ضياء بهزادي فتاة تبدأ يومها بإسعاف فضل درويش الكهل بعد أصابته بجلطة في سوبر ماركات، ومن حينها تبدأ الحوادث تتدفق من حولِها، تُصادف خيانة خطيبها، بعد ساعة من ذلك، ثم تَصْدم عامل نظافة- عرفان رحمن- الذي جاء ومعه حلم الثراء بالعمل في دولة نفطية وتهرب، يُشَل العامل ويظلّ مسجى بالمشفى، مُخلفًا عائلته في بلاده بين عوز وفقر وقلق على حياته، فتتحوّل زوجته بيباشا إلى العاصمة للبحث عن وسيلة لإنقاذه، وتقضي وقتها تائهة بالبحث في الشوارع فيما تواجه ضياء التي صدمته نفسها بمواجهة ضميرها وشعورها بالذنب مما يسبب لها أزمة حتى تعجز عن قيادة السيارة، لتواجه نحس الشوارع يلاحقها، حتى تلتقي ثانية بفضل درويش الأب الذي اسعفته وقد فوجع هو الآخر بانتحار ابنه سلمان بجرعةِ مخدر...

تمضي رواية "شارع النحس" لأحمد جمعة (صدرت مؤخرًا عن دار اسكرايب - القاهرة) في سياقات متعدِّدة في ترابط بين الاحداث والشخصيات رغم اختلاف أماكنهم وثقافاتهم وخلفياتهم الاجتماعية والمهنية، تحمل الرواية أفكارًا فلسفية حول ثنائيّة الحياة والموت وجوهر الحبّ وغرابته، مع بطل رئيسي هو- الشارع - الذي سببًا في جلب النحس...

فكما يكون الإنسان سبب في إنقاذ حياة الآخرين، فهو كذلك سببًا في دمار حياتهم! ذلك التناقض العجيب الذي يؤكد مرة أخرى على صعوبة فهم العقل البشري وإعجازه في نفس الوقت، فنحن جميعًا نحمل في داخلنا أكثر من شخصية، تظهر كلّ واحدة منها بشكل منفصل في أوقات معينة، وقد تظهر أكثر من شخصية في نفس الوقت في تعقيد متشابك وعصي على الفهم. عرفان رحمن رغم ألمه وتعاسته فقد كان سببًا في إيقاظ الحب المفاجئئ. لقد كان هذا العامل البسيط ذريعة موشاة في تدفق الحبّ في قلب بيباشا وقلب ضياء، وإعادة التوازن إلى حياة ضياء بعد فقدانها، وبداية رحلتها لإيجاد سلامها الداخلي.

الصمت يحمل في داخله الكثير من الأجوبة وما علينا إلا اكتشافها عبر الاستسلام لذلك الصمت، تمامًا كما كانت نظرة عرفان رحمن شفاًء لقلب ضياء. غاص الشارع أمامها بمياهِ الأمطار، وكان ثمَّة بضعِ سيارات تائِهة بتلك الساعة، لم يخطر ببالِها وهي تقود أيّ من الأفكار المتعلِقة بالعالم، حتى أنّها رغم المطر وأضواء الشارع المنعكِسة على الزجاج الأمامي للسيارة، لم تشعر بالخوف، ولم يطرأ على بالها النحس مطلقًا، عندما اقتربَت من منزلها وقد ساوَرها النعاس، تثاءبت وابتسمت عندما خطرت بذهنها عبارات درويش، فكرَت بجوابٍ قادم لها عندما يسألها عن سلمان، ولكن فجأة قطع أفكارها بهذه اللحظة رؤيتها لعامل نظافة يحتمي تحت مظلّة سيارة عند أحد البيوت الملاصِقة لمنزلها اقتربت منه ورأته يتطلَّع نحوها وقد امتلأت عيناه بالأمل وانفرجت شفتاه بابتسامة وكأنّه ملَك العالم، نظر لها بلطفٍ بادلته نظرة طبعها الحبّ، توقفت عنده، فتحت حقيبتها وأخرجَت ورقة من فئة العشرة دينار، فتحت النافذة ومدتها له، خرج من تحت مظلّة مرأب السيارة وقد بلَّله المطر واستلم الورقة وفاض الفرح في عينيه وملأ وجهه كله.

لم ترَّ وجهًا متفائلاً كوجه عامل النظافة هذا، وعندما سارت خطوات فجأة توقفت وعادت للوراء، فتحت نافذة السيارة فيما اقترب منها هو ثانية، سألتهُ عن اسمه فرد بوجهٍ هزيل وعينين رماديتي اللون وذات الابتسامة المُضيئة كأنَّها ضوءٌ من السماء.

"عرفان رحمن علم"!!!