أحدث استثمار: شراء وحدات عقارية في السجون لإيواء السجناء

بينما تدفع الحكومة البريطانية عوائد الإيجار


لندن


تتبلور في بريطانيا هذا الشهر ملامح احدث استثمار عقاري غير عادي، حيث تعرض الحكومة البريطانية افكارا استثمارية جديدة للخروج من ازمة تمويل طاحنة في نظام السجون البريطاني الذي وصل الى حدود استيعابه القصوى.


من بين الافكار التي تدرسها الحكومة البريطانية جديا فكرة شراء المستثمرين من القطاع الخاص لاسهم في زنزانات سجون خاصة، بحيث يشتري المستثمر laquo;وحدات عقاريةraquo; في السجن لايواء السجناء، بينما تدفع الحكومة له عوائد ايجار مقابل استثماره. ويكون مبنى السجن في هذه الحالة هو الاستثمار العقاري الذي يماثل في هيكليته الاستثمار في الشقق او الوحدات الفندقية.

وظهرت هذه الفكرة بعدما بلغت ازمة السجون في بريطانيا ذروتها في بداية هذا الشهر مع ظهور نقص في طاقة السجون ووجود حاجة ملحة الى ثمانية آلاف زنزانة على الاقل لاستيعاب المساجين الذين تحولهم المحاكم دوريا الى السجون. وتخطت نسبة كبيرة من السجون البريطانية طاقة استيعابها القصوى.

وتحاول وزارة الداخلية البريطانية ايجاد حلول بديلة لأزمة التمويل التي تعاني منها، حيث لا تستطيع تحمل تكاليف بناء وادارة سجون جديدة. وكانت اهم الافكار المطروحة للخروج من الازمة تكوين شركة عقارية متخصصة في بناء السجون الحديثة وتسليمها الى شركات خاصة لادارة السجون، وعرض اسهم في هذه الشركات على المستثمرين من القطاع الخاص بنظام التأجير الاستثماري المعروف باسم (Buy-to-let) والسائد حاليا في بريطانيا في قطاع تأجير الشقق. وتقول مصادر الاستثمار العقاري ان مثل هذا الاستثمار سوف تكون له مزايا اضافية لجذب المستثمرين. فأعداد السجناء المتزايدة تضمن وجود laquo;مستأجرينraquo; للسجون الشاغرة، كما ان العوائد تبدو مضمونة لان الايجارات سوف تدفعها الحكومة بصفة دورية.

ويأتي هذا النوع من الاستثمار في وقت تخطى فيه عدد السجناء في انجلترا وويلز وحدهما 80 الف سجين للمرة الاولى. ويعاني 85 سجنا من اصل 139 سجنا من الازدحام ووجود سجناء فوق الطاقة الاستيعابية القصوى التي بنيت السجون من اجلها.

وتتزايد الضغوط على وزارة الداخلية البريطانية لايجاد حلول عملية وبسرعة للتعامل مع الازمة في وقت تعاني فيه من تجميد ميزانيتها منذ وقت طويل. ومع دخول القطاع الخاص الى هذا المجال الاستثماري، فإن تكاليف البناء والادارة وتشغيل الايدى العاملة سوف ينتقل الى المستثمر الخاص بينما تنظم وزارة الداخلية شروط العمل في هذا القطاع وتدفع ايجارات دورية متناسبة مع عدد المساجين الذين يتم التعامل معهم، وايضا مع الفترات التي يقضيها كل منهم في السجن.

وكان وزير الداخلية البريطاني جون ريد قد اعلن خلال الصيف الماضي انه حصل على موافقة مجلس الوزراء على بناء 8000 زنزانة جديدة لاستيعاب زيادة عدد السجناء. وسيتم توفير نصف هذا العدد وفقا لنظام السجون الحكومي الحالي بتوسعة السجون، بينما يتوافر النصف الثاني من سجون سوبر جديدة يستوعب الواحد منها حوالي 1300 سجين وهو ضعف طاقة الاستيعاب المتاحة في السجون الحالية.

