هوَ يخافُ من كلِّ كرسيٍّ بلا مساندَ للذراعينِ! هوَ يخافُ منها خوفاً حقيقيّاً، لا خوفاً مجازيّاً مُتعلِّقاً بكرسيِّ السلطةِ والمنصِبِ. والسببُ هوَ آلامُ الظهرِ التي تلازمُهُ؛ لا يرتاحُ إلا على كرسيِّهِ البلاستيكيِّ ذي المَسنَدينِ، وهوَ عندَهُ – على بساطتِهِ – بمثابةِ كرسيِّ التدليكِ وأكثرَ.

ثُمّ تطوّرَ الأمرُ بشكلٍ مثيرٍ للسُّخْرِيَةِ والضَّحِكِ معاً؛ يذهبُ للمطعمِ فيُنزلُ كرسيَّهُ معَهُ، يذهبُ للعملِ فيحمِلُ حقيبتَهُ في يدٍ، وكرسيَّهُ في يدٍ، في الشايخانةِ كرسيُّهُ معَهُ، في القطارِ يحجِزُ كرسيّاً لكرسيِّهِ، في النادي كرسيُّهُ معَهُ، في الزياراتِ كرسيُّهُ معَهُ.

عرَضوهُ على طبيبٍ نفسيٍّ، فأكّدَ سلامتَهُ العقليّةَ تماماً.

مرّت الأيامُ، وصارَ لقبُ ( فلانٌ أبو الكرسيِّ) بديلاً عن لقبِهِ. فلانٌ أبو الكرسيِّ يستدعيهِ ديوانُ الحكومةِ لتكريمِهِ من قِبلِ الرئيسِ شخصيّاً، لكفاءَتِهِ وبراءةِ اختراعاتِهِ، فيقبلُ الدعوةَ بشرطِ سماحِهم لهُ بجلبِ كرسيِّهِ، فيُذعنونَ ويقبَلونَ.

في حفلِ التكريمِ، يجلِسُ الرئيسِ على كرسيِّهِ المُذهَّبِ المُزخرَفِ، وعن يمينِهِ يجلِسُ بطلُنا على كرسيِّهِ، ثُمّ يتصافحانِ أمامَ الكاميراتِ. يتصدّرُ الخبرُ في الصحفِ والإذاعاتِ العالميةِ، وعلى عكسِ التوقّعاتِ، تنقلِبُ السُّخريَةُ والاستهزاءُ على الرئيسِ، فيتولَّدُ في نفسِهِ شعورٌ أنه كانَ ضحيةَ أبي الكرسيِّ، ويعتقدُ اعتقاداً جازماً أنّهُ تعمّدَ إهانتَهُ، وإثارةَ الرأيِ العامِّ ضِدَّهُ.

عمّت المظاهراتُ البلادَ، وأصبحَ أبو الكرسيِّ رمزاً للفقراءِ والكادحينَ، لا بل إنّ الأكثرَ طرافةً هو أنّ معاملَ البلاستيك على قدمٍ وساقٍ راحت تصنعُ الكراسيَّ البلاستيكيّةَ؛ فصالوناتُ الحلاقةِ والمطاعمُ والقاعاتُ الدراسيةُ كلُّها استغنتْ عن مقاعدِها، واشترت الكراسيَّ ذواتِ المساندِ.

لكنَّ الدكتاتورَ يقمعُ المظاهراتِ، ويعتقلُ أبا الكرسيِّ، وبعدَ محاكمةٍ جائرةٍ، يَصدُرُ فيهِ حُكمُ الإعدامِ، والمضحكُ المبكي أنّ الكلَّ من القاضي إلى المحامي والحاضرينَ في قاعةِ المحكمةِ ينفجرونَ بالضحكِ حينَ يطلبُ منهم المُتهَّمُ وصيتَهُ الأخيرةَ بأن يصعَدَ على كرسيِّهِ الخاصِّ ليصلَ إلى حبلِ المِشنقةِ.

في فيلم عمرَ المختارِ، وتحديداً في مشهدِ إعدامِهِ، تسقُطُ منهُ نظّارتُهُ على المِنصةِ، وبطلُ قصّتِنا يترنَّحُ في الهواءِ، ويسقطُ منهُ فيلمُ الأشعةِ السينيةِ الذي يُظهرُ انطباقَ فقراتِهِ الصدريةِ، مما يؤكِّدُ أنّهُ حقّاً لا يستطيعُ الجلوسَ إلا على كرسيٍّ ذي مَسندَينِ للذراعينِ.