د.عدنان عبدالله الشيحة

منتدى الرياض الاقتصادي كتجمع هيأ لمناقشة قضايا وموضوعات اقتصادية وطنية ملحة ومهمة، ولا شك أنه فكرة رائدة ومبادرة تستحق الإشادة والتنويه والشكر والتقدير لغرفة تجارة وصناعة منطقة الرياض الجهة المنظمة. وهذا يأتي في سياق أن الغرف التجارية الصناعية لها دور مقدر ومهم فهي كمؤسسات مدنية يقع على عاتقها سد الفجوة بين القطاعين العام والخاص كونها مؤهلة من الناحية القانونية والعملية للقيام بأدوار يعجز عنها القطاعان العام والخاص. من هنا كان من المستغرب عدم تبني المنتدى طرحا متكاملا للموضوعات وتناول القضايا بنظرة تحليلية شمولية تستوعب جميع مكونات الاقتصاد الوطني، إذ إن النشاط الاقتصادي نظام مترابط ومتشابك المصالح ولا يمكن معالجة قطاع دون الأخذ بعين الاعتبار إسهامات القطاعات الأخرى. لقد فات على المنظمين في غمرة الحماس والاندفاع الجماعي للرأي السائد والانكفاء على الذات (group think) والنظر للأمور من زاوية جهوية ضيقة أن الجميع في السفينة نفسها ولا يمكن الإبحار بها وسط أمواج بحر المنافسة العالمية العاتية، إلا بتعاون جميع الأطراف وتقاسم الأدوار والالتزام بها، وأن المسئولية تقع على الجميع وليس على طرف دون آخر. ومع أنه كانت هناك اجتماعات تحضيرية للمنتدى، إلا أنه يبدو أنها كانت صورية حيث لم تؤخذ مداخلات المشاركين بعين الاعتبار. إن من المفترض أن يكون الهدف المنشود للجميع هو تحسين البيئة الاقتصادية لتكون أكثر جاذبية للاستثمار وأفضل مكان للعمل وأجود إنتاجا واعدل توزيعا للدخل. وتحقيق ذلك يكون بالسعي نحو إيجاد ثقافة اقتصادية أساسها الجد والاجتهاد والأمانة والتفاني بالعمل على جميع المستويات وفي كل القطاعات وتأكيد العلاقة بين العائد والإنتاجية والربط بين المدخلات والمخرجات والحرص على بناء الخبرة التي تمنح الميزة التفضيلية للاقتصاد الوطني. وهذا لا يتأتى إلا بتكاتف الجهود أفرادا وجماعات والإيمان بالعمل المشترك والمصلحة الوطنية وليس المصالح الضيقة الآنية والتشرذم ومنطق quot;أنتم ونحنquot; والإشارة بأصابع الاتهام إلى الأطراف الأخرى والتخلي عن تحمل المسئوليات والأدوار المناطة بها. إن المشكلة تكمن باعتقاد أحد الأطراف أنه ليس له علاقة بالمشكلة!
