البعض يربط ندرته بـquot;صراعات العصب الحاكمةquot;
الحليب يتحول إلى قضية quot;رأي عامquot; في الجزائر!


كامل الشيرازي من الجزائر

تحوّل quot;الحليبquot; في الجزائر هذه الأيام إلى قضية quot;رأي عامquot; ، خاض فيها الجميع وراح الكل يرسم القراءات والسيناريوهات، في وقت تلقي أزمة الحليب الحادة التي يعانيها الجزائريون بظلالها، جراء استمرار ندرة هذه المادة الحيوية وحديث السلطات عن حتمية مضاعفة سعرها، رغم حديث وزارة الزراعة الجزائرية عن توفرّ ما يربو عن 42 مليون لتر يوميا، ما يفي نظريا بحاجة 34 مليون جزائري من مادة صار الظفر بها أمنية بعيدة المنال!

90 منتجا للحليب في خبر كان

بداية الحكاية كانت قبل 96 ساعة، عندما قرّر نحو 90 من منتجي الحليب في الجزائر، إيقاف نشاطاتهم احتجاجا على رفض الحكومة حل مشاكلهم، وفشلت جميع المساعي التي قادها مسؤولو الديوان الجزائري للحليب، في إقناع هؤلاء المنتجين باستئناف عملهم.أصل المشكلة، بحسب تصريحات عدد من المنتجين لـquot;إيلافquot;، هو تكبدهم خسائر كبيرة، ومواجهتهم أزمة مالية خانقة، لكونهم لم يتلقوا الدعم المالي الذي وعدتهم به الحكومة، بجانب ما يرونه عدم تكيف أسعار الحليب في السوق المحلية، مع سعره في الأسواق الدولية، ويطالب جمهور المنتجين بأن لا يقل دعم الدولة عن 25 دينارا للكيس الواحد من الحليب بدل الخمسة عشر دينارا المعمول بها حاليا (الدولار الواحد يعادل 65 دينارا).
في المحصلة، استيقظ الجزائريون فجأة على ندرة غير معلنة لأكياس الحليب، التي تعتبر المادة الأكثر استهلاكا، وازدادت متاعب الشارع المحلي إثر تواصل فشل السلطات في توفير حليب الأطفال، ويخشى الجزائريون أن تطول هذه الأزمة، بعدما أرهقتهم ndash;ولا تزال- الأسعار الخيالية لعموم المواد الغذائية.
وأصبح الموقف غاية في الغرابة، فقد بات من الصعب، الحصول على كيس من الحليب، بعد السادسة صباحا، لكون وحدات الإنتاج التابعة للقطاع العام لا تقوى على سد الحجم الكبير للطلبات، رغم إقدام مصنع (كوليتال) على رفع قدرته الإنتاجية إلى حدود الضعف.
وفيما اصطف كثيرون في طوابير طويلة لأجل نيل كيس حليب، اضطر قطاع آخر من الجزائريين إلى استبدال الحليب باستهلاك الشاي نظرا لسعره المنخفض، بينما لجأ عدد من العوائل الميسورة إلى شراء الحليب المستورد الذي لا تستطيع العائلات الكادحة اقتناءه بحكم سعره المرتفع، حيث يقدّر ثمن العلبة ذات اللتر الواحد بـ 7 يورو.
وأمام هذا الوضع، أبدى أرباب أسر التقتهم quot;إيلافquot; تبرّمهم تجاه هذا الوضع المزري، وقال حسين (44 سنة) موظف لدى بنك خاص:quot;لست أجد سببا واضحا لكل هذا؟quot;، واستطرد عثمان (51 سنة) عامل بميناء الجزائر:quot;هل يعقل أن يعجز بلد غني كالجزائر عن توفير الحليب لمواطنيهquot;، في وقت تلاحظ بهية (33 سنة) مدرّسة أنّ quot;أطفالها اشتاقوا إلى كوب حليبquot;.

قضية مفتعلة؟!

