يُعدُّ توهُّم المرض من الاضطرابات النفسيَّة الشائعة، حيث تكون لدى صاحبه قناعةٌ راسخةٌ بوجود المرض، على الرغم من عدم وجود أي دليل طبيّ لتلك القناعة. وهذه الشكوك تدفع به إلى التركيز على الأعراض الطبيعيَّة وتضخيمها واعتبارها دلائلَ على وجودِ أمراضٍ خطيرة.
وحتى إن عانى هذا الشخص من مرضٍ فعليّ، فإن ردود فعله تتجاوز بمراحل درجة ومستوى المرض. وأخطر ما في الأمر عندما يلعب الواهم دور الطبيب مع نفسه! لأن أي عارض -مهما كان بسيطاً- سيكون بالنسبة إليه قصوراً قلبياً أو تشمُّعاً في الكبد أو تليُّفاً في الرئة! وسبب ذلك هو أن رقابة الذات لديه مستنفرةٌ على الدوام، وتتحوَّل مع مرور الوقت إلى اهتمامٍ غير سويّ بالصحة وإسرافٍ في إجراء التحاليل.
وهنا على المريض بوهم المرض أن يسأل ذاته (في جزئها اللاواعي): ما الذي قد تجنيه من توهُّم المرض؟
في حالات الإحباط الشديد التي قد يعاني الإنسان منها، وإمكانيَّة تراكُم الشعور بالدونيَّة المُرافق لها، تتمُّ إزاحة أو بالأحرى إحالة كلّ هذا السخط على الواقع إلى رغبةٍ ضمنيةٍ بوقوع المرض وحصول الموت. وخلال هذه الفترة فإن اللاوعي يجلس في الظلّ محاولاً جمع شظايا لوحته الفسيفسائيَّة التي قرَّر شكلَها السوداويَّ مسبقاً. وهذه "الشظايا" هي أي وعكة صحيَّة عابرة، أو حتى أي عارض بسيط، حيث يتمّ توظيف ذلك بتقانةٍ في المشروع اللاشعوريّ.
وتالياً فإن مخافة المرض وتوهُّم وقوعه ليست إلا تعبيراً رمزيّاً عن الشعور بالفشل واليأس والرغبة في إنهاء الحياة، وهي أيضاً إحدى تجلّيات "آلية الإزاحة النفسية".
لكنْ ثمَّة أسبابٌ أُخرى قد تقود إلى توهُّم المرض، وهي متباينةٌ عمَّا أوردناه سابقاً، ومنها محاولة الطفل تقليد سلوك أحد والديه، سواء أكان هذا الوالد مريضاً فعلاً أو مُتمارضاً؛ لا فرق.
وأيضاً في حالة وجود تاريخ أو سجلّ مرضيّ في الطفولة، وكان المرض قد وصل بالطفل إلى شفير الهاوية وأشعره باقتراب الأجل، ثم نجا بعد ذلك، ولكنَّ هذا الحدث بقيَ في الذاكرة والذهن ليظهر في ما بعد على شكل رغبة بإعادة استحضار تجربة فريدة خاضها سابقاً.
وأيضاً يمكن أن يهدف هذا النوع من الاضطراب النفسيّ إلى ابتزاز المشاعر، حيث إنه نوعٌ يُصيب كبار السن أكثر من غيرهم لما فيه من قدرة على جلب الاستعطاف واستجرار الشفقة.
تُضاف إلى هذا الكرنفال من الحالات، حالةٌ أُخرى تُسمَّى بـ"متلازمة طالب الطبّ". وهذه الحالة تُصيب طالب الطبّ في سنوات دراسته الجامعية وقد تستمرُّ إلى ما بعد تخصُّصه! وأحياناً تُصيب أشخاصاً يهتمُّون كثيراً بقراءة المعلومات الطبيَّة الخاصة بالأمراض!
والسبب وراء ذلك هو أنَّ طالب الطبّ يحاول إسقاط الحالة المرضيَّة، التي تعرَّف عليها توَّاً، على نفسه بشكلٍ لاواعٍ، وتجريب ردّ فعل المريض والحالة النفسيَّة التي سيكون عليها من يقع في المرض.
أضف إلى ذلك زيادة حساسيته تجاه موضوع المرض، بسبب توسُّع معرفته الطبيَّة وتعرَّفه على أنواع جديدة من الأمراض.

باحث سوري في علم النفس التحليلي.