الإبداع الصناعي يحفز المنافسة عالميا
طلال سلامة من روما
الإبداع محرك النمو الصناعي ومصدراً لا يعلى عليه للتنافس، على المستوى العالمي. إن هذه النظرية يُجمع عليها العديد من الخبراء لكنها لا تُترجم دوماً الى إجراءات عملية من رؤساء الشركات وذلك لمبررات عدة. واليوم، يميل 65 % من مديري الشركات، حول العالم، الى الالتقاء عند نقطة واحدة ألا وهي ضرورة التدخل بواسطة تغيرات جذرية في سياسة الشركات، في غضون السنتين المقبلتين، للابتعاد عن الخسارة التدريجية للقدرة التنافسية، من جهة، وفقدان الحصص في الأسواق العالمية، من جهة أخرى. بالفعل، يبرز هذا التوجه بفعل الدراسة التي أنجزت حول سياسات الشركات الاستراتيجية، التي اعتمدت نتائجها على 750 مقابلة أُجريت مع رؤساء الشركات التنفيذيين، حول العالم. ويضع الوجه الثاني للدراسة التوكيد على بداية تحويل هؤلاء الرؤساء والمديرين أنظارهم، من الناحية الإدارية الاستراتيجية، عن خفض التكاليف للتوجه نحو إحياء النمو والعوائد. في هذا الصدد، ينكب الرهان على التداعيات الفعلية الإيجابية لمثل هذا النوع من التغيير كون 20 % فقط من المديرين الذين شملتهم المقابلة أكدوا بأنهم استطاعوا إكمال ذلك التغيير بصورة فعالة.
ولا يتعلق التغيير الجذري المنشود من أغلبية المديرين بطرح منتجات وخدمات جديدة فحسب إنما له علاقة أيضاً بالإبداع الحقيقي لعمليات الشركات ونماذجها التجارية. وفي محاولة لقياس الجُهد المبذول حالياً لتغيير بنية الشركات التحتية، يفيد المديرون بأنهم يخصصون، في الوقت الحاضر، ثلثي مساعيهم لتجديد نماذج العمل والتجارة. كما أن 61 % من أولئك الذي أُجريت معهم المقابلة، الشخصية أو الهاتفية، يعتقد بأن التغيرات الحيوية التي تقوم بها كبرى الشركات المنافسة ستحض الشركات الأصغر قوة وثقلاً على مجاراتها بسرعة بالغة، شاءت أم أبيت، في حقل التجديد والإبداع. وكان ملفتاً للأنظار كيف أن 14 % من المديرين لم يبدوا اهتمامهم في الاستثمار، في مجالات البحوث والتطوير، داخل شركاتهم، في حين يضع البقية (76 %) أعينهم على توليد الإبداع بخاصة عن طريق التعاون مع الشركات quot;العميلاتquot; والحلفاء التجاريين الرئيسيين. وحتى اليوم، ما زالت آلية الإصلاح والتجديد داخل الشركات قيد التحضير. في هذا الإطار، حوالي 50 % من الشركات المنتشرة حول العالم يستفيد من درجة تعاون نشطة مع الشركات والمؤسسات الأخرى. وثمة نسب مئوية مختلفة بين الأسواق النامية وتلك المشبعة. في الأسواق النامية، تتعاون 73 % من الشركات مع شركات أخرى أو حلفاء تجاريين، بينما تتراجع هذه النسبة الى 50 % في الأسواق المشبعة.
ولا يتوجب علينا أن نهمل وجود صلة وصل وطيدة بين التعاون التجاري والنتائج المالية. فالشركات التي تسجل نمواً عظيماً في المبيعات تعتمد على الحلفاء الخارجيين على نطاق واسع مقارنة بالشركات الأخرى التي تنمو بصورة أبطأ بكثير. هذا وتستند الشركات ذات النتائج المالية المتألقة على التعاون مع شركات أخرى، محلية أو دولية، بنسبة 30 % أكثر مقارنة بالشركات الأخرى ذات النتائج المالية الأضعف. وبحسب تصريحات المديرين، تنعكس حسنات التعاون مع الشركات أو المؤسسات الأخرى في قطع التكاليف، ورفع نوعية المنتجات ودرجة إشباع رغبة أو حاجة العملاء، والوصول الى منتجات وكفاءات جديدة، وتنمية المبيعات والدخول الى أسواق جديدة.
لكن هل وجدنا الدواء السحري لمداواة ما تعانيه الشركات من مشاكل؟ وهل أن الشركات تسير في الدرب الوردي للتطور والنتائج المالية الموثوقة؟ الجواب على هذين الأمرين ليس سهلاً إذ هناك بعض الجوانب العملية الهامة التي يجب أخذها في الحسبان. ويشير المديرون بوضوح الى تواجد أبرز العقبات، حيال عملية الإصلاح والإبداع، داخل نفس شركاتهم، أي في البنية التحتية، وفي أوساط الموظفين وعلى صعيد التثقف الاستراتيجي. ويعترف 35 % فقط من المديرين المستجوبين بأنه يود الأخذ على عاتقه مسؤولية القيام بحركة إصلاح وإبداع واسعة النطاق في شركته. وتفسر هذه النسبة المئوية الضعيفة جزئياً عبر المهام الموضوعة في أيدي المديرين التنفيذيين من جانب شركاتهم. ففي اليابان والصين وكوريا وأوروبا الشرقية 47 % من المديرين يشرف شخصيا على كامل خطة الإبداع، بينما تتراجع هذه النسبة الى 20 % في الولايات المتحدة الأميركية والهند أين توزع مسؤولية برنامج الإبداع داخل الشركة وخارجها(عن طريق الحلفاء وغيرهم). وفي الأسواق المشبعة، يلعب مديرو الشركات دوراً رائداً في الإشراف على برنامج الإبداع كونه يعتبر الشخصية المرئية الأكثر تأهيلاً لتمثيله وتنفيذه.
التعليقات