يذهب مراقبون، إلى التشكيك في جذور ما بات يعرف بـquot;أزمة الحليبquot;، ويعتبرون الأمر برمته (قضية مفتعلة) تحوصل خططا جرى الإعداد لها بعناية لقضاء مآرب معينة، ويرى quot;محمد بولنوارquot; المتحدث باسم الاتحاد الجزائري العام للتجار والحرفيين، بوجود جهات تستفيد من الاضطراب الحالي الحاصل في إنتاج الحليب، مقدّرا أنّ العملية مدروسة لتسهيل استيراد الحليب.
وذكر بولنوار في مقابلة مع quot;إيلافquot; إنّ السلطات تملك من الإمكانيات ما يؤهلها لتحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال إنتاج الحليب، كما اعتبر السياسة الخاصة بإنتاج الحليب غير واضحة، والسوق بحسبه، بحاجة إلى إعادة تنظيم محكم.
بالمقابل، (استفاقت) الحكومة متأخرة، حيث انتظر رئيس الوزراء عبد العزيز بلخادم حتى تتفاقم الأزمة، كي يتحرك ويعقد مجلسا وزاريا مصغرا، لفرض سلطتها، والتكفل بتسديد الفارق الناتج من ارتفاع الأسعار في الأسواق العالمية، لكن معلقي الصحف المحلية ومعهم المواطنون يرفضون أن يكون الحراك الحكومي مجرد quot;سحابة عابرةquot;، ويشددون على حساسية انتصار دوائر القرار لاستراتيجية واضحة تحمي البلد من الهزات، وأن لا يقتصر الأمر على ردة فعل مقصورة.


حينما يقحم الحليب في (لعبة) السياسة

يتصور محللون أنّ quot;أزمة الحليبquot; لا يمكن قراءتها بمعزل عن الصراعات الناشبة في قمة هرم الحكم من صراعات غير معلنة بين جناح الرئيس بوتفليقة وخصومه من العسكر، وفي صراع من هذا الطراز، تصبح كل أساليب الضرب تحت الحزام مشروعة لثني الطرف الآخر عن تحقيق أجندته كاملة، ويلفت محللون إلى أنّ أكثر الوسائل توظيفا على ما يبدو quot;تسخين الجبهة الاجتماعيةquot; فاختلاق ندرة في مادة الحليب، لها انعكاساتها التي ستنهك الفريق الآخر في الحكم.
وركّز خبير ndash; طلب عدم نشر اسمه- على أنّ المسألة تتلخص في محاولة (السلطة الفعلية)، إغراق الجزائريين في مستنقع المشاكل الاجتماعية، وإلهائهم عن الخوض في أمور بلادهم المصيرية، في وقت يذهب متابعون إلى أنّ الموضوع ينطوي أيضا على حيثية تسعى من ورائها جهات متنفذة التشويش على الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الطامح إلى تمديد فترة حكمه، إذ تراهن القوى المستترة على دفع الناس إلى التظاهر ضد سياسات الحزب الحاكم، بهدف إظهار الحكومة الحالية و من ورائها بوتفليقة، وإظهاره كعاجز عن توفير أبسط الحاجيات الأساسية للشعب، بما يسقط مطلب بقاء بوتفليقة في قصر الرئاسة ويجعله فاقدا لمبرراته، تبعا لعجزه عن تأمين حاجيات الجماهير، والحيلولة دون اتساع رقعة الفاقة التي باتت تستوعب 14 مليون فقير.

نحو أكتوبر جديد؟!

إذا ما استمر الحال على المنوال ذاته، لا يستبعد خبراء الشأن الجزائري، حدوث انفجار اجتماعي، ويرشحون لأن تكون quot;أزمة الحليبquot; بمثابة الفتيل الذي سيفجر quot;أكتوبر جديدquot; في البلد، بعد 19 سنة من أحداث الخامس من أكتوبر 1988، التي اندلعت في ظروف اجتماعية مشابهة، وكانت لها تداعيات وإفرازات وخيمة.
وبمقارنة بسيطة، يتفق أغلب المتتبعين أنّ الأوضاع الحالية مشابهة لتلك التي عايشتها الجزائر العام 1988، فقد أصبح الجزائريون عاجزين عن تحمل هذا الوضع، ويعتقد العارفون بتجليات ما يحدث في الجزائر،أنّ quot;أزمة الحليبquot; وقبلها أزمة quot;البطاطاquot; وquot;الدقيقquot; وquot;الزيتquot; هي quot;شجرة تخفي من ورائها غابةquot; في جزائر بوجهين (دولة غنية وشعب فقير)، ما رسّخ انطباعا عاما في الخيال الجماهيري مفاده:quot; ما فائدة امتلاء الخزانة العام بمئة مليار دولار، وما جدوى ارتفاع أسعار النفط، ما دامت الأزمات الاجتماعية سيدة للموقف، والمواطن هناك مغلوبا على أمرهquot;.