بقلم علاء جمعة

عندما ندخل في رحاب الفنانة التشكيلية بتول الفكيكي يزدان الجمال والابداع بهاءاً وفي عالمها يكون للخلود عناوين كثيرة لا تنضب فلكل لوحة من لوحاتها حكاية لا تشبه باقي الحكايات .. كيف لا وهي وريثة عشتار روحاً وعشقاً.
يتطلب التعبير في الفن عَادَتَا وسيطًا روحياً لكي يبدأ الفنان في التعبير عن مشاعره وأفكاره من خلال الرسم أو النحت أو المواد الأخرى لذلك يعتبر الفن تعبيراً مرئياً بواسطة نموذج يشكل منه أفكاره وطروحاته الرمزية.
ومن خلال ممارستها الفنية وبحثها عن الأسطورة ومعناها الإنساني وعلاقتهما بين الجسد المادي والنصوص الروحية والتي استخدمتها للتعبير بطريقة منهجية في أعمالها من خلال مقارنات رمزية حيث جعلت من تلك المقارنات حداً فاصلاً بين الواقع والأسطورة ، والأسطورة هنا غامضة التفسير باعتبارها السبب لأدراك المتعة الفنية المنشودة ويمثل أيضًا انتهاكًا لحدود الرمز الذي أصبح عنصرًا مُهِمًّا في لوحاتها واختيارها الدائم لعشتار ..
ذلك لأن أسطورة موت عشتار ونزولها كان له عواقب وخيمة على الأرض التي لا يمكن لها أن تحيا بدونها ، بما في ذلك توقفت الخصوبة والحب على الأرض.. وبناءً على نصيحة خادم عشتار (إله الحكمة) تم حياكة مؤامرة لإحياء عشتار وإعادتها إلى العالم العلوي - نجحت تلك المؤامرة - وعندما صعدت عشتار إلى العالم العلوي برفقة الشياطين كان لا بد من العثور على بديل لها لكي تأخذ مكانه في العالم العلوي .. عند وصول عشتار إلى العالم العلوي لمحت تموز يرتدي زِيًّا رَسْمِيًّا ويجلس على العرش مسترخيا ولم يتأثر على ما يبدو بموتها الذ أعلن عنه وبغضب أمرت الشياطين بأخذه معهم كبديل لها إلى العالم السفلي ، تقول الأسطورة ازدهرت الأرض من جديد وعادت الحياة طبيعتها.
هذه الرمزية الجمالية ومضارباتها التي صنعتها الفنانة بتول في لوحاتها تعتبر تحت هذا الوصف ظاهرة ذاتية تمامًا ، لامتلاكها خصائص جمالية مميزة وهي قد طرحت نظريتها الجمالية من خلال السؤال إذ ما كان الجمال نفسه لا يتحقق إلا من خلال أدراك الخصوصية التي تصادف أن نواجه بها الأشياء عندما نفرض عليها تفسيراتنا ويحدث أن نعتبرها جميلة.
وإذا كان الجمال تَجْرِيبِيًّا جُزْئِيًّا فهو أيضًا شخصياً وذاتياً ، لذلك نجد في لوحاتها عن عشتار صياغة تعبيرية لترجمة الوجود الرمزي جَوْهَرِيًّا وسعياً لخلق معنى لهذا الوجود الافتراضي حيث ينطوي صنع المعنى على فهم محيطنا ومعرفة تجاربنا الذاتية بتراكيب تعبيرية جمالية.
الإلهة عشتار التي اختارتها بتول الفكيكي كانت شخصية متقلبة ومزاجية ، وفي أسطورة نزولها تظهر قدرتها على أن تكون شديدة الإخلاص ولكن في مراحل مختلفة تظهر طبيعتها الانتقامية عند وفاة زوجها.. فكيف إذا يتم التعبير فنيا عن هذا الرمز المتقلب ، الفن في كل أشكاله يبحث عن التعبير، فيجب أن يسعى أيضًا إلى التواصل - تواصل قادر على أن يترجم التعبير الجمالي بطرق حسية مرئية وهذا يعيدنا لمتابعة مسيرتها - وغالبًا ما يتكون كل مشروع من أعمالها إلى أشكال تعبيرية متعددة في مجموعة من التراكيب المختلفة حول موضوعات ومعاني محددة تقترح مفاهيم رمزية تجعلها تتوحد بشكل متباين في كل جزء من محتوى اللوحة.
على الرغم من أنه قد لا يكون هناك دائمًا أوجه تشابه بين أعمالها المختلفة ، إلا أنها مرتبطة بتكرار الأسطورة ومن خلال الموضوعات التي تفرض نفسها فيها كفنانة منهجية تعالج قضايا إنسانية تلخص التناقضات الأيديولوجية التي تقسم بشكل عام الواقع والأسطورة وتحولهما بأدائها الفني المثالي إلى مواضيع ذاتية من خلال تتبع أسطورة الإلهة عشتار في لوحاتها والتي تمثل انعكاس لثقافة بلاد ما بين النهرين وقوة الحب الرمزية المستمرة على مر العصور في تلك الأرض.