وسوف يعتمد النظام الجديد على اتاحة فرص الاستثمار الخاص عبر اسهم صناديق استثمار عقارية من نوع (REITS) يتم استحداثه في العام المقبل بحيث يمكن اضافته الى المحافظ الاستثمارية التي تخضع لإعفاءات ضريبية وايضا ضمن برامج التوفير للتقاعد واستثمارات شركات التأمين، وذلك بداية من عام 2007.

وتهدف صناديق الاستثمار العقاري الجديدة الى تنويع اساليب الاستثمار في العقار، على نمط مشابه لاسلوب مطبق بالفعل في الولايات المتحدة، حيث تقوم شركات خاصة ببناء وادارة السجون في عدد من الولايات. وما يجعل الاقتراح البريطاني جديا هذه المرة ان مصادر العقار المتخصصة تتناوله في الوقت الحاضر كمدخل استثمار عقاري جيد له مزايا نوعية.

ويطبق النظام في بريطانيا بين شركات تستأجر السجون الخاصة لادارتها بينما تدفع الحكومة رسوم ايواء المساجين في تعاقدات طويلة الاجل تصل الى 25 عاما. وخلال هذه الفترة يتمتع المستثمر بعوائد ثابتة ومضمونة من استثماره العقاري الذي يشبه في عوائده السندات الحكومية ولكن بعوائد اعلى. وعلى رغم ان الحكومة البريطانية لم تؤكد بعد اعتمادها هذا الاسلوب في تمويل السجون الجديدة الا ان وزارة الخزانة تدفعها في هذا الاتجاه بعد رفضها تمويل بناء وتشغيل سجون جديدة بالاسلوب التقليدي المكلف، مع غياب البدائل الاخرى. وكانت وزارة الداخلية قد لجأت في فترات سابقة الى استئجار سفن لتحويلها الى سجون عائمة.

اما مؤسسة السجون الرسمية في بريطانيا فلا يعجبها هذا التطور الجديد لانها تعمل وفق نظم عتيقة وتستخدم قوى عاملة تخضع لقواعد صارمة من نقابات قوية. وقال احد ممثلي النقابات ان الاقتراح غريب وغير عملي، وذهب الى حد الزعم بأن العصابات المنظمة قد تستغل الفرصة للاستثمار المكثف في هذه السجون.

التجربة الأميركية: هناك العديد من التجارب الاميركية في تخصيص السجون، لعل اشهرها في ولاية تكساس التي طبقت التجربة على نطاق واسع على اساس انها تقدم البديل الاكثر كفاءة للنظام الحكومي. وتفترض تجربة تكساس ان السجون الخاصة تجلب بعض الدخل والوظائف للمدن التي تستضيفها. ولكن التجربة شابها ايضا العديد من العيوب والانتقادات التي سوف تطرح بالتأكيد لدراستها عند تطبيق التجربة البريطانية. ومن الاحداث التي رصدتها دراسة وضعتها لجنة تحرٍّ ومتابعة للتجربة الاميركية ما يلي:

ـ اكتشاف ان مدير احد السجون الخاصة كان يدير شبكة سرية لبيع المخدرات للمساجين داخل السجن.

ـ فصل عدد كبير من موظفي السجون بعد اعترافهم بأنهم مدمنون على المخدرات.

ـ القبض على مدير سجن آخر كانت له علاقات مشبوهة مع عدد من النساء السجينات.

ـ ضبط حالات متعددة لهروب مساجين من السجون الخاصة نظرا لافتقار الموظفين الى التدريب اللازم وعدم كفاية عددهم لان الشركات التي تستخدمهم تهدف الى الربح وتكتفي بالحد الادنى من الايدي العاملة.

ـ اكتشاف شرائط فيديو لتعذيب سجناء سجله عمال سجون خاصة كنوع من التدريب للعمال الجدد في كيفية التعامل مع المساجين.

