استمرار التعاون بين روسيا والاتحاد الأوروبي بغض النظر عن العقبات

موسكو


قالت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس قبل أيام إن العالم لن يشهد حربا باردة جديدة. وهناك في العالم الغربي من يزعمون أن الحرب الباردة الجديدة كانت قد بدأت بعدما تدهورت العلاقات بين روسيا والغرب بسبب انبعاث quot;نزعات السيطرة والهيمنةquot; لدى موسكو. ويزعم هؤلاء أن رحى الحرب الباردة الجديدة لا يمكن إيقافها إلا عندما تثوب النخبة السياسية الروسية إلى رشدها حتى تدرك أن المباراة مع ديمقراطيات العالم الرائدة عبث لا طائل وراءه.

ومن الواضح أن المقصود بـquot;السياسة الرشيدةquot; هنا هو ما انتهجته الحكومة الروسية في بداية التسعينات من القرن الماضي تائهة في متاهات المكان والزمان وغارقة في المديونية وسائرة حسبما تشتهي الظروف القاهرة.وعندما اتجهت القيادة الروسية في وقت لاحق للتصرف على نحو عقلاني اتهموها بأنها بصدد إشعال الحرب الباردة الجديدة.

وفي الحقيقة فإن روسيا لا تريد أي حرب باردة ولا ساخنة ولكنها أصبحت تحدد موقفها على مسارات حيوية كالأمن العسكري وأمن الطاقة والأمن الغذائي والأمن الإعلامي. وطبيعي أن تعبر روسيا عن القلق مما ترى فيه خطرا على أمنها كنشر ما هو تابع للدرع الصاروخي الأمريكي في شرق أوروبا. ووجد رئيس اللجنة الدولية المستقلة الخاصة بأسلحة الدمار الشامل (هانس بليكس) موقف روسيا منطقيا موضحا أنه لا يمكن أن يحلو لأحد وضع صواريخ حربية في فناء داره.

وهناك ما لا يحلو للأمريكيين أيضا. وعلى سبيل المثال لا يروق لهم أن تتعاظم قوة حليفهم الأوروبي لأنهم ينظرون إلى أوروبا كمنافس تجاري. ومن هنا فإنهم يضعون العراقيل على طريق التعاون بين الاتحاد الأوروبي وروسيا مستعينين بأصدقائهم الجدد كبولندا.وبالنسبة لروسيا لا تسير الأمور على هذا الطريق على خير ما يرام. ولا يمكن أن تسير الأمور على ما يرام طالما ظل هذا الكيان - الاتحاد الأوروبي - يفتقر إلى التجانس والتلاحم. إلا أن هذا لا يعني أن مسيرة التعاون الروسي - الأوروبي تسير إلى طريق مسدود.

وأكد أحد مساعدي الرئيس الروسي - سيرغي يسترجيمبسكي - أن القيادة الروسية ترى مشكلات بين روسيا والاتحاد الأوروبي، ولكن وجود المشكلات لا يعني وجود الأزمة. وطلب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من الصحفيين عقب ختام اجتماع القمة الروسية الأوروبية الجديد التاسع عشر في الأسبوع الفائت عدم شحن الأجواء لأن التعاون بين روسيا والاتحاد الأوروبي سيستمر في أية حال لاسيما وإن مسارات التعاون عديدة مشيرا إلى أن quot;منازعات زراعيةquot; لا صلة لها بمسارات التعاون الأخرى مثل استكشاف الفضاء.

وأشار السيناتور الفرنسي إيف بوتسو دي بورغو في تقرير أعلن عنه قبل انعقاد القمة الأوروبية الروسية الجديدة إلى quot;تزايد الاعتماد المتبادل بين الاتحاد الأوروبي وروسيا التي هي أهم مورد للمواد الهيدروكربونية لبلدان الاتحاد الأوروبي وشريك تجاري قوي لهquot;.ويرى المحلل السياسي الألماني الكسندر رار أن روسيا لا تريد تصدير النفط والغاز إلى أوروبا عبر quot;بلدان غير صديقةquot;. ولهذا فإن الجانبين (الأوروبي والروسي) سيجدان بحسب رأيه المزيد من الصعوبات للتوصل إلى اتفاق لحل المسائل التجارية.


ولا شك أن انضمام بلدان أوروبا الشرقية المتعاونة مع الاتحاد السوفيتي السابق إلى الاتحاد الأوروبي أعطى دفعا قويا للتطورات السلبية على صعيد العلاقات الروسية - الأوروبية لأن القيادات الجديدة في أوروبا الشرقية سعت إلى quot;الانتقام لما مضىquot;. وفضلا عن ذلك ظهرت مشكلات بين أعضاء الاتحاد الأوروبي الجدد والقدماء.

وطالما رفض أعضاء الاتحاد الأوروبي القدماء الانشغال باللحوم البولندية التي ترفض روسيا استيرادها أو بمشكلة حصول ليتوانيا على النفط الروسي. ولكن رئيس المفوضية الأوروبية أعلن في النهاية أن المشكلات التي تواجه بولندا وليتوانيا واستونيا شؤون تخص الاتحاد الأوروبي برمته. واعتبر هذا الإعلان بمثابة انتصار أعضاء الاتحاد الأوروبي الجدد خاصة بولندا.

وأمام ذلك ربما كان أحرى بروسيا أن تراجع أسلوب التعامل مع الاتحاد الأوروبي متخلية عن المراهنة على التشتت الأوروبي خاصة وأن غرفة قيادة البلدان الأوروبية الكبيرة لم تعد تضم السياسيين الذين يجدون لهم مصلحة شخصية في تطوير العلاقات مع روسيا في حين أن دور بلدان أوروبا الشرقية السياسي في الاتحاد الأوروبي كبير لا يتناسب مع قدرتها الاقتصادية. ومن المشكوك فيه بالتالي أنه يمكن أن تحقق روسيا النجاح من دون تطبيع العلاقات مع البلدان التابعة للاتحاد السوفيتي السابق.