقي بالانسان ، برفع من مكانته بالوعي والمعرفة ،وحتى حينما وضع المرايا فقد كان ذلك لكي يرى الانسان نفسه في المكان الذي ترتقي فيه الدمية وهي صاعدة على مجموعة الكتب وحيث ان الجسد عبارة عن ورق .
فيما قال الفنان ‏احمد ضياء‏ : بدأ البعد الثالث للفضاء البصري المتعلق بالدمى / الانسان / القراءة ، بطرح مجموعة من الأفكار والتظاهرات الخطابية التي تسعى إلى خلق جو تتراكب به الأفعال وتتيح لنا منظومة دلالية واسعة. وما المرآة ذات الجذر اللامكاني إلا محاولة من (ستار نعمة) إلى تأكيد فاعلية القراءة من خلال بناء رؤية عصرية محفزة للاكتشاف والقراءة .
واضاف: قف أنظر من أنت؟، قارئ، مغير. كذا حاول الفنان أن يطرح جملة من مواضيعه فالهرم الكتبي المتواجدة عليه الدمى ما هو إلا دلالة واضحة لرفد الإحصاءات القرائية لمفهوم المتلقي / القارئ بذا تكونت فاعلية من جميع الحضور ليعرفوا ما في موجة هذا العمل. بحيث وقعوا في اسر الارتباط بالكثير من اللوائح المساهمة بتطوير نظرية المرآة والدافعة إلى الوقف على هرم القراءة الفاعلة
الى ذلك قالت الاعلامية جمانة ممتاز : حين يجمعنا ستار نعمة في المرايا العميقة ويأخذنا في نزهة الى جماليات الفن التشكيلي.. في معرض بغداد الدولي لسنة ٢٠١٩، تنتصب ستة مجسمات لنساء ورجال مغطاة باوراق الكتب بأبجديات مختلفة بين العربية والانكليزية وغيرها، وبدلا من وضع ملامح وجه الانسان، استعان الفنان بالمرآة ليصبح الجمهور جزء من العمل، فعندما ينظر الفرد الى المرآة في اي من المجسمات، سيرى نفسه ويصبح وجهه مكملا لهذا الجسد، اي من الممكن ان يكون هو هذا المجسم.
واضافت : على منحى آخر، يبدو العمل المغطى بالورق اشارة مضمنة، الى ان المعرفة المكتسبة من القراءة تملأ العقل بالوعي والثقافة وتجعله راسخا في حياته، لذا نرى ان هذه الاجسام راسخة بقوة على الارض فوق الكتب، بمعنى: انت من الممكن ان تكون راسخا فيما لو اردت ان تصبح هذا الشخص الذي رأيته في المرآة.
وتابعت : اخذت الصورة وكانت القاعة مليئة بالناس، لكن لو كنت وحدي مع العمل ونظرت الى المرآة، ربما كانت هذا العمل يعني لي مراجعة ذاتية للتاريخ الذي نكتبه نحن لحياتنا. المرآة على اي حال قد تكون وسيلة مخيفة اذا ما دفعتنا للتمعن في ذواتنا.&
وختمت بالقول : &كلفة العمل بسيطة جدا، لكن الحرفة هي في المضمون والشكل النهائي له.

&جمال الفن المفاهيمي&
& & &وكان لابد من وقفة عند الفنان ستار نعمة للحديث عن عمله فقال :المغزى الاول من الفكرة هو مغزى بصري ، هي ستة اعمدة من الكتب تعلوها دمى تمثل الجسد الانساني ، 3 منها نسائية و3 منها رجالية ، لخلق التوازن للموضوع ، انا اردت ان يكون العمل من الاسفل الى الاعلى وكأن هذا الانبثاق من ارض المعرض التي هي فضاء له علاقة بالكتاب بالفكر بالثقافة وعلى اعتبار مادة العمل هو الكتاب ،ارتأيت ان يكون العمل داخل فضاء مفتوح كي تتفاعل الناس معه واشعر بالحميمية معه ،من دون ان يكون هناك حاجز بينه وبين الناس ، على الرغم من ان الموضوع صعب لان هناك ناسا تمس وتتحرك ، لطنني فرحان بهذا الشغل وهو جزء من العمل .
واضاف: الفكرة اذا اردت ان اضع تأطيرا لها ،وان كنت سأترك التأويل للاخر، فأنا يعجبني التأويل الشخصي ، فالفكرة لها علاقة بين الكتاب والجسد كمعطى مادي والكتاب كمعطى فكري ورحي، وهذا الثنائي الذي اشعر انه يجب ان يكون متناغما ومتكاملا وأحدهما يبرر وجود الاخر ، انا اتخيل عدم وجود الجسد ستصبح الفكرة هائمة بلا معنى ومن غير مستقطب ،وفي الوقت نفسه الجسد كمادة كذلك واعتقد اننا نتاج فكرة.
وتابع : العمل خاص لمعرض الكتاب، هناك تواصل بيني ومنظمي المعرض فطلبوا مني عملا ما ،فكانت مبادرة جيدة منهم ان هذه الخلطة بين التشكيل والكتاب على اعتبار انهما غير بعيدين عن بعض، فكانت لي الحرية في اختيار الموضوع ، فقلت لاطرح الفن المفاهيمي على العين العراقية باعتبار اننا ليس لدينا اعمال كثيرة في العراق، وعي في العالم اصبحت رائجة لانها غير متكلفة وغير مكلفة ، غير متكلفة باعتبار لا يوجد حاجز بينها وبين الاخر، وثانيا هناك فيها مبدأ التفاعلي مع الاخرين ،ومن ذلك تجربة علاقة الوجه بالمرآة وكيف ان وجه الدمية يشعرننا للحظات وكأننا داخل العمل، وهذا ما احبته الناس ، وانا فرحان لانني كنت متخوفا من هذه التجربة على اعتبار ان البعض يرى فيها (قليلا من الورق وقليلا من الكتب) ، الفن ليس بالضرورة ان يكون غال ومكلفا لكي يتعالى علينا، الفن من الممكن ان يكون بسيطا وان يردي الى نفس النتائج الجمالية .
وأوضح : ردود الافعال بالعموم كانت مدهشة، فالاعمال مثل هذه قليلة وغريبة عن العين العراقية ،تشعر ان هناك ترددا في طرحها لانك لا تعرف النتائج ولكن الاجمل انني رأيت الجمهور تفاعل مع العمل تفاعلا غير عادي وأحبوه كثيرا وصوروا معه كثيرا وهناك الكثيرون طرحوا اسئلة وهناك ناس لم يحبوه وحين حكينا وتحاورنا وكان العمل مشروع للنقاش بيني والاخرين وهذا الجميل .
وختم بالقول : هناك بعض الجهات كلموني حول ذلك وانا بصدد اختيار المكان ، ولانه عمل هشة ،هذا حال الاعمال المفاهيمية،وهي غير صامدة سوف اخذ بالاعتبار ان يكون المكان ملائما ولا تكون فيه ظروف جوية سيئة ، وربما تكوت له معالجة اخرى لنساعده في ان يكون اقوى .
&