المحبرة أنثى والمدينة أنت وأنا
في قلعة حلب تركني قلبي وتعلق بعينيك إلى أن دلني عليك الكتاب.
ولي في القلعة قلب يتأرجح فوق أدراج الحضارة التي نحن يتامى تاريخها.
في حلب لي صور وسيرة وخطوات منسية بين الحدائق والأدراج والأسواق.
ولي قلبك في بيتي الذي في كندا. وكثير من حلب في كندا.
قلبي، مدينة يسكنها عشاق حلب. يضيع الزائر والمقيم في سحر طرقاتها وجنائن المدينة التي كان الياسمين يحكم سلطته عليها. كان هناك البياض وكان قلبي من حليب وقلبك جمرة أرى في عينيك وهجها، فاحترق!
***
المساء الذي داعب خصلات شعر امرأة في ليل حلب ونهارها انتشى وانسكب الى أن أتاه الرقيب وقال للنسيم كفى. هذا جمال لا يحتمل يا حلب. يا لابسة قميصا اخضر يندلق من أردانه خمرة الحب وأشجانها.
ولي في أدراج حلب قلب يتمرغ بالتراث والقمم، أناشيد الكروم وخمرتها في صوت صباح فخري "خمرة الحب اسقنيها" يا سيدة القدود والأقدار

***
هناك في حلب، ما يزال العشاق يكبرون. يكبرون وهم عنها مهاجرون. يكبرون وهم موتى يدفنون بعيدا عن ترابها. يكبرون في الشتات وهم يغنون للمدينة "كما ينبت عشب بين مفاصل صخرة وجدنا غريبين معا"ومعا سنمضي ككل الغرباء في هذه المدن كل يحلم وفي قلبه: شام وحلب، حمص وبيروت والقاهرة، بغداد أو مونتريال.
***
وأهيم في ليل حلب، سبيلها وساحات جامعاتها وبيوتها الجامعية، حدائقها والمكتبة المركزية. ولي منها ما بقي لي منها في سري، ولي عيناك يا حب، يا قنديلا ووهجا ما زلت به ألوذ كلما اشتد البرد على جدران تورنتو التي أروض قلبي للتعايش بين بيوتها.
***
لك في بيتي بيت بيوت. وأسفار الرحلات التي يعمدها الحبر وينقصها قبلة من شفتيك تعيد للجدران أشجار الياسمين والصبار والنخيل.
المدينة- حب
أنت مدينتي التي قسوت عليها كما قسوت على نفسي وأحلامها
قلبي مدينتك- التي تفيض عن غربتك وهي تغتسل من أوجاعها وتوقها في ليل المدن البعيدة، الملهمة والواقفة كقلعة في فم السماء وراحة الارض. ولا يهم إن كنت في امريكا، في ايطاليا، في سانتياغو، أو في حلب. في جهات القلب كلها أنت.
لا جهة لقلبك إلا قلبي أيها الغريبالذي كان وما يزال يمر بي "مر بي، مثلما النسمة من بردى"
***

هنا غربتي وغربتك الأخرى. وهنا المقام كي أبدد الكلام على أدراج القلعة وقلبي واستدرج قلبك للمرور بي-افتراضيا- كما لو أننا في قلعة حلب.
أو في جبل قاسيون
أو في برج تورنتو الأعلى في العال، الذي يرفعني عاليا لأرى جهات القلوب كلها
يقول ابني: من هذا البرج، قولي لي أين تقع سوريا؟
أقول: هنا- تماما في قلبي.
يطير قلبي وفي قلب المدينة يحط ويخفق. يقطف غصن ياسمين ووردة جورية من كتف المدينة ليزرعها في حوض تورنتو.
المحبرة في يدي، اعطني يدك لنجد معا عشبة الخلاص التي بين صخرتين- بين مدينتين ومنعطفات الكون.

ايار 2020.

جاكلين سلام حنا، شاعرة وكاتبة ومترجمة سورية كندية. تعيش في تورنتو منذ 1997. نشرت مقالتها النقدية والادبية في صحافة العالم العربي. لها خمس مجموعات شعرية مطبوعة. تعمل في حقل الترجمة.
Facebook page: Jackleen Salam Hanna