وليد خدوري
تواجه الدول النفطية العربية أزمات اقتصادية كثيرة في آن، كأنه لا تكفيها مواجهة الانهيار الاقتصادي العالمي والتداعيات الناتجة منه. هناك، أولاً، ارتفاع معدلات التضخم عن المستويات المألوفة، التي تناولت خصوصاً أسعار العقارات والمساكن، كما استوردت التضخم من الخارج وانعكس ذلك زيادة في أسعار المواد الغذائية ومواد البناء، ومن ثم زيادة باهظة في أكلاف المشاريع الجديدة، خصوصاً النفطية.
وتبع حال التضخم هذه تدهور يومي لأسعار النفط، فتراجعت الأسعار نحو 60 دولاراً خلال الأسابيع القليلة الماضية، من السعر القياسي العالي 147 دولاراً لبرميل الخام الأميركي الخفيف إلى نحو 85 دولاراً للخام ذاته. وطبعاً لم تكن الأسعار القياسية في منتصف الصيف طبيعية، ولم يمكن الاعتماد على استمرارها. وأعلنت الأمانة العامة لمنظمة laquo;أوبكraquo; الأسبوع الماضي ان سعر سلة نفوطها سجل 80.04 دولار الثلاثاء الماضي، وهذا السعر قريب جداً من السعر المعتمد في موازنات بعض الدول النفطية العربية لعام 2009. وهناك كذلك آثار الانهيار الاقتصادي العالمي، ومن دون إعادة الثقة لدى المواطنين والمستثمرين، ستستمر الأسواق في مسلسل الانهيارات، على رغم صلابة بعض المؤسسات الصناعية الكبرى.
إننا مقبلون على فترة مظلمة لا يعرف فيها المسؤولون الماليون والاقتصاديون حتى الآن معالم خريطة الطريق التي يجب عليهم اتباعها، ما يعني ان فترة من التخمينات والتقلبات والخسائر ستسود إلى ان تستقر الأمور. لكن الظروف حين تستقر الأوضاع تبقى ضرباً من المجهول. ستضرب الخسائر الدول العربية أيضاً (النفطية وغير النفطية) حالها حال بقية أقطار العالم، فلا مفر من ذلك، وان كان فارق الخسائر بين دولة وأخرى ومصرف وآخر سيعتمد على مدى الانفتاح على قطاع اقتصادي عالمي معين.
يتطلب إصلاح النظام الاقتصادي العالمي بعض الوقت. ولا ندري بالضبط ما يمكن ان تقدمه الدول العربية في هذا المجال، وهي على ما هي عليه من الوهن السياسي. سيكون من الصعب مواجهة هذه التداعيات المهمة في الاقتصاد العربي في شكل منفرد، كما يحدث الآن، إذ تتخذ بعض المصارف المركزية في بعض الدول خطوات لتأمين السيولة اللازمة في أسواقها المالية. والمطلوب إعادة نظر في الوقت الملائم بعشرات من الاستثمارات الخارجية والمشاريع المحلية والتأكد من جدواها الاقتصادية في ظل الكساد الاقتصادي وانخفاض أسعار النفط.
لا يمكن الدول العربية النفطية التأثير في شكل مباشر في الانهيار الاقتصادي العالمي. لكن يبقى لهذه الدول ورقة رئيسة في يدها، هي السياسة النفطية. هناك من يطمح الى الحفاظ على سعر مئة دولار أو أكثر، غير آبه بالآثار السلبية في الطلب نتيجة الأسعار القياسية السابقة (انخفض الطلب نحو ثلاثة ملايين برميل يومياً، معظمه في الولايات المتحدة) أو بتداعيات الانهيار الاقتصادي على موازنة المستهلك وتأثير ذلك في الطلب على النفط.
من مسؤوليات laquo;أوبكraquo; في الأسابيع المقبلة اتباع سياسة إنتاجية تلبي الطلب العالمي على النفط في الأسواق الدولية، والحصول على سعر معقول في ظل الأوضاع السلبية الحالية، والذي سيكون طبعاً أقل من التوقعات السابقة، ما سيعني تقليص بعض النفقات الحكومية.
* كاتب متخصص في شؤون الطاقة
التعليقات