بهاء حمزة من دبي:
اثار قرار الشيخ محمد بن راشد الذي اتخذه امس الاول باسناد ادارة الموانئ الاميركية الستة التي تحولت الى مشروع ازمة بين الولايات المتحدة والامارات الى شركة اميركية ارتياحا شديدا على كافة الجهات بعدما نجح بذكاء في اخماد فتيل ازمة حقيقية كادت ان تهدد العلاقات بين البلدين التي وصفتها دوائر في البيت الابيض بانها علاقات شراكة مثالية سياسية واقتصاديا.
والحقيقة ان قرار حاكم دبي لا يمثل تراجعا عن الصفقة الحلم التي كانت سلطة موانئ دبي قد انجزتها مطلع الشهر الماضي بستكمال شراء شركة بي اند او البريطانية العملاقة لادارة الموانئ والتي خولتها ادارة عدد كبير من موانئ العالم كانت ادارتها موكولة للشركة البريطانية من بينها ستة موانئ اميركية، وانما يمكن ان يوصف القرار بأنه مناورة ذكية من سياسي محنك بحسب وصف متابعين للصفقة في دبي اذ ان التيار المعارض للصفقة في اميركا كان يتزايد بصورة مخيفة منذرا بازمة ليست فقط في العلاقات بين واشنطن والامارات وانما كانت تلوح في الافق بوادر ازمة داخلية اميركية خصوصا مع اصرار بوش وادارته على الدفاع عن الصفقة وحرصهم على الاستمرار فيها.
ولفت المتابعون الى عدد من الدلائل تؤكد بعد نظر الشيخ محمد بن راشد في اتخاذ قرار اسناد ادارة الموانئ الاميريكة الى شركة اميركية سواء في دقة توقيت اعلانه او في مضمونه، اذ ان القرار يصيب اكثر من هدف بسهم واحد، فهو من جهة سجل هدفا في مرمى ادارة بوش التي كانت مقبلة على ايام صعبة مع الرأي العام الاميركي بسبب هذه الصفقة التي لم يكن الاميركيون يؤيدونها بشكل كامل حسبما افادت استطلاعات الرأي الاخيرة أن الغالبية العظمى من الأميركيين يعتقدون أن البيت الأبيض قد أخطأ بدعمه للصفقة.وهذا ما دفع الجمهوريين لابداء مخاوفهم من ان يستغل الديمقراطيين تلك الصفقة ضدهم خاصة مع قرب موعد الانتخابات في نوفمبر (تشرين ثان) المقبل خصوصا في ضوء التقارير التي تحدثت عن هبوط شعبية الرئيس والكونغرس معا.
وهي نفس المخاوف التي دفعت الجمهوري بيتر كينج رئيس لجنة الأمن القومي الى التصريح بانهم quot;لن نسمح للديموقراطيين بأن يكونوا على اليمين منا في قضية الأمن القوميquot;. لكن الموقف داخل ادراة بوش كان اكثر تعقيدا من ذلك لانه كان واقعا بين شقي رحى اولهما التزامه بتمرير الصفقة خصوصا في ظل التأييد القانوني لها بموجب احكام قضائية في بريطانيا واميركا والثاني هو اليقين بأن الاستمرار في الدفاع عن الصفقة بمثابة انتحار سياسي ليس لشخصه فقط وانما للحزب الجمهوري ككل، ولهذا فان عليه بحسب المتابعين ايضا ان يشعر بمزيد من الامتنان الان لدبي والشيخ محمد بن راشد.
كذلك فان ما لم يضعه البعض في اعتبارهم ان دبي لن تقبل ان تكون بعيدة عن الموضع برمته ولهذا فهي القت اولا بلوح ثلج في وجوه المنفعلين من اعضاء الكونجرس لتفهمهم انها ليست لها مطامع في الاستحواذ على الموانيء الاميركية لكنها في المقابل تريد الان خلال مفاوضات نقل ادارة ادارة المرافيء الى شركة اميركية ان تتواجد في الصورة وهي اقترحت بحسب الفايننشيال تايمز انشاء شركة جديدة تحصل فيها على نسبة 49 في المئة من الملكية ما يخولها التواجد في الصفقة التي ابرمتها من البداية مع احتفاظ الجانب الاميركي بحق الادارة وهي الهاجس الذي اثار جنون اعضاء الكونجرس.
ثانيا ان توقيت اعلان دبي باسناد ادارة الموانيء الاميركية الى شركة اميركية يجري الاتفاق عليها مدروس تماما حيث حرص حاكم دبي على اعلانه بعد حصول سلطة موانيء دبي على احكام لصالحها في كافة القضايا المرفوعة لاعادة النظر في الصفقة ما يعني انه قرر التخلي عن المسألة وهو منتصر بمنطق القوي الذي يترك بعض العظام ليفترسها من يريدون ولو كان فعل ذلك قبلا لاشيع الكثير عن انه ودبي والامارات كلها خافت من التهديدات الاميركية الى اخر السيمفونية الامنية التي يهوى الاميركان عزفها في كل ازمة.
