موريتانيا: توزيع مساعدات عاجلة لتفادي أزمة غذائية
المفوضية المكلفة بالحماية الاجتماعية تطلق برنامج الغذاء مقابل العمل
سكينة اصنيب من نواكشوط
بدأت الوزارة المكلفة بالحماية الاجتماعية في توزيع مواد غذائية على السكان الأكثر فقرا في ولايات الداخل الموريتاني خوفا من حصول أزمات غذائية بسبب قلة التساقطات وتدني مستوى الدخل، فقد أشرف محمد ولد محمدو المفوض المكلف بالحماية الاجتماعية على عملية انطلاق بعثات الى الولايات الموريتانية الفقيرة، وتهدف هذه البعثات الى رصد الحالة الغذائية للسكان في مختلف بلديات الولايات الداخلية، والقيام بعمليات مسح شاملة. وقد اكد المفوض ان هذه العملية تأتي في اطار سياسة الدولة الهادفة الى التعرف على أحوال المواطنين المعيشية في هذه الظرفية الخاصة وايجاد حلول لها في أسرع وقت ممكن.
وفي ولاية اينشيري أطلقت المفوضية المكلفة بالحماية الاجتماعية بالتعاون مع الصليب الأحمر الايطالي برنامجا استعجاليا لتوزيع كميات من المواد الغذائية على المجموعات السكانية الأكثر فقرا في الولاية، وقال المهدي ولد أدياكيلي رئيس المفوضية بالمدينة أن الكميات التي تم توزيعها تتألف من 124 طنا من الأرز من بينها 97 طنا مخصصة لبلدية أكجوجت المركزية و27 طن لبلدية بنشاب لصالح 2480 شخصا في الولاية الأكثر فقرا حسب معايير وضعتها لجان مشتركة بين مصلحة المفوضية المكلفة بالعمل الاجتماعي في الولاية والهلال الأحمر الايطالي ومنظمات المجتمع المدني العاملة في الولاية.
وأوضح أن التوزيع المجاني الذي تقدمه المفوضية بين الحين والآخر على مستوى ولاية اينشيري ساهم في تخفيف معاناة الأسر الأكثر فقرا والأقل دخلا، وأن المفوضية نظمت الأشهر الماضية حملة واسعة لتنظيف مدينة اكجوجت استمرت عشرين يوما واستهدفت إزالة القمامات المسببة للأمراض والأوبئة في اطار برنامج الغذاء مقابل العمل، مطالبا بأن يعي المواطنون اهمية المحافظة على وسطهم نظيفا وأن يساهموا في عدم تلويث المحيط بنفي القمامات في أي مكان. ودعا مواطني الولاية، الى الاقبال على العمل المنتج وعدم انتظار المساعدات، منبها الى أن المفوضية ستباشر بالتعاون مع الهلال الأحمر الايطالي برنامجا طموحا يهدف الى خلق مشاريع صغيرة مدرة للدخل في إطار جهودها المتواصلة للتخفيف من الفقر والعوز الذي تعاني منه ساكنة الولاية .
وأشار المهدي ولد ادياكيلي الى أن ارساء ثقافة المحافظة على النظافة والتوعية بأهميتها مسؤولية المنتخبين والسلطات الإدارية، مشيدا بتعاون البلدية في هذا المجال. واوضح أن تحديد البلدية وتصنيفها للأحياء الأولوية في عملية التنظيف ووضعها لطاقمها المكلف بالنظافة تحت تصرف المشرفين على هذه الحملة رغم شح مصادرها يشكل خطوة مهمة في هذا الصدد، مشيرا الى أنه في إطار البرنامج نفسه يجري الآن إحصاء 540 أسرة فقيرة في بلدية بنشاب ستستفيد من عون مماثل.
وفي ولاية تيرس زمور استفادت 2400 أسرة من 204 أطنان من الأرز، 120 منها لسكان ازويرات 40 لمقاطعة افديريك و40 طنا لبئر أم اكرين في اطار التعاون الايطالي مع مفوضية الحماية الاجتماعية. وتم في نفس السياق تخصيص 200 طن من القمح للبيع بسعر مخفض في مقاطعات الولاية على حساب الدولة الموريتانية واستثمار عائدات هذه الكمية في مشاريع مدرة للدخل لصالح سكان الولاية. وحسب المفوضية فان هذا التوزيع يدخل في اطار جهود المفوضية المكلفة بالحماية الاجتماعية الهادفة الى تحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين وتخفيف أعباء الحياة عليهم خاصة بعد قيام باحصاء دقيق للمواطنين الاكثر احتياجا في عموم مناطق الولاية.