ـ اكتشاف ان بعض حراس السجون من القطاع الخاص هم مجرمون سابقون.

ـ وقوع حالات هروب جماعي مما استدعى استخدام قوات شرطة ضخمة وحرس حدود بما ينفي اقتصادية تشغيل السجون الخاصة.

ـ مخالفات مالية عديدة للشركات الخاصة التي تدير البنوك وحالات اعتداء وصلت الى المحاكم وحكم في احداها بتعويض قدره 1.5 مليون دولار.

ـ في بعض السجون كانت شركات الادارة تقتصد من طعام السجناء وتتركهم يتضورون جوعا. وفي حالات المرض كان السجناء ينتظرون اياما حتى يتم الكشف الطبي عليهم.

وتقول دراسة اميركية عن السجون الخاصة ان معظم الارباح تأتي من ادارة السجون وليس من ملكية البناء نفسه. laquo;فالسجون غالية في تكاليف البناء كما انها تصل بسرعة الى نهاية عمرها الافتراضي، وكذلك تتكلف الكثير في صيانتها والتأمين عليهاraquo;. والمستفيد في النهاية من بناء السجون هي البنوك التي تمول عمليات الانشاء والمحامين الذين يشرفون على التعاقدات. ويتم في العادة تكوين مؤسسة عامة تطرح سندات استثمارية لبناء المشروع ثم تؤجره لحكومة الولاية التي تدفع رسوم لقاء السجناء. وتحصل الحكومة المحلية على بعض الرسوم من ولايات اخرى ومن الحكومة الفيدرالية لقاء ايواء مساجين من مناطق اخرى. ولكن هذا الدخل لا تحصل عليه الحكومة المحلية بل يذهب مباشرة الى مجلس الاوصياء في المؤسسة لضمان حقوق المستثمرين.

وتصل تكاليف ايواء المساجين في السجون الخاصة في تكساس الى حوالي دولارين في اليوم الواحد لكل سجين وتصل العوائد على الاستثمار في السجون الخاصة الى ما بين 10 الى 12 في المائة.

وهناك العديد من الجماعات المناهضة للسجون الخاصة في الولايات المتحدة على اساس انها نوع من laquo;الاقتصاد الزائفraquo; لان الشركات التي تهدف الى الربح لا يمكن ان تقدم خدمة اجتماعية جيدة في الوقت نفسه. وبالاضافة الى حالات الفساد وسوء الادارة فان عمليات الشغب التي تقوم احيانا داخل السجون الخاصة تكون من مسؤولية الحكومات المحلية، بما يتسبب احيانا لهذه الحكومات بخسائر باهظة من مشروعات كان يجب ان توفر لها اموالا.

وفي بعض الحالات ألغت حكومات محلية في ولاية تكساس تعاقداتها مع شركات تدير سجونا خاصة بعد اكتشاف ازدحام السجون بالمساجين الذين كانوا ينامون احيانا في فصول تدريس، وتعدد حالات الهروب وعدم وجود حراس بأعداد كافية ومدربين تدريبا كافيا.

ومع كل هذه المآخذ على السجون الخاصة الا ان الفكرة تتطور في العديد من الدول الاوروبية الاخرى التي تسعى لايجاد حلول لمشاكل التمويل وازدحام السجون. وتتم الان دراسات على نواقص التجربة الاميركية لوضع القوانين والنظم التي تحول دون تكرارها في التجربة الاوروبية. والامر المرجح ان المستثمر العقاري سوف يمكنه خلال عام 2007 ان يختار بين شراء وحدة عقارية في فندق فاخر يأوي سياحا في منطقة طبيعية خلابة، او زنزانة في سجن خاص تحوي مساجين خطرين. القرار يعتمد على العوائد التي تزيد في شقها الرأسمالي في حالات الاصول الفاخرة وتزيد في سيولتها وعوائدها الدورية في حالات السجون، والاختيار في النهاية هو للمستثمر.