عامر ذياب التميمي *

هل ستتأثر الكويت بالأزمة الاقتصادية الراهنة التي تعصف بالاقتصاد العالمي؟ هذا السؤال يطرحه العديد من المواطنين والمهتمين بسلامة أوضاع الاقتصاد الوطني . ليس هناك من خلاف على أن أي أزمة اقتصادية تحدث في أي مكان في العالم، خصوصاً إذا حدثت في أكبر اقتصاد مثل الولايات المتحدة، لا بد أن تؤثر في مسيرة الاقتصادات الأخرى نظراً للترابط في ظل العلاقات التجارية والاستثمارية المتعززة بقيم العولمة . ولاحظنا أن أزمة الرهونات العقارية أثرت في العديد من البنوك التجارية والاستثمارية والمؤسسات المالية الأخرى في بلدان الاتحاد الأوروبي وبلدان شرق آسيا وغيرها لأنها اقتنت أوراقاً مالية ذات صلة بتلك الرهونات وتواجه الإدارات الاقتصادية في البلدان الرئيسية معضلة مهمة في توفيق أوضاعها الاقتصادية بعدما تراجعت قيم الأصول المالية والعقارية واشتدت أزمة القروض المصرفية في ظل ارتفاع معدلات التضخم .

والكويت بلد مصدر للنفط وقد استفاد من إيرادات النفط منذ تصدير أول شحنة في العام 1946 لتحسين الأوضاع المعيشية وتطوير البنية التحتية والارتقاء بالمستوى التعليمي والصحي لأفراد الشعب بعد معاناة طويلة مع ظروف اقتصادية شاقة قبل اكتشاف النفط . وخلال العقود الأخيرة وبعدما توفرت فوائض مالية مهمة للبلاد وظفت الحكومة أموالاً كبيرة في مختلف أدوات الاستثمار خارج البلاد، خصوصاً في الأدوات المسعرة في الأسواق المالية العالمية تقدر الاستثمارات الحكومية الكويتية بحوالي 300 مليار دولار موزعة على مختلف الأدوات الاستثمارية والعملات الرئيسية وفي بلدان عديدة مثل الولايات المتحدة وبلدان الاتحاد الأوروبي واليابان وغيرها من بلدان شرق آسيوية، هذه التوظيفات الاستثمارية لا بد أن تتأثر بأوضاع الأسواق هبوطاً وصعوداً، ومن الطبيعي أن ما جرى أخيراً في الأسواق المالية من تراجع في قيم الأصول المسعرة وكذلك التأثيرات المباشرة وغير المباشرة في الاستثمارات المباشرة والعقار أدت إلى تحقيق خسائر لكافة المستثمرين ما لم يتحرروا من تلك الاستثمارات وتحويلها إلى أدوات نقدية وحتى لو قام مستثمرون بتسييل الأصول فإنهم في ظل التراجع سوف يتكبدون خسائر معينة . أما إذا أبقوا على الاستثمارات فإن المحاسبين ومراقبي الحسابات سوف يقيمون الاستثمارات وقد يأخذون مخصصات نتيجة للخسائر المتحققة تؤدي إلى تحقيق خسائر دفترية .

إذا لا بد أن الاستثمارات الحكومية الكويتية قد واجهت، مثل بقية الاستثمارات الأخرى، مراجعات أدت إلى إعادة التقييم كما أن الشركات الخاصة والمدرجة في سوق الكويت للأوراق المالية وعدد كبير من رجال الأعمال يملكون أصولاً مهمة في مختلف الأسواق المالية العالمية وكذلك استثمارات غير مسعرة في مختلف البلدان الصناعية قد تعرضت لتراجع القيمة خلال الشهور المنصرفة، إذاً فإن الاصول غير الكويتية التي يملكها المستثمرون والشركات سوف ينعكس تراجعها على الأوضاع المحلية ويشكل هاجساً للمستثمرين في سوق الكويت للأوراق المالية وللبنوك والمؤسسات المالية الوطنية التي قامت بتمويل هذه الأطراف . يضاف إلى ما سبق ذكره أن الأزمة الاقتصادية أدت بشكل أو بآخر إلى تراجع سعر النفط مؤخراً نتيجة لضعف الأداء الاقتصادي الدولي ومحاولة ضبط الاستيراد من النفط في البلدان المستهلكة، لذلك فإن إيرادات الكويت، أو أي بلد مصدر للنفط، لا بد أن تتراجع وبعد أن تجاوز سعر الخام الكويتي في شهر يوليو/ تموز الماضي حاجز المائة وعشرين دولاراً فإن سعره الآن يتراوح بين 85 و90 دولاراً . إذاً فإن الإيرادات النفطية سوف تتراجع، وإن كان ذلك لا يشكل كارثة، حيث ستظل إيرادات كبيرة ومهمة وقد تتمكن الحكومة من تحقيق فائض مالي مهم حتى لو استمر تراجع أسعار النفط . لكن يبدو أن الارتهان لارتفاع أسعار النفط غير حصيف ويتطلب الأمر مراجعة للإنفاق العام للتواءم مع مستجدات الاقتصاد العالمي .

* باحث اقتصادي كويتي