المساعدات لا تصل الى الفقراء
تستفيد موريتانيا من مساعدات هامة، مالية وعينية من دول عربية واسلامية وغربية ومن منظمات دولية تهتم بتحسين الوضع المعيشية للسكان في الدول النامية، وتهرع هذه الجهات الى مساعدة موريتانيا حين يضرب الجفاف البلاد أو حين تغزو أسراب الجراد المزارع والحقول، فتطلق السلطات نداءات لمساعدتها على تأمين المواد الغذائية للفقراء والمعدمين من المزارعين الذين فقدوا مصدر رزقهم بسبب الآفات الطبيعية، وحين توزع هذه المساعدات تراعي السلطات حصة الأغنياء منها، فللأثرياء أيضا حصة من طعام الفقراء.
هكذا كان الحال في عهد ولد الطايع حيث يقضي آلاف الفقراء ليالي طوال دون طعام بينما المساعدات مكدسة في مخازن الأغنياء ومعروضة على موائد طعامهم، وما يتم توزيعه على المعوزين لا يتعدى عُشر ما تحصل عليه الدولة من مساعدات.
ولا توزع المساعدات الغذائية والعينية على الفقراء إلا بحضور سفراء الدول التي تقدم تلك المساعدات وأمام عدسات الصحافة حتى يكون المشهد الوحيد من مسرحية توزيع المساعدات التي تفوقت حكومات ولد الطايع المتعاقبة في تمثيلها موثقة بالصور والشهود.
بينما تبقى الكميات الهامة من المساعدات مكدسة في مخازن مفوضية الأمن الغذائي في انتظار توزيعها على كبار الموظفين وأقاربهم، حتى أن الحكومة الحالية اضطرت بعد أشهر من تسلمها السلطة الى إتلاف كميات كبيرة من المساعدات الغذائية انتهت صلاحيتها ولم توزعها الحكومة السابقة على آلاف الفقراء والمعوزين في القرى والمدن.
وما يسري على المساعدات الغذائية والعينية يسري على المساعدات المالية، حيث تقدم الدول والمنظمات مساعدات مباشرة تقدر بملايين الدولارات من أجل تشييد ودعم جملة من المشاريع كتوفير المياه الصالحة للشرب وبناء المدارس والمراكز الصحية وتثبيت الرمال ومكافحة الفقر، إلا أن هذه المشاريع ذات النفع العمومي لم ترى النور بعد، لأن الميزانيات المخصصة لها نهبت من طرف كبار الموظفين في الدولة والوزارة الوصية على تنفيذها.
وكان سلاح نظام ولد الطايع في جلب المساعدات الدولية النداءات التي تطلقها الحكومة كلما تأخر موسم الأمطار، ويؤكد مسؤولون موريتانيون أن quot;ناقوس الخطرquot; الذي دقته حكومات ولد الطايع حول الوضعية الغذائية للموريتانيين ليس سوى إدعاء كاذبا من أجل الاستمرار في استغلال المساعدات الدولية التي لا يستفيد منها في الواقع إلا نظامه وحاشيته.
وكانت النداءات التي تطلق من أجل استدرار المساعدات تحذر quot;من وضعية مأساويةquot; وتهدد المجتمع الدولي بـquot;مجاعة وشيكةquot; بسبب quot;استنفاد مخزون المواد الغذائيةquot;، بينما النظام يستغل المساعدات ويحولها للبيع في أسواق محلية بدل أن توزع بالمجان على الفقراء.
وتباع مختلف المواد الغذائية المتحصل عليها من الهيئات الإنسانية، بأسعار السوق للسكان حتى في الأرياف الفقيرة على مرأى ومسمع من الجميع، وفي أسواق المدن والدول المجاورة كمالي والسينغال. وأمام هذه الوضعية طالبت جمعيات خيرية موريتانية برنامج الغذاء العالمي بالقيام مهمة رقابة لمنع تحويل للمساعدات الإنسانية والتأكد من الوصول الفعلي إلى وجهتها الحقيقية عبر بنيات استقبال ومراقبة وتوزيع.