البعد الثالث في قرار التخلي عن ادارة الموانيء الاميركية ان حاكم دبي تعامل مع المسألة بعد مراعاة الاعتبارات السياسية والامنية بمنطق رجل الاعمال الناجح وهو ان خسارة قريبة افضل من مكسب بعيد وهنا كانت الخسارة شبه مؤكدة في تلك الصفقة ليست فقط في المضايقات التي كانت موانيء دبي ستتعرض لها خلال ادارتها للموانيء الاميركية الستة وانما في تأثير تلك الضجة على اعمالها المتشعبة حول العالم (هي الان تصنف باعتبارها اكبر شركة لادارة الموانيء في العالم وتدير مرافيء تزيد في كل انحاء الارض تقريبا سواء بشكل مباشر او من خلال شراكات استراتيجية) ما يعني ان التضحية بادارة الموانيء الاميركية الستة اقل تكلفة بكثير من السير في العملية وتحمل تبعاتها الاقتصادية خصوصا ثم السياسية على مستقبل المؤسسة الاماراتية الناجحة والتي كان ابسطها امكانية قيام تكتل غربي لمنافستها في جميع انحاء العالم او ضرب مصالحا والاضرار باسهمها واسهم الشركات التي تمتلكها.
رابعا كان هناك بعد في الموضوع لم تتنبه اليه سوى مجلة تايم الاميركية التي اشارت في عددها الاخير الى أن شركة quot;دبي للاستثمارquot; التي تملكها حكومة دبي تؤمن خدمات ل 12 مرفأ أمريكيا من خلال quot;انشكايب شيبينج سيرفيسزquot; (آي اس اس) البريطانية التي كانت قد اتمت صفقة شرائها في كانون ثان (يناير) الماضي لقاء 285 مليون دولار شركة والتي تشمل اعمالها تأمين خدمات لمرافئ أمريكية. واضافت المجلة الاميكية ان الشركة البريطانية تملك أكثر من مئتي مكتب في العالم بينها اكثر من 12 مكتبا في مدن أمريكية ساحلية منها هيوستن وميامي ونيو اورلينز. وتتولى هذه المكاتب توفير سفن لنقل الربابنة وسفن جر وعمال مرافئ، فضلا عن أن البحرية الأمريكية كانت قد وقعت في حزيران (يونيه) الماضي عقدا بقيمة خمسين مليون دولار مع نفس الشركة تتولى بموجبه الإشراف على سفن (أمريكية) في معظم مرافئ جنوب غرب آسيا بما فيها مرافئ الشرق الاوسط.
والحقيقة ان هذا البعد بقدر ما كان غير ظاهر بقدر ما يعكس ذكاء وحنكة الشيخ محمد بن راشد في ادارة واحدة من اكبر الازمات التي يمكن ان تمر بها امارته او أي دولة عربية اخرى حيث ابطل بقراره مفعول القنابل الاميركية المحتمل ان تنفجر في وجه أي صفقة لدبي في اميركا وضمن الى حد كبير الابقاء او غض الطرف بشكل ادق عن وجود دبي في صفقة (آي اس اس).
ومن الجوانب الايجابية لقرار الشيخ محمد الاخير ايضا التوقعات الواسعة بأن تقل الغطرسة الاميركية المعتادة
خلال ما تبقى من مفاوضات التجارة الحرة بين البلدين والتي اعلن اليوم عن تأجيل جولتها المقبلة التي كان يفترض ان تعقد هذا الاسبوع بسبب ما اعتبره ديفيد هامود رئيس غرفة التجارة الامريكية العربية المناخ الحالي الذي لا يعد الافضل للحديث عن حرية التجارة في ضوء الرسالة الحمائية القوية الصادرة عن الكونجرس الامريكي، واشارته الى إنه كان صعبا على الجانبين ان يعقدا محادثات رسمية بينما المسألة ما زالت ساخنة.

وقد لاحت بالفعل بشائر التخفيف في اللهجة الاميركية في تصريحات كارلوس جويتيريز وزير التجارة حيث قال ان هذا التأجيل ليس امرا غير عادي في المحادثات التجارية قبل يردف بسرعة quot;الامارات العربية شريك استراتيجي مهم جدا. ومن اجل الانتصار في الحرب على الارهاب نحتاج الى دول عربية معتدلة .ولذلك فاننا نحتاج الى شرح سبب وجود كل هذا القلق وسبب شعور الكونجرس بقلق بشأن هذا الاتفاقquot;.