علاء جمعة – فنان تشكيلي


يعتبر ضياء العزاوي أحد أكثر الفنانين العراقيين والعرب حيوية فمنذ منتصف ستينيات القرن العشرين وحتى الآن، ومن خلال عمله في الرسم والتصميم الجرافيكي والنحت..
لا يزال معروفًا على نطاق واسع باعتباره أحد أهم مؤسسي الحركة الحروفية ورَائِدًا في فن البوستر وكذلك ممارسته للفنون التطبيقية، حيث عمل تصاميم جرافيكية نابضة بالحياة - هنا - تمكن من تحقيق نمط تعبيرياً أكثر مباشرة وشفافية يسير جنبًا إلى جنب مع نتاجه الأستثنائي بالرسم.
قد تتضمن التجربة الذاتية لأي فنان عددًا لا يحصى من العمليات المعرفية, بدءًا من الإدراك الحسي إلى الذاكرة، وهي تختلف بناءً على مستوى تجريد المفردات أو بناء الأشكال بين فنان وآخر. . وكلما كان العمل أكثر تجريدًا، كانت الصورة أكثر غموضًا، لذلك وجب أن يساهم المشاهد في تحديد معنى العمل الفني والمنفعة والقيمة لهذا العمل.
يترتب على ذلك إذن أن نفرز التجارب الذاتية للفن التجريدي والتشكيلي بنمطيهما المختلفين، لكن التوصيف لهذه الاختلافات يمثل تحديًا. لذلك كان الخط الفاصل بين التجريد والتشكيل أكثر مسامية في تجارب الفنانين الأوربيين نهاية الخمسينيات، ونظرًا لهذه التأثيرات الأوروبية اندفع الفنانين العراقيين المعاصرين في تلك المرحلة وحتى بداية الستينيات إلى إنشاء لوحات وأعمال في ما بين الاثنين. نتيجة دراستهم في فترة ما بعد الحرب في أوروبا.
بينما انخرط الفنان ضياء العزاوي بشكل كبير في البحث عن هويته العراقية بعيدا عن هذا المحيط لطرح أسئلة وجودية حول صورة الإنسان، فأخذ يستنبط مسارات مسح محلية تركز على الأسطورة، لإثارة المزيد من أنماط المشاهدة دون الإشارات التقليدية للأشياء، فجعل المتلقي يعتمد على المزيد من الاستراتيجيات الاستكشافية للبحث عن المعلومات المرئية.
هذا الاختلاف في النظرة المحلية مقابل العالمية في الاستجابة للفن ظهرت في أعماله بكتل وأشكال متحركة غير راكدة وخطوط جريئة وألوان أحادية بشكل كبير، حيث استمر في تجربة عناصر التصميم المبتكرة هذه طارحا الحاجة لإنشاء منصة فنية بديلة/ مشروع لمشهد فني قائم بذاته.
ومن خلال هذا المناخ استحوذ على مساحة كبيرة من الساحة الفنية العراقية يتعذر تجاهلها في مرحلة مفصليه من تاريخ الفن التشكيلي العراقي، وامتاز برؤيا متفردة، كانت ومازالت أعماله حقيقية في معالجتها للبعد الزمني، وفي استحضاره للرموز التاريخية من فضائها الإنساني الأول، نجح في رمزية الاختيار في هذا الإطار المرجعي، وهذه الرمزية حصلت على أهمية مختلفة لدى الكثير من الفنانين العراقيين المعاصرين خلال عقود من الزمن وأغلبهم استخدموا الرموز إلى حد ما.
أخضع ضياء العزاوي تلك الرموز لكي تناسب أغراضه الفنية التي تظهر براعته في أستخدم الرموز السومرية وغيرها من الرموز التاريخية، ويبدو بأنه قد قبلها كخطوة ضرورية يجب أن يخطوها كل فنان يريد المساهمة في خلق مدرسة فنية ذات أسلوب عراقي مميز.
كان حريصا على إدراك القوة التي ينطوي عليها هذا الرمز عند التطبيق في طروحاته المعاصرة، فقد استخدم مصادر مختلفة في تناول الرموز العراقية في بعديها التاريخي والإنساني وتمكن من توحيد هذه الدلالات مع تقنياته التجريبية في الرسم للشكل التعبيري الرمزي، وهذه الرمزية تعطي انطباعا بوجود نزعة البحث والتجديد لديه في مراحل سابقة.
فهل هو التماسك والترابط في الوعي الفني لديه جعله متميزا في تناوله لتلك الرموز..!
لا بل هو يمتاز بخصوصية استثارة قراءات ممكنة تقع خلف معرفتنا الظاهرة لتلك الرموز، بافتراض أن المشاهد المتلقي سيعيد بناء معاني تلك الرموز أكثر من كونه سيستهلك هذه المعاني دون أن تثير لديه تأويلات، علاوة على ذلك ينبغي لهذا كله أن يتم من خلف ظهر الشكل الرمزي التقليدي، مع القيمة الفكرية التي ينتجها بواسطة وسائل تستلزم ثبات الشكل. .
والمتابع لمسيرته الفنية يرى بشكل واضح إجراءات الاستجابة لديه للمتطلبات التغيير الحاصل في الساحة الفنية في المعالجة والأسلوب، وقد تحقق له ذلك على مرأى كثير من تجارب الفنانين الآخرين.
ويمكن القول إن ردود الفعل الجمالي لأعمال لضياء العزاوي قد تكون متميزة عن غيرها من وجهة النظر المعرفية إلا أنها امتازت بإطارها الفكري الخلاق الذي ساهم في وضع الإطار المرئي للقيم الاجتماعية والتاريخية والسياسية للعراق ومحيطه العربي بطروحاته الفنية، مما أثر على تطور الفن العربي الحداثي بشكل ملحوظ.