منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، شرع سكان طاجيكستان، وجلّهم من المغول في تنظيم تظاهرات ثقافية وفنية لإحياء تراثهم القديم، والتعريف به لدى الأجيال الصاعدة لكي يزدادوا تمسكا بهويتهم، واعتزازا بتاريخهم البطولي.

وتقول مرجان موستاي البالغة من العمر26 عامًا، والتي تهتم بالنقد الفني بعد تخرجها من الجامعة:" كل التظاهرات الفنية والثقافية التي انتظمت في العاصمة، وفي مختلف المدن، أثارت اهتمامي، إلاّ أنني لا أنظر إليها لا من ناحية وطنية، ولا من ناحية سياسية، وإنما باعتبارها ضرورية لإحياء التراث، وإعادة قراءته من جديد لكي يزداد ترسخًا في ذاكرة الناس".

ولا يُنكر الكثير من سكان طاجيكستان أن الغزو الروسي لأوكرانيا أثار في نفوسهم الرعب لأن بلادهم التي حصلت على استقلالها عام 1991 تقع هي أيضا في المنطقة التي كانت خاضعة للهيمنة الروسية. وخلال الحقبة الشيوعية كانت عاصمتها "أسانا" تسمى " تسيلينوغراد". كما أن 18بالمائة من جملة عشرين مليون نسمة هم من جنسية روسية.

وبعد مرور ثلاثين سنة على استقلال البلاد، لا تزال اللغة الروسية هي المهيمنة، والمحببة للنخب. بل أنها تكون اللغة المفضلة في الاجتماعات السياسية الكبيرة. أما بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، فإن أعدادا كبيرة من أهالي طاجيكستان باتوا ينفرون من استعمال لغة جارتهم القوية. وفي العاصمة، وفي مختلف المدن الأخرى تكوّنت نواد ثقافية لإعادة الاعتبار للغة الأم. وفي النقاشات التي تدور في هذه النوادي، يقوم المختصون بتصحيح الأخطاء المرتكبة، وإحياء التعابير التي كانت مدفونة وميّتة، والتي تزخر بها الحكايات والأغاني الفولكلورية.

ويقول أحد مؤسسي هذه النوادي: "بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، صرنا مقتنعين جميعًا بأنه من الضروري أن نتخلص شيئًا فشيئًا من هيمنة اللغة الروسية. حتى الشبان الذين يجدون صعوبة في تكلم اللغة الأم، أصبحوا هم أيضًا مقتنعين بما نحن ندعو إليه. لذلك هم يترددون على النوادي بأعدادٍ وفيرة". وعلى بلوفر رمادي، يضع شاب 1465، وهي السنة التي ظهرت فيها أول دولة على أراضي طاجيكستان، والتي كانت تسمى: "كيراي خان". وكان حاكمها من أحفاد جنكيز خان. أما سكانها فكانوا خليطًا من القبائل.

والهدف من التذكير بهذه الدولة هو تعريف الأجيال الجديدة بتاريخ بلادهم القديم حتى لا يكونوا ضحية للتزوير الذي يمتهنه البعض بقصد تقويض الهوية الوطنية وإذابتها.

وعلى وسائل الاتصال الاجتماعي تتواصل الدعوات من أجل إطلاق مبادرات ثقافية وفنية تعيد الاعتبار للتراث الوطني، وللغة الوطنية، منتقدة البرامج التعليمية التي لا تزال خاضعة للغة الروسية. كما تنتقد بشدة سياسة النظام القائم التي تقوم على مبدأ "الإبقاء على الأمر الواقع"، عاكسة تردد المسؤولين وخوفهم من التخلص نهائيًا من الهيمنة الروسية.