أثارت هذه الأصوات انتباه المنظمات إلى ظاهرة تحويل المساعدات وآثارها على وضعية المعوزين، وطالبت بفتح تحقيق حول الأخبار والتقارير المتداولة بشأن تحويل المساعدات الانسانية ومعرفة كيف تتم المتاجرة بجزء كبير من المساعدات في الأسواق الكبرى لموريتانيا بينما يحرم منها آلاف الأشخاص الموجهة إليهم فعلا.
وساهم في فضح عمليات تحويل المساعدات التقارير التي تداولتها بعض الصحف والتي أكدت أن هذه المساعدات باتت تشكل مصدرا يدر مداخيل كبيرة على رجال أعمال متعاونين مع أقطاب النظام، وأوضحت أن كبار مسؤولي نظامه كانوا ينهبون المساعدات الدولية المقدمة للحكومة والشعب الموريتاني ويقدمون فواتير كاذبة للمنظمات الدولية ولصندوق النقد الدولي ومنظمات الدعم الدولي الأخرى تبرر النهب المنظم للمال العام وإفقار الشعب.
وطالبت التقارير برنامج الغذاء العالمي بالتحكم في مجمل مسلسل تقديم المساعدات الإنسانية ابتداء من النقل والتخزين والحراسة وصولا إلى توزيع المساعدات، لأن النظام يستغل ارتفاع معدلات الفقر في موريتانيا كمبرر لاستغلال المساعدات الدولية، وإخفاء الحقيقة ومواصلة النهب والسرقة.
وتقدم لموريتانيا مساعدات عينية كالأغذية والخيام والملابس والأغطية، بينما تقدم مساعدات مالية سخية من أجل تمويل العديد من المشاريع في البلاد مثل بناء المدارس والمصحات والطرق والمشاريع المدرة للدخل.
وخلال السنة الماضية منح صندوق النقد الدولي لموريتانيا مساعدة بقيمة 24.2 مليون دولار بصفة تسهيلات لخفض حدة الفقر وتحسين النمو، وسيقدم هذه المساعدات على مدى ثلاثة أعوام. وقد استفادت موريتانيا من صرف فوري لمبلغ 6.8 مليون دولار، سيدعم برنامج الاصلاحات الاقتصادية وخفض حدة الفقر في موريتانيا.
ورغم أن الاتحاد الأوربي أوقف مساعداته الموجهة لموريتانيا عقب انقلاب 3 أغسطس (آب) 2005 إلا أنه قرر العودة في غضون أشهر قليلة بعد ذلك الى التعاون مع نواكشوط والإفراج عن المبالغ التي كانت مجمدة منذ الاطاحة بنظام ولد الطايع.
وأكد المسؤولون الأوربيون أن موريتانيا لن تخسر المبالغ والهبات التي تم تعليقها، حيث تم وضع ما يناهز 200 مليون يورو من صندوق التعاون تحت تصرف الحكومة الانتقالية، وأضافوا أن المسار التعاوني مع موريتانيا سيرجع قريبا إلى سابق عهده، منهيا بذلك سلسلة من التحفظات بدأتها بعض الحكومات الأوربية منذ الإطاحة بنظام الرئيس السابق.
وستخصص 90 مليون يورو من هذه المساعدات الأوربية لتطوير البنى التحتية ودعم التصدير، فيما ستخصص هبة قدرها 100 مليون يورو لتطوير شبكة الطرق الوطنية وإصلاح النظام القضائي وترميم مدينة شنقيط التاريخية، أما 6 مليون الباقية فستخصص لدعم التحول الديمقراطي.
كما تقدم دول عربية واسلامية مساعدات هامة لموريتانيا كان آخر المملكة العربية السعودية التي قدمت مساعدة مالية قدرها مليوني دولار، وذلك لتأمين مواد غذائية واغاثية وشاحنات لنقل المواد الغذائية، عن طريق مكتب برنامج الأغذية العالمي في موريتانيا.
التعليقات