لقد كان من المتوقع أن يكون منتدى الرياض الاقتصادي آلية لرسم صورة مستقبلية للاقتصاد الوطني وكيفية الارتقاء به وتقويته والتحول إلى اقتصاد رقمي ومعرفي وإيجاد حلول لمشاكل البطالة والفقر التي هي نتاج ضعف الهيكل الاقتصادي باعتماده على الصناعات الرخيصة التجميعية التي تتطلب عمالة غير ماهرة وغير مدربة وغير وطنية! إن التحول من الصناعات الاستهلاكية إلى الصناعات التحويلية الرأسمالية يتطلب جرأة في القرار ورأسمالا كبيرا وتوطينا للتقنية وتحمل مخاطر أكبر، وهذا ما لا يستطيعه القطاع الخاص المدلل الذي طالما بحث عن رعاية الدولة وكفالتها ودعمها في جميع مشاريعه. قد يكون هذا السبب الذي يجعل الاقتصاد الوطني يراوح مكانه...، قد ينمو ولكن ليس بالضرورة يتطور. القطاع الخاص في جميع اقتصاديات الدول هو المحرك الأساس للاقتصاد عبر تبنيه مبادرات شجاعة تقود نحو التطوير والتنمية وتكبير الكعكة الاقتصادية، إلا أن القطاع الخاص السعودي ما زال يقتات على الدعم والمساندة الحكومية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. ولذا لم يكن مستغربا أن جاءت توصيات المنتدى جميعها تطالب الحكومة بالدعم دون أن يكون للقطاع الخاص أي دور في تحقيق هذه التوصيات! لقد تم للأسف وبشكل سافر التركيز في المنتدى على المطالبة بتطوير العمل الحكومي وتحسين أدائه وكأنه المسئول الوحيد عن بطء معدل النمو. وعلى أن هذا مطلب مشروع في ظل بعض القصور الذي يعتري القطاع العام في تقديم الخدمات وسن التشريعات والسياسات العامة وما يعانيه من تعقيدات إدارية وإجراءات مطولة وبطيئة وتأثيرها السلبي والكبير في أداء القطاع الخاص، إلا أن ذلك لا يخلي مسئولية مجتمع الأعمال من القيام بما يلزمه من أدوار والتي في مقدمتها الدفع نحو صياغة استراتيجيات اقتصادية وطنية وإقليمية (مناطقية) ومحلية والعمل على تطبيقها لتكون منطلقا للعمل المشترك لجميع الأطراف في الاقتصاد الوطني وتقود نحو التطوير والتنمية والارتقاء بمستوى الاقتصاد من الناحية الإنتاجية والجودة والإبداع وحجز مكان متقدم في المنافسة العالمية. لم يعد بالإمكان التفكير في إطار ضيق من المصالح الجهوية وتحقيق إنجازات آنية شخصية تتلاشى مع مرور الزمن وتكون نسيا منسيا. إن تفكير رجال الأعمال يجب أن يكون عميقا، واسعا، جريئا، إيجابيا، ذا رؤية قيادية تصنع المستقبل وإيمانا تاما بأن تحقيق المصلحة الوطنية سيقود في نهاية المطاف إلى تحقيق مصالحهم الشخصية وليس العكس! إن قوة الاقتصاد الوطني تعود بالنفع على الجميع وهي لرجال الأعمال أكبر، لذا كان من مصلحتهم أن يكبر الاقتصاد ويتطور، لكن هذا التطور يستلزم مساهمة فاعلة وليس الاعتماد على الإنفاق الحكومي والمشاريع العامة. إن تطوير الاقتصاد الوطني يتطلب همة عالية وعدم استعجال النتائج والتوجه نحو بناء قاعدة اقتصادية صلدة وتنمية مستدامة وتنويع مصادر الدخل لنحمي الاقتصاد الوطني من تقلبات السوق العالمية. إن مرتكز بناء الاقتصاد الوطني هو الموازنة بين متطلبات الحاضر وحفظ حق الأجيال القادمة في العيش الكريم. ولذا ليس من المسوغ أن يستمر الاقتصاد على ذات النهج الاستهلاكي وتبني صناعات ضعيفة لا تقدم شيئا يذكر للاقتصاد الوطني.
