في عام 2013، جاءت الفرنسية بولين هيللييه إلى تونس لمساندة تونسيات متمردات على التعسف الذي أصبحن ضحيته في ظل حكم حركة النهضة الأصولية التي كانت تخطط في تلك الفترة لدفن وتقويض كل الإجراءات التي اتخذها الزعيم بورقيبة لحماية حقوق المرأة.

وأمام المحكمة في شارع "باب بنات" بالعاصمة التونسية، تم اعتقالها ليزجّ بها في سجن "منوبة" الخاص بالنساء.
وفي زنزانة ضيقة وقذرة أمضت فيها شهرا، لم يكن معها سوى: "تأملات" الشاعر الفرنسي الكبير فيكتور هوغو. ولمقاومة ما كانت تعانيه من عذابات ومن اهانات يومية، قررت أن تكتب رواية هي بمثابة شهادة موجعة عن تلك الفترة القاتمة في حياتها.

ومؤخرا صدرت هذه الرواية لتلاقي اعجاب القراء والنقاد على حد السواء. وفي حوار أجرته معها الأسبوعية "لوبس"، قالت بولين هيللييه بإنها فضلت الاحتفاظ بتجربتها السجنية على مدى سنوات طويلة لتتخمّر جيدا في ذهنها تجنبا للتسرع، وللفورية التي تكون أحيانا قاتلة للأدب في مفهومه الحقيقي.

وأضافت قائلة بأنها لم تكن تنوي أن تروي قصتها فقط، بل كانت تود أن تضيف إليها قصص النساء اللاتي التقت بهن في السجن. وهدفها من كل هذا هو فضح الأجواء الخانقة التي تعيش فيها السجينات، والتعريف بمعاناتهن اليومية التي تواجه بالصمت والاحتقار من قبل السلطات.

وتقول بولين هيللييه:"لقد علمتني رفيقاتي في السجن أن أستمع، وأن لا أنفعل، وأن أتقبل بهدوء وصبر كل تلك الاهانات اليومية حتى لا تزداد أوضاعي سوءا.

وكانت هناك سيدة ارتكبت جريمة قتل إلاّ أنها كانت حنونة وطيبة. وأنا قبلت يدها. وكان ذلك مؤثرًا جدًا بالنسبة لي ولها".

وترى بولين هيلليه أن الآلة السجنية تسعى إلى تحويل السجينات إلى كائنات متوحشة ومنفرة، إلاّ أنها حرصت في روايتها على إبراز الجوانب الإنسانية في سلوكهن. وهي لا تنسى تلك الفتاة التي كانت تقاسمها الفراش، والتي كانت تضع قليلًا من العطر على الشراشف كل ليلة للتخفيف من حدة الروائح الكريهة المنبعثة من المراحيض القريبة.

وتضيف بولين هيللييه قائلة بإنها تشعر بسعادة كبيرة لأن كتابها يباع في تونس. وهذا ما يحرّضها مستقبلا على الكتابة من أجل الدفاع عن حقوق المرأة في جميع أنحاء العالم.