لقد رفع المنتدى بتوصياته شعارات رنانة جذابة لكن بعيدة عن الواقع ولا تلامس المشاكل الحقيقية التي يئن منها الاقتصاد الوطني والتي من أهمها انحسار الطبقة الوسطى التي هي العمود الفقري لأي اقتصاد. وهي بلا شك نتيجة حتمية لهيكل اقتصادي يخدم النخب الاقتصادية على حساب الإنتاجية والتطوير وعدالة التوزيع. وبتحليل بسيط للاقتصاد نجد أن جل الأموال في مخططات عقارية لا تعدو كونها صحارى مقفرة أو مصانع للمنتجات الاستهلاكية هي أقرب للتعبئة منها لمصانع! بين هذه وتلك ينتفخ الاقتصاد انتفاخا مرضيا تكون ظواهره البطالة والفقر والمخدرات والسطو المسلح والإرهاب! لم يكن هناك ذكر في المنتدى للتنمية المحلية والإقليمية وظل الاهتمام عند المستوى المركزي. لقد كان من الأجدر أن يهتم القطاع الخاص بوضع أطر للعمل المحلي والمناطقي لأنه جذور التنمية الوطنية. والمطالبة بأن يكون هناك هيئات محلية وإقليمية مستقلة ماليا وإداريا قادرة على صنع القرارات وصياغة السياسات فهي الأقرب والأجدر لذلك. إن نجاح التنمية الاقتصادية يعتمد بالدرجة الأولى على استجابتها لمتطلبات السكان وقبولهم لها وهذا لا يتأتى إلا من خلال مشاركتهم في عملية صنع القرار. إن الهيئات المحلية والمناطقية هي الأقدر والأعرف والأكثر دافعية لرعاية مصالح السكان داخل نطاقها الجغرافي. وكلما كان القرار الحكومي قريبا من القرار الخاص كان ذلك أدعى لقيام شراكة حقيقية وإدراك للمصالح المشتركة وكفاءة وفاعلية للسياسات العامة. في ذات الوقت باستطاعة الغرف التجارية الصناعية لعب دور كبير في التنمية المحلية والإقليمية بصياغة استراتيجيات لمناطقها تعتمد على تطوير القاعدة الاقتصادية وتحديد الصناعة الرئيسة ومن ثم تحديد ما ينبغي عمله والموارد المطلوبة وتوزيع الأدوار بين جميع الأطراف الحكومية والخاصة. هكذا يكون لدينا خريطة اقتصادية واضحة المعالم تشمل المستويات الوطنية والإقليمية والمحلية وتحدد أدوار القطاعين العام والخاص، إلا أن منتدى الرياض الاقتصادي فشل في إدراك ذلك ولم يسهم في رسمها وتوجيه الانتباه إليها، وأثر الاستمرار في ذات الطرح السلبي بإلقاء العبء على الأجهزة الحكومية والتنصل من مسؤولياته الوطنية، ولذا كانت التوصيات قائمة من الأمنيات والمطالب دون آليات مقنعة ودون ربطها بالأهداف الإستراتيجية الوطنية. وإذا كانت الحجة أن ليس هناك استراتيجية وطنية كان من المفترض الدفع نحو صياغتها. هناك توقعات كبيرة من القطاع الخاص بعدما هيأت الدولة كل الأسباب وأهمها الدعم المالي السخي. لقد أصبح قطاع الأعمال يملك المقومات لأداء أدوار أكثر جرأة وإبداعية ومطالب أن يخوض تجارب جديدة تنقل الاقتصاد الوطني إلى مستويات أعلى من النضج الصناعي والتجاري، بدلا من السعي إلى استمرار ذات الحال والاستكانة للمألوف وفي مأمن من المخاطرة والدعوة لاستمرار دعم وحماية الدولة. إن على القطاع الخاص ومن أجل أن ننجح في التنافس العالمي والاستفادة من الانضمام لمنظمة التجارة العالمية أن يسعى إلى تطوير الاقتصاد بنظرة شاملة متكاملة ترى الاقتصاد الوطني كلا لا يتجزأ. على سبيل المثال توافر الموارد البشرية يجب أن يرى على انه أفضلية وليس مشكلة، إذا ما اتجه القطاع الخاص إلى تطوير نفسه والتحول إلى صناعات أكثر دخلا وأكبر حجما ومن ثم أكثر طلبا واستيعابا للموارد البشرية. فهل يعي القطاع الخاص دوره ويخرج من دائرة المطالبة والسلبية والنظرة الضيقة إلى دائرة المبادرة والإيجابية وقيادة الاقتصاد الوطني إلى آفاق أرحب والقيام بمسئولياته على أكمل وجه قبل أن يكيل الاتهامات للقطاع العام ويطالبه بالتطوير وتحسين الأداء!